سياسة التهويد الزماني والمكاني المتدرج لمدينة القدس

تعتبر مدينة القدس المحتلة مركز جذب للمهاجرين اليهود، وساعدت في ذلك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي فرضت اقتطاعات سنوية كبيرة من الموازنات الإسرائيلية، لتنفيذ مزيد من المخططات الاستيطانية لتهويد كل مناحي الحياة في المدينة، حيث بات يقطن في جزئيها الشرقي المحتل عام 1967 والغربي المحتل في عام 1948 أكثر من ثمانمائة ألف يهودي من إجمالي مجموع اليهود في إسرائيل والأراضي والضفة الغربية في نهاية العام الحالي 2020.

مخطط ممنهج

تسعى حكومة نتنياهو إلى ترسيخ فكرة تقسيم المسجد الأقصى المبارك زمانيا ومكانيا بفترة زمنية قياسية، حيث يغلق الجيش الإسرائيلي بوابات المسجد الأقصى لأوقات طويلة لمنع المقدسيين من التواجد في المسجد الأقصى المبارك لفرض التقسيم الزماني، والانتقال بشكل ممنهج إلى تطبيق التقسيم المكاني، كما حدث في المسجد الإبراهيمي قبل أكثر من عقدين من الزمن.
جديد تلك الإجراءات التهويدية، توجيه جماعات الهيكل رسالة إلى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عمير أوحانا أخيراً، تطالبه فيها باتخاذ الساحة الشرقية للأقصى مدرسة توراتية دائمة.
وطالبوا بالسماح لأتباع المدارس الدينية بقضاء كامل الفترة المتاحة للاقتحامات في تعلم التوراة وتعليمها في الساحة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك.
وقد أكدت جماعات الهيكل في رسالتها لأوحانا أنها لا تعترف بالأوقات المحددة لليهود في الأقصى، وترى فيها تمييزا تمارسه شرطة الاحتلال ضدهم، وأن الأصل أن يسمح لأتباع تلك المدارس بقضاء أوقاتهم على مدار اليوم في الأقصى، إلا أنها ستقتصر في طلبها الحالي على تمكينهم من الدراسة خلال الأوقات المفروضة حاليا. ولفرض فكرة التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، تحاول إسرائيل توسيع أيام التقسيم، لتطال أياما محددة من العام، عدا الصلوات الخمس، جنبا إلى جنب مع استمرار الاقتحامات للأقصى، عبر تسيير زيارات مؤسساتية ودينية يهودية له، والعمل في الوقت ذاته على تغييب الجهات القانونية القائمة على الرباط في المسجد الأقصى المبارك، ناهيك عن إرهاب موظفي الأوقاف الإسلامية من خلال الاعتداء المتكرر على الناشطين منهم، بغية الحد من حركتهم المقاومة لاعتداءات المستوطنين.

الواقع الديمغرافي

لقد تسارعت، في فترات رئاسة بنيامين نتنياهو الحكومة الإسرائيلية، وتيرة الاستيطان في القدس بشكل غير مسبوق، فقد تمّ إصدار قوانين إسرائيلية عديدة خلالها، بغرض الإخلال في الواقع الديمغرافي لصالح اليهود في المدينة، وكان قانونا تهويد التعليم والغائبين في القدس من أخطر القوانين التهويدية العنصرية الصادرة. يرمي الأول إلى طرد أكثر من ثلاثين ألف طالب عربي مقدسي إلى خارج مدينتهم.
وتهدف إسرائيل من القانون الثاني إلى السيطرة على أملاك المقدسيين الذين طردوا خلال العقود الماضية من عمر الاحتلال الإسرائيلي، وجعلهم أقلية لا تتجاوز نسبتها (12) في المائة من إجمالي سكان القدس، بقسميها الغربي والشرقي. وتبعاً للسياسات الاستيطانية التهويدية في المدينة، بات في مدينة القدس 26 مستوطنة إسرائيلية، يتركز فيها 190 ألف مستوطن.
وفي مقابل ذلك، لا يزال في المدينة 230 ألف عربي مقدسي، تسعى إسرائيل إلى طرد غالبيتهم، بعد السيطرة على النسبة الكبرى من أراضيهم وعقاراتهم ومحالهم التجارية.

أوسلو والاستيطان

سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ اتفاقات إعلان المبادئ مع منظمة التحرير (أوسلو) في عام 1993 إلى تهويد الجزء الشرقي من مدينة القدس، لمحاصرة آمال الفلسطينيين؛ خصوصا المتعلقة بجعل الجزء الشرقي عاصمة الدولة الفلسطينية المنشودة. وقد استغلت إسرائيل انحياز إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المطلق لتصوراتها العدوانية التوسعية، لوضع مخططات وتنفيذ سياسات مدروسة حول مستقبل القدس، بغرض جعل اليهود أكثرية.
وعزز هذا التوجه التهويدي القوانين الإسرائيلية التي لا تفقد اليهودي الجنسية الإسرائيلية حتى لو غاب عشر سنوات، أو عدة عقود، أو حمل جنسية إضافية، على عكس الفلسطيني المقدسي صاحب الأرض الأصلي، الذي يفقد إقامته في وطنه ؛ إذا عاش الفلسطيني خارج القدس سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية دولة أخرى، وكذلك الحال إذا سجل العربي المقدسي إقامته في بلد آخر.
وتبعاً لهذه الحالات، تقدّر المصادر الإسرائيلية عدد العرب في القدس المعرّضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو إبقاءهم خارجها.
ولقلب الواقع الديموغرافي لصالح اليهود في مدينة القدس، تسعى حكومة نتنياهو لجذب مزيد من يهود العالم إليها، عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة من دول أفريقية وآسيوية، بعد تراجعها من الدول الأوروبية وأميركا وكندا، من خلال تقديم مغرياتٍ مالية إسرائيلية سخية للعائلة اليهودية التي تقطن في القدس أو الأطواق الاستيطانية والأحياء العربية القديمة.

الإجراءات الإسرائيلية

وقد وضعت كل الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وفق مايسمى أحكام القانون الإسرائيلي، الدقيق والمخطط له مسبقاً، فصاحب الأرض الأصلي العربي المقدسي، وفقاً لنسق تطور الملكية والسكان، معرّض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي للمهاجراليهودي الآتي من دول العالم المختلفة إلى فلسطين المحتلة، والحامل لأكثر من جنسية، أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين المحتلة، حتى يصبح مواطناً في مدينة القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب عشر سنوات، أو عدة عقود، أو حمل جنسية إضافية، على عكس العربي المقدسي صاحب الأرض الأصلي الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية عنصرية وفاشية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكل الوسائل.

كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مها حديد:

    ستبقى القدس لنا رغم التهجير والاسر والتنكيل بنا

إشترك في قائمتنا البريدية