لندن ـ «القدس العربي» ماذا يجري في عاصمة «الخلافة» الرقة؟ سؤال ورد في عدد من التقارير في الفترة الاخيرة والتي لم تركز فقط على الغارات الجوية التي قام بها النظام السوري لبشار الأسد ضد المدينة، وإنما على الحياة الإقتصادية فيها ومذاقات الجهاديين الأجانب الذين أحدثوا انتعاشا في اقتصاد الحرب بمناطق تنظيم الدولة الإسلامية.
ففي الوقت الذي أغلقت المقاهي أبوابها وبدأت المطاعم بتوصيل الطلبات للبيوت نظرا لسياسة الفصل بين الجنسين وازدهرت تجارة الهواتف المحمولة التي يقبل الجهاديون خاصة من دول الخليج على تغييرها كلما نزل للسوق نوع جديد منها.
ويقبل الجهاديون الأجانب على شراء ألواح الشوكولاته «باونتي» و «سنيكرز» والمشروبات الغازية التي تعطي الطاقة للجسم مثل «رد بول».
ويتم استيراد هذه المواد من تركيا أما البطاطا المقلية ـ تشيبس- فيتم احضارها من مناطق النظام حيث يضيف التجار 10% ٪ على سعرها لتعويض الرشاوي التي دفعوها للجنود الذين يحرسون نقاط التفتيش. وذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» يوم الجمعة أن مذاق المقاتلين الأجانب انعش اقتصاد مدن مثل الرقة وقرى في دير الزور.
وقالت إن المحلات التي كانت تبيع المشروبات الكحولية والسجائر أغلقت أبوابها إلا ان باعة المأكولات السريعة، ومحلات الملابس التي تبيع الزي العسكري ومتعلقاته، وكذا محلات الهواتف النقالة انتعشت.
اقتصاد يدفعه «داعش»
ونقلت عن صالح من مدينة الرقة قوله إن «معظم الاقتصاد في مناطق داعش متأثر ومدفوع بتلبية حاجات المقاتلين الأجانب وكل شيء غير هذا يعتبر صفرا».
وأشار صاحب بقالة أن«بعض هذه الماكولات السريعة لم يكن معروفا أو كانت أشياء كمالية لا يستطيع الكل الحصول عليها، وعندما طلبها المقاتلون الأجانب، طلبت من تاجر الجملة الذي أتعامل معه توفيرها».
ويقبل المقاتلون على ماركات معينة من التشبس «برينغلز» حيث يشترونها بالصناديق كي يتشاركوا بها في ساحات القتال.
ويصل سعر الصندوق إلى 5.50 دولار أي ضعف ما ينفقه السوري في اليوم. ويشكو السكان من فرض التنظيم الاحكام المتشددة عليهم في الوقت الذي يرفه المقاتلون عن أنفسهم في المطاعم وأكل الشوكولاتة والبرينغلز.
ورغم ما تتعرض له مناطق داعش من قصف مستمر إلا ان التجار يغامرون ويسافرون إلى الجانب التركي لإحضار آخر موديلات الهواتف الذكية «غلاغسكي سامسونغ» و «أي فون6» وغيرها التي يقبل عليها الجهاديون خاصة من السعودية ودول الخليج، أما السوريون فلا يزالون يستخدمون هواتف «نوكيا» عفا عليها الزمن.
ونظرا لمنع التدخين والنقاشات السياسية فقد أغلقت كل المقاهي أبوابها، يقول ناشط «ما ستفعل في المقهى، التدخين، لكنه أصبح محرما»، كما و «يقوم داعش بمداهمة المقاهي بشكل مستمر، حيث كانت تعتبر رمزا للنشاطات السياسية. وقدم مارك تاونسند، مراسل صحيفة «أوبزيرفر» صورة أكثر شمولية عما يجري في الرقة تحت عنوان «صلب، وجهاديون يشربون ريد بول والغارات الجوية: الحياة في الرقة عاصمة داعش».
فقراء وأغنياء
وقال تاونسند إن سكان الرقة المدينة المحاصرة وعاصمة الخلافة المزعومة يعانون من الجوع، والتضخم والانقطاع المستمر للكهرباء والفقر لدرجة تم فيها إنشاء مطابخ لصناعة الشوربة.
واستطاع الصحافي جمع روايات عن الحياة في سادس كبرى المدن السورية ـ قبل الثورة- من خلال ناشطين قدموا تفاصيل عن الحياة في داخل المدينة. وتقدم شهاداتهم صورة عن مجتمع أصبح مقسما بين من يملك ولا يملك، حيث يتمتع مقاتلو داعش والعاملون في مؤسساتهم بأحسن الخدمات بما فيها مستشفيات خاصة ومستوى من الدخل أعلى نسبيا من الدخل الذي يحصل عليه الناس العاديون الذي يكافحون لتلبية احتياجاتهم اليومية.
وتصف شهادات الناشطين الطريقة التي يتعامل فيها تنظيم الدولة الإسلامية مع المعارضين له، حيث قام بصلب عدد منهم في ساحة الجنة الرئيسية في الرقة، وقام بعمليات قطع رؤوس وجلد لمن قبض عليه وهو يدخن.
ونقل تاونسند عن أبو إبراهيم الرقاوي وهو مؤسس شبكة من الناشطين باسم «الرقة تذبح بصمت» قوله «يقوم داعش بقتل الكثير من الناس وشاهدنا عددا من الإعدامات وقطع الرؤوس، وشاهدت بنفسي صلب خمسة في المدينة ويطلق الناس الآن على ساحة النعيم اسما آخر وهو ساحة الجحيم».
وفي الوقت نفسه يعاني السكان من كابوس يومي إضافي وهي الغارات التي يقوم بها النظام السوري كل صباح والتي تتبع غارات التحالف التي يقوم بها في الليل. فعندما قامت المقاتلات التابعة لنظام الأسد بشن غارات وقتلت العشرات في الأسبوع الماضي لم يطلق داعش ولا صاروخا عليها مما دفع الناس نحو التطرف أكثر كما يقول الناشطون.
ويقول الرقاوي»يشعر الناس بالغضب لأن داعش لم يطلق ولا قذيفة على المقاتلات، وراقب الناس وهم يموتون، ونحن نعيش وضعا تقوم به الحكومة السورية بغارات في بداية اليوم، وفي نهايته تقوم طائرات التحالف بغارات،الجميع هنا متعبون وخائفون».
ويقول تاونسند إن شهادات الناشطين من شبكة «الرقة تذبح بصمت» تقدم صور عن الطريقة التي يدير فيها المقاتلون «خلافتهم» الوليدة والتي يعيش فيها حوالي 6 ملايين نسمة في شمال سوريا والعراق.
ويصف الرقاوي اقتصادا عاجزا تديره مجموعة من المتطرفين الذين لا يخضعون لأية رقابة ويعيشون بشكل مرفه فيما يكافح الآلاف من أجل الحصول على المواد الأساسية. فقد ارتفع سعر الخبز إلى 150% ضعفا من 39 ليرة سورية إلى 94 ليرة إلى 250 ليرة وذلك منذ أيلول/ سبتمبر.
وفي الوقت نفسه يقول التقرير ان مقاتلي داعش يتفاخرون بتناول المشروبات الغازية مثل رد بول التي تباع علبته بـ250 ليرة سورية، ويتقاضون علاوات تصل إلى 30.000 ليرة سورية أي ضعف ما يمكن للسوري العادي الحصول عليه.
نقص في كل شيء
ورغم التفاوت الإجتماعي بين السكان ومقاتلي داعش يحصل التنظيم على 3 ملايين دولار أمريكي من تهريب وبيع النفط السوري في السوق السوداء، والتنظيم على ما يبدو ليس مهتما بتوزيع الثروة على السكان كي ينال دعمهم. ويقول الرقاوي «لدينا هنا شيء نطلق عليه مطبخ الإغاثة، مثل مطبخ لتوزيع الشوربة. ويقدم وجبة مجانية في اليوم وتستخدمها ألف عائلة، ولا يقدم داعش الوجبات للسكان».
ويعاني السكان من نقص المياه حيث أجبرت بعض العائلات على استخدام مياه الفرات حسب الرقاوي وذلك بعد تدمير قوات التحالف محطة مياه تزود المدينة بالمياه الصالحة للشرب ودمرت كذلك مصفاة للنفط، وهو ما أثر على حياة السكان وليس على داعش. ويقول الرقاوي إن المدينة تعاني من الفقر والأمراض، والمشكلة الكبيرة داخل المدينة هي ان الأسعار أصبحت عالية جدا بخاصة بعد الغارات التي قام بها التحالف الدولي، ولم يعد هناك كهرباء والجميع يعتمدون على المولدات الكهربائية الخاصة».
وأضاف «عندما دمرت قوات التحالف مصفاة النفط داخل المدينة ارتفعت الأسعار ثلاثة أضعاف، ولم يكف توفير الناس لشراء الطعام لأنه أصبح باهظ الثمن».
وبالمقارنة يعيش مقاتلو داعش في رفاهية حيث تعمل المولدات الكهربائية ليل نهار فيما يحصل بقية السكان على ثلاث أو خمس ساعات في اليوم. كما يعمل في المستشفيات الخاصة التي يستخدمها داعش فقط أحسن الأطباء والممرضين.
وتتوفر فيها أحسن المعدات الطبية أما الناس العاديين فيموتون بشكل مستمر بسبب نقص الدواء والعناية الصحية المناسبة.
ويقول «يموت الناس بسبب الجروح التي تعرضوا لها ولنقص الأدوات الطبية والإمدادات ولعدم توفر الأطباء وسيارات الإسعاف. ويستخدم داعش مستشفياته الخاصة والتي لا يسمح للمدنيين باستخدامها. ويتوفر فيها أحسن الاطباء وأحسن العناية الطبية».
ويقول تاونسند إن الناشطين موزعون على مناطق مختلفة من المدينة ويستخدمون لغة مشفرة من أجل تجنب الهاكرز التابعين لداعش.
وآخر دعواتهم هي مناشدة الولايات المتحدة لوقف نشاطات الجيش السوري وجعل المدينة منطقة حظر جوي. وكان الطيران السوري قد أدى لمقتل أكثر من مئة شخص يوم الثلاثاء في تسع غارات استهدفت مناطق مدنية شملت سوقا مزدحما قرب متحف المدينة. ويقول الرقاوي إن هجمات الثلاثاء تعتبر الأكثر دموية منذ بدء الإنتفاضة في عام 2011. ويعيش في الرقة أكثر من 200.000 نسمة ولدى داعش قوة تتراوح ما بين 3.000 ـ 5.000 مقاتل مع أن عددها يقل أو يزيد بحسب الوضع القتالي في مناطق «الخلافة» الأخرى.
وعلى العموم فحياة مرفهة كما يبدو لن تدفع المقاتلين الأجانب للعودة إلى بلادهم، وفي هذا السياق تبدو تهديدات الحكومات الغربية بفرض عقوبات وسحب جنسيات وسجن من ذهبوا للقتال في صفوف داعش لا معنى لها.
قوائم الإرهاب
ويعلق باتريك كوكبيرن في مقال له في صحيفة «إندبندنت أون صاندي» على قوانين الإرهاب التي اقترحت في الفترة الأخيرة.
وكتب ساخرا عن مبادرتين لمكافحة «الإرهاب» قال إنهما تكشفان بطرق مختلفة المعارضة لتنظيم الدولة الإسلامية. فالمبادرة الأولى جاءت على شكل وثيقة «مضحكة» أعلنت عنها دولة الإمارات العربية المتحدة والتي احتوت على اسم 85 منظمة جمعت بين منظمات عمل خيري محترمة وجماعات عنف جهادي.
أما المبادرة الثانية فقد جاءت من خلال الخطاب الحذر الذي قدمته وزيرة داخلية بريطانيا تيريزا مي شرحت فيه قانونا للإرهاب يهدف للكشف ومنع الإرهابيين المحتملين.
وما يجمع هذين الإعلانين ان أيا منهما لن يمنع أو يوقف الإرهاب. فالقائمة التي أعلنت عنها حكومة دولة الإمارات في 15 تشرين ثان/ نوفمبر تتسم بالضبابية والصبيانية ومن السهل تجاهل أهميتها.
فبالإضافة لداعش فالجماعات التي صنفتها بـ «الإرهابية» ضمت جبهة النصرة ، فرع تنظيم القاعدة في سوريا وبوكو حرام في نيجيريا، كما ضمت أيضا «هيئة الإغاثة الإسلامية» المنظمة العاملة من بريطانيا ومجلس العلاقات الأمريكية – الإسلامية (كير) والذي يعتبر من أكبر جمعيات العمل المدني في أمريكا وجماعة الضغط المدافعة عن حقوق المسلمين في الولايات المتحدة.
ويعلق كوكبيرن ان الإمارات شجبت خليطا غير متناغم من الجماعات لإرضاء الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية. فقد صنفت الإمارات داعش بالجماعة الإرهابية وفي الوقت نفسه خففت من شجبها لواحدة من الجماعات الإرهابية التي تسيطر على مناطق بحجم بريطانيا بضم جماعات أخرى له.
الإخوان هم الهدف
ويرى أن أولويات السياسة لدولة الإمارات والملكيات السنية في الخليج مثل السعودية واضحة من الطريقة التي صنفت فيها الجماعات المرتبطة بجــــــــماعة الإخوان المسلمين وتلك المرتبطة بجماعات شيعية، كمنظـــــمات إرهابية.
ويرى الكاتب ان معارضة الدول الملكيات المطلقة في الخليج للإخوان المسلمين لا علاقة لها بالإرهاب ولكن له علاقة بمشاركة تلك الجماعة بالانتخابات وفوزها في دول مثل مصر- قبل إطاحة الجيش بالحكومة وبدعم من السعودية والإمارات العربية.
ويقول إن كل منظمة شيعية يمكن اعتبارها «إرهابية» من الحوثيين في اليمن إلى فيلق بدر في العراق. ويرى أن القائمة الإماراتية مفرحة لداعش لأنها تظهر هوس الانظمة الخليجية بالشيعة وهزيمتهم وعدم اهتمامها بالجهاديين السنة في العراق وسوريا وهزيمتهم. ويرى الكاتب أن تعاطف دول الخليج لم يتغير مع الجهاديين رغم لي الولايات المتحدة لأذرع هذه الدول ولكي ترسل مقاتلات حربية لضرب داعش.
ويقول إن الدول الغربية تركز كل جهودها وبطريقة غير مؤثرة على مواجهة داعش، لكن الملكيات السنية تنظر بخوف للنفوذ الإيراني في أربع عواصم عربية: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
وكما لاحظ مراقب في بغداد «ربما خافت الدول السنية من تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها تحب فكرة تهديد داعش للشيعة أكثر مما يسببه لهم من مشاكل».
ويرى الكاتب أن التنوع في قائمة الإمارات له آثار مهمة على السياسة، ففي الوقت الذي جمع فيه الرئيس باراك أوباما تحالفا لإضعاف وهزيمة الدولة الإسلامية لكنه استبعد بشكل واسع من يقاتلونه.
فالتناقض في سياسة أوباما واضح فهو مع فرنسا وبريطانيا يريدون هزيمة داعش وكذلك تنحية الأسد عن منصبه. ولكن إن رحل الأسد فستحل محله جبهة النصرة وداعش. ومما يعني فشل الإستراتيجية.
إجراءات لا معنى لها
ويعلق على خطاب الوزيرة مي يوم الإثنين. فقد اعترفت بخطورة التهديد الجهادي والطريقة التي تغيرت فيها طبيعته خلال الأشهر الستة الماضية. فداعش كما تقول وعلى خلاف الجماعات الجهادية الأخرى يطمح لبناء دولة مستقلة ذات قوة اقتصادية وعسكرية ولديها إمكانيات تكنولوجية.
وفي الحقيقة فالخلافة التي أعلن عنها أبو بكر البغدادي في 29 حزيران/ يونيو ليست مشروعا للمستقبل ولكنها موجودة كحقيقة ومرتبطة بطريقة الدفاع عنها. وقد ألهمت بأدبياتها وأفكارها التي نشرتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي الشباب المسلم السفر إلى سوريا للقتال هناك «وقدمت قوة وحسا متجددا بالهدف للجماعات المسلمة التخريبية في بريطانيا» كما قالت مي. وهذا صحيح ولكن الإجراءات التي قدمتها الوزيرة في مشروع قانون مكافحة الإرهاب والأمن ثانوية وقد تترك آثارا سلبية عندما يتم تطبيقها لمواجهة الخطر الذي يمثله داعش. فسيتم جر المدارس والكليات والجامعات والسجون والشرطة لجهود منع «التشدد» وهو مصطلح مائع لدرجة أصبح بلا معنى.
وستتم مراقبة الحركات الجهادية في داخل وخارج بريطانيا، كما ستعطى شركات الإنترنت معلومات حول مستخدميها، وستكون هناك إجراءات ضد شركات التأمين التي تشارك في دفع فدية. لكن كل هذه الإجراءات لن تقلق داعش والجهاديين.
وفي الحقيقة يتسم تنظيم داعش بالسرية لدرجة أنه أغلق شبكة الهواتف في الموصل الأسبوع الماضي لخشيته من نقل معلومات عنه.
ولن تكون إجراءات مي فاعلة بدون وضع مصادر هائلة على الحدود والمعابر الجوية. كما أنها لن تضر بداعش بقدر ما ستؤدي لشيطنة المسلمين والتضييق عليهم وانتشار الإسلاموفوبيا.
إعداد إبراهيم درويش: