عشر سنوات على الثورة: تونس التي صنعت ديمقراطيتها وأضاعت بوصلتها

روعة قاسم
حجم الخط
0

تونس ـ «القدس العربي»: أحيت تونس الذكرى العاشرة لاندلاع الشرارة الأولى لثورة الحرية والكرامة يوم 17 كانون الأول/ديسمبر سنة 2010 وأدت إلى تنحي الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عن السلطة يوم 14 كانون الثاني/يناير من سنة 2011 ومغادرته للبلاد. لكن المظاهر الاحتفالية غابت هذا العام أو كادت تغيب عن الشارع التونسي، وبرزت بالمقابل احتجاجات جديدة ترفع نفس المطالب الاجتماعية وكأن شيئا لم يتغير طيلة العشرية الماضية.
وحتى مدينة سيدي بوزيد التي انطلقت منها الاحتجاجات منذ عشر سنوات شهدت تظاهرات باهتة لا توحي بأن هناك احتفالات بذكرى ثورة غيرت السائد في البلاد، وكانت ملهمة للتغيير في أكثر من بلد عربي. فقد اقتصر الأمر في حضور الاحتفالات على المسؤولين المحليين والجهويين بولاية سيدي بوزيد دون سواهم وذلك خلافا للسنوات الأولى أين كانت مدينة محمد البوعزيزي تشهد حجّا جماعيا للمسؤولين التونسيين.
ولم يحضر الرؤساء الثلاثة إحياء هذه الذكرى واقتصروا على إصدار بيانات لعل أكثرها لفتا للانتباه بلاغ رئاسة الجمهورية الذي جاء فيه أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يمكنه أن يتحول يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2020 إلى سيدي بوزيد “منطلق الانفجار الثوري غير المسبوق في التاريخ” على حد تعبير البيان، وذلك نظرا لالتزامات طارئة لرئيس الجمهورية. ويتوجه ساكن قرطاج، وفقا لهذا البيان، إلى أهالي سيدي بوزيد بـ”التحية والإكبار” ويعدهم بلقاء قريب.
وقد اعتبر جل المحللين، تعليقا على هذا البلاغ، أن هناك خلطا لدى مؤسسة الرئاسة بين البلاغات الصادرة عن المؤسسات الرسمية والنصوص الإنشائية المحشوة بالعبارات الأدبية المنمقة. فالكلمات الواردة في البلاغ لا يستعملها عادة رجل القانون الذي من المفروض أنه ينتقي جيدا مصطلحاته ولديه معاجمه الخاصة باعتبار أن القانون ليس بالعلم الصحيح ولكنه علم المصطلحات الصحيحة. وذهب البعض إلى حد اعتبار أن قيس سعيد لم يعد يؤمن بالثورة التي وظف شعاراتها ورفعها مثل غيره ممن استغلوها لأغراض انتخابية صرفة ويبدو أن حماسه لها قد خفت بعد وصوله إلى قرطاج، وهو ما يستشف من التمعن في قراءة ما وراء السطور في هذا البلاغ، بحسب أصحاب هذا الرأي.
وقد عبرت أطراف عديدة في سيدي بوزيد عن استنكارها وغضبها من عدم زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد المدينة لإحياء ذكرى اندلاع الثورة.
ويعتبر هؤلاء أن التحجج بالقوة القاهرة والأمر الطارئ في بلاغ رئاسة الجمهورية غير منطقي باعتبار أن النشاط الرئاسي يتم الإعداد له منذ فترة طويلة ولا مجال فيه للطوارئ.

وعود لم تتحقق

ولعل السبب في فرار مسؤولي الدولة من سيدي بوزيد هذا العام هو عجزهم عن تقديم أي شيء لأهالي الولاية التي وعدوها بالكثير ولم يحققوا لها شيئا طيلة عشر سنوات. ويعتقد أن أهالي سيدي بوزيد لن يصدقوا وعودا وهمية جديدة وقد يتصرفون بتهور مع زائرهم حتى وإن كان ساكن قرطاج نفسه أو رئيسي الحكومة والبرلمان خاصة وأن التجربة تؤكد أنه تم رشق كبار مسؤولي الدولة سابقا بالحجارة في سيدي بوزيد نفسها وفي مثل هذه المناسبة.
لقد انتفضت الجهات الداخلية منذ عشر سنوات مطالبة بالتنمية والتشغيل والكرامة واتفق الجميع على عدالة مطالبها بعد قرون من التهميش وعدم الاهتمام من قبل الدولة التي أولت اهتمامها بجهات أخرى. لكن بعض السياسيين ركبوا على هذه المطالب العادلة وغيروا وجهتها واستفادوا من الثورة ماديا وسياسيا وخدموا مشاريع لا علاقة لها بمصالح تونس التي ذهبت أدراج الرياح.
فرغم مكاسب حرية الرأي التعبير التي حصدها التونسيون من ثورتهم، إلا انه بعد عشر سنوات من الثورة لم يتحقق الانتقال الاقتصادي المنشود بل ازدادت نسب الفقر والبطالة وتدهورت القدرة الشرائية للمواطن واستهدفت الطبقة الوسطى وانهار الاقتصاد التونسي وتراجعت نسب النمو وسعر صرف الدينار التونسي وأفلست الكثير من مؤسسات الدولة. ودأبت الطبقة السياسية على الصراع فيما بينها غير عابئة بمشاكل التونسيين وبالنكبات التي حلت بهم والتي زادت طينها بلة أزمة كوفيد التي أضرت بعديد القطاعات.

مراجعات أكيدة

كل هذه الأزمات دفعت عديد التونسيين إلى عدم الحماس للاحتفال بثورة لم تحقق لهم مكاسب اقتصادية واجتماعية وحتى المكاسب السياسية تبدو بحاجة إلى مراجعة مع المطالبات بتغيير شكلي النظام الانتخابي والسياسي. وحتى حرية التعبير التي يتباهى بها التونسيون هي اليوم مستهدفة من خلال الطبقة السياسية الجديدة التي تحاول إسكات كل صوت ناقد ومعارض سواء من خلال فبركة الملفات القضائية لصاحب الصوت الحر أو من خلال تسليط إدارة الجباية عليه لاستهدافه.
لذلك تبدو تونس اليوم بحاجة إلى حوار وطني حقيقي جامع لكل الأطراف دون تمييز لإيجاد الحلول لكل المعضلات المتراكمة ولتقييم تجربة السنوات العشر التي تبدو بحاجة إلى ورشة عمل كبرى وإصلاحات بالجملة لأن الوضع لم يعد يحتمل. وهناك حالة من التململ يخشى أن تتحول إلى عاصفة هوجاء تأتي على الأخضر واليابس ما لم يقع تدارك الأمر وفي أسرع الآجال، ولعل تعدد المبادرات التي تطرح هذه الأيام من قبل أحزاب وشخصيات وطنية ومنظمات وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل توحي بأن هناك شعورا عاما بالقلق على مستقبل تونس التي صنعت ديمقراطيتها وأضاعت بوصلتها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية