العودة من طريق أوسلو

حجم الخط
1

ربع قرن ونيف مر على توقيع اتفاق أوسلو، هذا الاتفاق الذي أعطى للقيادة الفلسطينية (منظمة التحرير الفلسطينية) بصيص أمل في بناء الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين المحتلة (الضفة الغربية وغزة).
اليوم تقف السلطة الفلسطينية في رام الله، وحماس في غزة موقفا صعبا للغاية، فقد توالت الضربات الموجعة من قبل الإدارة الأمريكية من جهة (نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبارها عاصمة إسرائيل، إطلاق مشروع صفقة القرن) وعزم إسرائيل على ضم أراض فلسطينية، وانطلاق قطار التطبيع السريع من قبل أربع دول عربية (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب) ودول أخرى تنتظر القطار ليتوقف في محطتها لتستقله. وكل ذلك على حساب الشعب الفلسطيني.

السلام الفلسطيني

الرئيس الفلسطيني محمود عباس الراعي، والمهندس، والموقع على اتفاق أوسلو وصف هذا الاتفاق في كتابه «طريق أوسلو» إلى أنه الطريق إلى بناء كونفدرالية بين إسرائيل، والأردن، والكيان الفلسطيني (ولم تذكر كلمة دولة) يقول «إن إسرائيل تسعى إلى ضم أجزاء من الضفة والقطاع، وتحاول السيطرة على المياه، وستعمل على ضم القدس..سواء كانت نتيجة الحل دولة مستقلة، أو كونفدرالية… ولذلك علينا أن لا نربط بين رغبات إسرائيل بالضم والسيطرة وبين الخيار الذي سيتم في النهاية وهو الكونفدرالية».
هذه القناعة الراسخة لدى الرئيس الفلسطيني هي ثمرة لنضال طويل من المقاومة، ومن الاتصالات السرية والمعلنة «لهجوم السلام الفلسطيني» يستهل أبو مازن كتابه بالقول:» على طائرة الملك الحسن الثاني الخاصة، غادر وفدنا تونس في يوم الأحد 1993.9.12 إلى واشنطن».. ويتساءل: «هل هي رحلة العودة إلى الوطن؟ أم رحلة التوقيع على التنازل عن جزء كبير من الوطن؟»..
ويستمر في التساؤل: «لماذا أذهب للتوقيع على اتفاق لست جزءا منه؟ وقد لا يكون لي فيه بيت أو مقر إقامة؟ وهل ما سنقوم به سيفتح الباب أمام المستقبل أم يقفل الطريق إليه؟ وهل فرطنا بحقوق الشعب أم حافظنا على هذه الحقوق؟» هذه التساؤلات كانت بمحلها لأن الشكوك في الوصول إلى ما كانت تصبو إليه قيادة منظمة التحرير قد تحققت رغم كل التفاؤل الذي كان يسيطر على نظرتها للمستقبل، (كنت قد توجهت بالسؤال إلى الرئيس محمود عباس في العام 2000 هل تعتقد أن هذا العام هو عام الدولة الفلسطينية فأجاب: إن لم يكن هذا العام ففي العام المقبل).
اليوم المغرب التي خصصت طائرة الملك الخاصة لتوقيع اتفاق أوسلو، ركبت قطار التطبيع ولم تنتظر إعلانه قبل نيل الفلسطينيين حقوقهم، على غرار الدول العربية الأخرى المطبعة،(رغم تأكيدها على ثوابتها بالنسبة للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني) ورغم توقيعهم جميعا على أهم مقررات القمم العربية: مبادرة الملك عبد الله، الأرض مقابل السلام في مؤتمر بيروت 2002.
والمملكة العربية السعودية التي كانت الممول الرئيسي لمنظمة التحرير، هي التي تقود قطار التطبيع بنفسها وتعتبر مبادرة الملك عبد الله حبرا على ورق وقد عفى عليها الزمن، وتلتقي مع تل أبيب في رفضها للمبادرة جملة وتفصـيلا، فتـم وأدهـا خديـجة.
أما السودان راعية القرار الثاني الأهم من قرارات قمم العرب، عاصمة اللاءات الثلاثة (لا سلام، لا اعتراف، لا مفاوضات مع إسرائيل، وكان الوفد الفلسطيني برئاسة أحمد شقير له الفضل في الضغط على المؤتمرين لتبني اللاءات الثلاثة التي أصبحت شعارا للفلسطينيين ولكل الأنظمة العربية، ماعدا مصر التي وقعت اتفاق كامب ديفيد، لغاية توقيع اتفاق أوسلو من قبل منظمة التحرير نفسها).

ترتيبات الحكم الذاتي

وحده النظام المصري كان على علم بهذه المفاوضات، أما الأردن الشريك المفترض في الكونفدرالية فكان آخر من يعلم لأن الرئيس ياسر عرفات لم يطلع الملك حسين، وأبو مازن لم يطلعه لأنه حاول ثلاث مرات ترتيب لقاء معـه دون جـدوى: «فات الوقت. وحصل التوقيع في أوسلو ونشر الخبر في الصحافة الاسرائيلية وغضب الحسين غضبا شديدا لأننا أخفينا عليه الأمر من بدايته إلى نهايته» لم يتأخر الملك حسين في توقيع اتفاق مماثل في وادي عربة (بعد سنة تقريبا من اتفاق أوسلو) ولم يتحدث عن الكونفدرالية المزعومة، وإسرائيل أصلا لم تكن راغبة في كونفدرالية يكون فيها العرب أكثرية.
الاتفاق الذي اطلق عليه اتفاق أوسلو نسبة للعاصمة النرويجية هو «اتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي» والحكم الذاتي الانتقالي يدوم خمس سنوات، يتم بعدها:
«تسوية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 و338 قرار مبادئ سلام عادل في الشرق الأوسط» وهذا يعني أنه كان على إسرائيل الانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1998 لكن في تلك الأثناء تم اغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين الذي وقع الاتفاق، وقامت الحكومات المتعاقبة بعدة باغتيال الاتفاق نفسه من شارون إلى بيبي نتنياهو، وهذا الأخير لم يكتف بذلك بل زاد في الطنبور نغما مع مايسترو فرقة الضم والتطبيع دونالد ترامب الذي ابتدع مع صهره كوشنير صفقة القرن التي لاقت استحسانا لدى أنظمة الدول المطبعة، والتي زادت حتى من الشعر بيتا بتحميل الفلسطينيين الملامة.
أما في الجانب الفلسطيني فمنذ البدايات كانت هناك أكثر من جبهة ضد التطبيع، ثم انضمت حماس للمعارضة واستطاعت السيطرة على غزة فبات الحكم الذاتي حكمين: رام الله الحائرة، وغزة المحاصرة. والإسرائيليون يصولون ويجولون في العالم والإسرائيليون يسرحون ويمرحون في العالم العربي كما يحلو لهم، يقصفون سوريا ليلا نهارا، ويغتالون من يريدون، ويحتفلون بالحانوكا في أبو ظبي، ويجتمعون مع محمد بن سلمان في نيوم، ويضغطون على أكثر من نظام عربي ليلحق الركب ويصعد قطار التطبيع السريع..
أما اتفاق أوسلو فلم يتم حسب بنوده انسحاب إسرائيل من أراضي الـ 67 بل احتلت أراضي جديدة، وترسب فوقه غبار كثيرة، بعد أن وضع على الرف.

كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي رياض معسعس. بعد اتفاقات أوسلو صدر كتاب محمد حسنين هيكل أوسلو ومابعدها شرح فيها تفاصيل المحادثات والإتفاقات التي نتجت عنها. اعتقدت يومها بالفعل أن السلام ممكن لكن بعد أن قرأت التفاصيل في المتاب المذكور ادركت تماما أن السلام نفسه والقضية الفلسطينية برمتها كانوا الضحية!. الهدف الأساسي لإسرائيل وخاصة بيريز أبو القنبلة الذرية الإسرائيلية هو سلب القضية من القيادة الفلسطينية نفسها والقيادة الفلسطينية كانت في أضعف أوقاتها بعد أن ضربها النظام السوري ودمر تل زعترها ومن ثم طرتها إسرائيل من لبنان. كانت الإنتفاضة مابوس فوق راس رابين فاضطر للاتصال بالقيادة الفلسطينية التي مانت تتردد وتحتار ومن ثم تعود، وتوقع والطريقة التي تمت فيها المحادثات والخرائط والتخطيط والعمل كانت هزيلة جدًا بالنظر إلى أهمية قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني. لقد فشلت القيادة الفلسطينية واعتقد ان أبو مازن نفسه كما يبدو من خلال كتاباته، يدرك أن هذا الفشل تتحمل مسؤليته القيادة وإن كان ليس بمفردها بمل تأكيد، وهذا ماأوصلنا إلى مانحن فيه اليوم من مرارة التاريخ.

إشترك في قائمتنا البريدية