“طبّع نساعدك”… صيغة أمريكية تقلب الموازين

حجم الخط
1

حصل شيء ما في سياسة الولايات المتحدة في السنة الأخيرة لولاية إدارة ترامب. فلأول مرة تستخدم أمريكا قوتها الرقيقة، قوة الإقناع، كي تثبت صيغة جديدة في إدارة المساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية لدول إسلامية في الشرق الأوسط، إفريقيا وآسيا. والصيغة هي: دولة تريد المساعدة الأمريكية ملزمة أولاً بأن تطبع علاقاتها مع إسرائيل. شرط ضروري للدعم الأمريكي هو سلام سياسي مع إسرائيل؛ هذا هو ثمن لقاء العناق.

يتعارض النموذج الجديد مع تقاليد طويلة السنين للتدخل الأمريكي في منطقتنا. فالولايات المتحدة لم تضغط في الماضي على أي دولة عربية إسلامية لتعترف بإسرائيل ولتعلن عن التطبيع معها، فما بالك أنها لم تطرح التطبيع كشرط للمساعدة سواء الدبلوماسية أو العسكرية. لقد سبقت المصالح الأمريكية دوماً المصالح الإسرائيلية وفصلت عنها بعناية. وعندما وقعت اتفاقات السلام بين إسرائيل والأردن مثلاً، كانت إسرائيل هي التي طلبت من الإدارة الأمريكية منح الأردن مكانة دولة تجارة مفضلة وإعفاء المنتوجات الأردنية من الجمارك العالية.

وبدأ المفهوم الجديد يتبلور مع نشر خطة لاستثمارات أمريكية كبرى في السلطة الفلسطينية (“من السلام إلى الازدهار”)، عندما يهجر الفلسطينيون موقفهم الرافض، على حد تعبير الكاتب الأعلى للخطة جاريد كوشنر. فوجئت القيادة الفلسطينية بالخطة، وشعرت بالإهانة، وردت بغضب: “لن يشترونا بالمال”، أعلن أبو مازن. ويحتمل الآن أن يكون هو، أو على الأقل سياسيون فلسطينيون في محيطه يندمون على الرفض.

وهكذا يلقى تعبير “صفقة القرن” معنى غير متوقع: “الصفقة” تعني مساعدة أمريكية مباشرة وغير مباشرة للدول والأنظمة مقابل تطبيع كامل للعلاقات مع إسرائيل. ليست إسرائيل هي التي “تدفع” لقاء التطبيع معها بعملة أمريكية، بمعنى بممارسة نفوذها المعروف للجميع على أصحاب القرار في البيت الأبيض. العكس هو الصحيح: إسرائيل تتلقى، وأمريكا تعطي، والنظام في الدول العربية والإسلامية يدفع. يدفع بالتطبيع معنا.

ومع ذلك، لا يمكن للقوة العظمى الوحيدة في العالم أن تعمل في فراغ، فنهج “لا مساعدة بدون اعتراف” قد ينجح لأن رئيس الوزراء نتنياهو كان مستعداً لدفن أحلام الضم، ورؤساء الدول العربية والإسلامية الذين أدارت إدارة ترامب معهم المفاوضات، لم يروا الاعتراف بإسرائيل ثمناً سياسياً – قومياً جسيماً جداً ولا تهديداً مباشراً على نظامهم، وبدوا كمن كانوا ينتظرون الفرصة للكشف عن العلاقات مع إسرائيل والتطبيع معها، والمقابل الأمريكي السخي منح الشرعية والحافز العلني.

سبق الخطوات الأمريكية لصالح التطبيع مع إسرائيل تغيير في الوعي وانعطاف أيديولوجي: معظم الأنظمة العربية لم تعد تطرح التسوية الإسرائيلية -الفلسطينية كشرط للاعتراف الكامل بإسرائيل. وهم مقتنعون –أكثر فأكثر– فإن التطبيع سيحفز ويدفع التسوية إلى الأمام؛ لأن لإسرائيل ما تخسره إذا ما رفضت المبادرات للحل الوسط وضمت المناطق، ولأنه سيفتح عيون الفلسطينيين لكون إسرائيل حقيقة سياسية ناجزة. سيجبرهم -ويجبرنا – على مواجهة الواقع. هذه هي روح الزمن التي تهب بقوة في أرجاء العالم العربي والإسلامي، وذلك نتيجة ثورة وباء كورونا، وفشل مدو لمظاهرات الاحتجاج والتمردات المدنية قبل عقد (الربيع العربي) وتصفية الجهاد المتزمت بمعظم أشكاله.

إن مستقبل هذه السياسة الأمريكية محوط بالضباب الآن؛ فالرئيس المنتخب جو بايدن وإن كان يعتزم تعيين شخصيات معتدلة ومجربة ذات توجه مؤيد لإسرائيل في مناصب أساسية في إدارته، إلا أنه ليس مؤكداً أنهم سيتبنون “صيغة كوشنر” بحماسة وتصميم. وحينئذ سيتعزز المعسكر السياسي الصقري المتجه يميناً –يميناً جداً– عن نتنياهو البراغماتي.

لقد سبق لإسرائيل أن تعلمت من الماضي كم هو مهم التطبيع مع الجيران القريبين والبعيدين، وكم هي سريعة إعادته إلى الوراء. إذا ما تم تقديم موعد انتخابات الكنيست، فإن الحفاظ على إنجازاتها كفيل بأن يكون اعتباراً ثقيل الوزن في تفضيلات الناخبين.

بقلمسيفر بلوتسكر

 يديعوت 15/12/2020

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بايغون بن رييد البف بافي:

    من دهنه قلليلو يا عرب!

إشترك في قائمتنا البريدية