السيسي يختبر بايدن؟

حجم الخط
0

إسطنبول: تواجه السلطات المصرية حملة حقوقية، مدعومة من حكومات غربية ومنظمات دولية، في تحرك هو الأكبر منذ انتقادات مشابهة لأحداث فض اعتصام ميدان “رابعة العدوية” صيف 2013، في مقابل ردود مصرية تتمسك بمحوري تطبيق القانون على “المخالف”، ورفض أي تدخل في الشؤون الداخلية.

وجاءت الحملة الحقوقية المتصاعدة، إثر توقيف القاهرة 3 من مسؤولي “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” (منظمة- مقرها القاهرة)، عقب لقاء مع دبلوماسيين غربيين، وبالتزامن مع تحفيز منظمات حقوقية للرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، لممارسة ضغوط على النظام المصري.

موقف القاهرة، التي اعتقلت الحقوقيين الثلاثة وترفض الانتقادات، يراه حقوقي مصري خارج البلاد، “بالون اختبار حكومي لكيفية مواجهة الضغوط المتوقعة من الخارج في الملف الحقوقي مع نجاح بايدن (في انتخابات الرئاسة الأمريكية)”.

ووفق تقارير حقوقية ومعارضين، يقبع آلاف من قيادات عليا بجماعة الإخوان وأحزاب المعارضة ومنظمات حقوقية وصحافييين في السجون المصرية، بتهم عادة ما تقول السلطات إنها مرتبطة بـ”نشر أخبار كاذبة والانتماء لجماعة إرهابية والتحريض على العنف او وارتكابه”، نافية وجود موقوفين سياسيين لديها، ومتمسكة بـ”استقلال القضاء ونزاهته”.
وبقوة، وقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في السنوات الأخيرة خلف نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وتناقل الإعلام الأمريكي وصفه إياه بأنه “دكتاتوري المفضل”، بينما ألمح بايدن قبيل انتخابه أنه سيتخذ موقفا أكثر صرامة بشأن قضايا حقوق الإنسان بمصر.

الحملة الأكبر

في 19 نوفمبر/ تشرين ثاني 2020، انضم المدير التنفيذي لـ”المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، جاسر عبدالرازق، إلى زميليه المحبوسين احتياطيا، وهما المدير الإداري للمنظمة الحقوقية محمد بشير، ومدير وحدة العدالة الجنائية بالمنظمة كريم عنّارة، اللذين جرى توقيفهما قبله بأيام.

ووجهت النيابة لهم تهم “الانضمام لجماعة إرهابية (لم تسمها) وإذاعة بيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام والإضرار بالمصلحة العامة، واستخدام حساب على الإنترنت في نشر أخبار كاذبة”، مع حبسهم احتياطيا 15 يوما على ذمة التحقيقات.

ومنذ توقيفهم، أعربت كل من الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأيرلندا والسويد والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوقية مصرية بالداخل والخارج، في بيانات منفصلة، عن “قلق بالغ” من تلك التوقيفات، مطالبين السلطات المصرية بإطلاق سراحهم فورا.

وجاء توقيف قيادات المنظمة الحقوقية بعد أيام من لقاء عقدته المنظمة في القاهرة مع سفراء كل من ألمانيا والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا وفرنسا وفنلندا وهولندا والقائمين بأعمال سفراء كندا والسويد والنرويج، ونائب سفير المملكة المتحدة، وممثلين عن المفوضية الأوروبية، وفق تلك البيانات.

وناقش اللقاء، في 3 نوفمبر/ تشرين ثاني 2020، سبل دعم أوضاع حقوق الإنسان في مصر والعالم، حسب بيان للمبادرة.

ووجهت تلك الدول انتقادات حادة لملف حقوق الإنسان في مصر، مستخدمة ألفاظ بينها “قمع” و”ترهيب”، واستنكر بعضها “عدم استجابة القاهرة للدعوات العالمية لوضع حد للاعتداءات غير المسبوقة على أعضاء المبادرة المصرية”.

وقبل تسميته وزيرا للخارجية الأمريكية، قال أنطوني بلينكن، حين كان مستشار بايدن للشؤون الخارجية، في بيان، إن “بلاده قلقة إزاء اعتقال الحكومة المصرية حقوقيين”، مضيفا أن “لقاء الدبلوماسيين ليس جريمة”.

وأعاد حجم وعدد وثقل المنتقدين للملف الحقوقي المصري، وفق مراقبين، الأذهان إلى صيف 2013، عقب أحداث فض اعتصامي ميداني “رابعة العدوية” و”النهضة” في القاهرة الكبرى، والذي أسفر عن مقتل وإصابة المئات، وفق تقديرات رسمية، وأكثر من ألفين، بحسب منظمات وجهات معارضة.

وضم الاعتصامان رافضين للإطاحة بالرئيس المصري آنذاك، محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في 3 يوليو/ تموز 2013، بعد عام واحد في الرئاسة، حين كان السيسي وزيرا للدفاع.

بالمقابل، قالت وزارة الخارجية المصرية، السبت، إنها رصدت “ردود أفعال واستنتاجات مغلوطة على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حول القبض على عدد من العاملين بالمُبادرة المصرية للحقوق الشخصية”.

ورأت أن تلك الردود والاستنتاجات “تستبق نتائج التحقيقات التي تجريها السلطات القضائية المصرية”.

ودعت إلى “احترام مبدأي السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشئون الداخلية، اللذين نص عليهما القانون الدولي، الذي يحكم العلاقات بين الدول”.

وتابعت: “حرية العمل الأهلي مكفولة في مصر، والعمل في أي من المجالات يجب أن يكون على النحو الذي تُنظمه القوانين المطبقة ذات الصلة ومُحاسبة من يخالفها”.

“بالون اختبار”

واعتبر أحمد مفرح، حقوقي مصري متواجد في جنيف، “أن نظام السيسي ينظر إلى قضية المبادرة على أنها ضَرب لعصفورين بحجر واحد”.

وأوضح أن النظام يعتبرها “بالون اختبار يستكشف من خلاله مدى الضغوطات الخارجية التي من الممكن أن تُمارس عليه وحدودها”.

وتابع مفرح، وهو مدير تنفيذي في “كوميتي فور جستس” (منظمة حقوقية غير حكومية)، أن النظام المصري يضع في اعتباره “التغيير المتوقع في الإدارة الأمريكية الحالية وكذلك التغيير المتوقع في الخطاب الأوروبي علي إثر ذلك”.

ورأى أن التعامل المصري الرسمي مع هذه الضغوطات يهدف أيضا إلى “توجيه رسالة إلى الداخل المصري بأن النظام لا يزال قويا ومسيطرا على الأمور، حتى ولو كان بقمع نشطاء حقوقيين”.

وتحت وطأة ضغوط أمريكية متوقعة مستقبلا، يرجح مفرح 3 سيناريوهات ستتبعها القاهرة مع الملف الحقوقي، الأول “مزيد من القمع وخفض سقف توقعات تعديل مساره”، والثاني استخدام الملف كورقة تفاوض مع الضغوط التي ستتم عبر الإفراج عن سياسيين مقابل دعم اقتصادي، والأخير هو اتخاذ خطوات عقلانية وتخفيف التوتر وفتح مسافات تفاهم، مع ترجيح السيناريو الثاني.

وكانت تقارير صحفية مصرية تحدثت مؤخرا عن إطلاق سراح مئات المعتقلين، على غير العادة، وربط معارضون بين توقيتها آنذاك وإعلان وسائل إعلام أمريكية فوز بايدن بالرئاسة، التي سيتسلم مهامها رسميا في 20 يناير/ كانون ثاني 2021.

تحرك غير محسوب

أما سلمى أشرف، مديرة منظمة “هيومن رايتس مونيتور” (غير حكومية مقرها لندن)، فقالت إن “ردود فعل السلطات المصرية على الانتقادات الحقوقية تحاول فقط إظهار مصر كدولة قانون بادعاء أن هناك تحقيقات بالفعل تجري فيها وأنها تحترم القانون، بينما هي تستخدمه للتلاعب بالحقوق وإهدارها وواجهت انتقادات من منظمات دولية كبيرة”.

وتابعت: “هذه الخطوات لم تكن في صالح السلطة المصرية، خاصة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي ترفض سياسات السيسي القمعية ومحاولة تكميم الأفواه”.

وحول مستقبل الملف الحقوقي بمصر، قالت: “بايدن صرح سابقا بأنه لن يعطي الضوء الأخضر لديكتاتور ترامب (يقصد السيسي)، ما يعني أن مصر ستصبح في دائرة الضوء فيما يتعلق بالانتهاكات”.

وتوقعت “أن لا يتوقف الضغط الدولي أو ضغط المنظمات للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين في مصر”.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية