2020 سنة دخلت التاريخ الإنساني، إذ جلبت كائنا دخيلا هو فيروس الرعب، كورونا، تصدَّر الأخبار وأحاديث الناس وأبعد تلاقيهم، وجلب الكآبة والرعب إلى كل بيت على الكرة الأرضية، فأصبح العدو «الأوحد المُجْمَع عليه» من البشر، رغم اختلاف مذاهبهم وألوانهم، ما عدا شخصا واحدا على كرتنا الأرضية وأتباعه، وهو الرئيس الأمريكي الآفل ترامب. لقد تجولت ذهنيا لأكتب براحةٍ عن سنة 2020، فغلبني حصادها السلبي على الإيجابي. آملًا أن تكون الشفافية النسبية هنا، رغم مرارتها، تزرع صحوة وعِبَراً، لا تشاؤما وقعوداً.
وبفعل رعب الفيروس، خالف المسلمون وأتباع الديانات في صلاتهم، تعاليم التقارب ورصِّ الصفوف، وأدخل التباعد، والخشية من التسليم، واحتضان أطفالنا والقرب من الإخوة، وتقبيل أيادي والدينا وكبارنا. والشكر لكورونا، إذ قضت على عادة التقبيل الرِجَّالية الدخيلة خشية العدوى. وكان الرجال قديما يقبِّلون رأس الشخص أو شاربيه طالبين العفو والسماح، لكن العادة الدخيلة كلها نفاق، كما أصبح أحدنا يخشى الوعكات، وبالذات ألم الأسنان لكيلا يذهب للأطباء والمشافي، لقد مرّت وتمرّ أعيادنا بدون احتفالات وبدون زينة وبدون لقاء الأهل وتجمع الأحباب – مرّت أعياد الفطر والأضحى والفصح، وإخوتنا النصارى يترقبون، مناسبة ميلاد سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، لقد أصبحنا رهينة البيوت منعزلين، وسجناء نحلم بالحرية.
استقوى علينا فراعنة ٌوماكِرُونَ جُدُدْ، بعضهم يطلب تغيير أنظمتنا، وآخر يطلب تعديل معتقداتنا، وجهات حلبت خزائننا
هاتفني صديق إنكليزي مستفسرا عن أحوال كورونا في الأردن، وشكا من قيود الحرية في التنقل وفقدان الراحة في بلده. فأجبته أن كورونا آفة مشتركة. فاشكُرِ الله أن ثلاجتك مليئة بالطعام والشراب، وتشتكي القيد المؤقت على حريتك، ألا تشارك الفلسطينيين المحاصرين في غزة، ممن قيّد الاحتلال حريتهم منذ سنين، فلا حرية للتنقل مع ضنك العيش وفقدان الأمان؟ أنت تشكو قيد الحرية الصحي الطارئ، ألا ترى معي أن الحرية ثمينة وحق إنساني للمظلومين أينما وجدوا؟
العربي ومن بداية العام الثقيل 2020 سجين، بعضهم عاطل عن العمل، والآخر في المطبخ ينافس المرأة مهامها، وآخرون مغمضة عيونهم عن الفقراء والمعوزين – الفئة الكبيرة مكسورة الخاطر- التي تحلم بالقرش للدواء والمأكل والتعليم والسكن. وهناك من يرى تفشي الخروج على القانون بدون رادعٍ، ويشهد البطالة وتقلص الأمل، وشيوع الإحباط عند الشباب، وهبوط البعض وتصدُّرَ البعض الآخر في الساحات، بدون كفاءة وجدارة، فخبت شعلة العمران الداخلية في الأنفس والمؤسسات، رغم أنها منبهات وأجراس تقرع، ورماد تحته نار وشرار للعنف والثورات. ويرى المواطن العربي تشرذم الأوطان والهوان في العراق واليمن وليبيا والسودان وغيرها، ويشهد كذلك كيف أن البعض يُرجع فشل العمران وتفشي الآفات إلى بعض الحيوانات، وينسى مسؤوليات وقيم نبيلة نزلت من السماء هجرناها، كما أغفلنا خفافيش النهار ولصوص المال والسياسة، ومن فتنوا بيننا، فأضحينا نقاتل بعضنا وأضحى بأسنا بيننا شديدا،، فتفتتت المواقف والمؤسسات العربية الجامعة والناظمة، وتقاتلَ الإخوة والجيران، وأصبح تهجير الخصوم للمواطن أمراً مألوفاً، وهجرة الأوطان خيارا. كما أصبحت لنا آذان صاغية لقوى البغي والظلام، فاستقوى علينا فراعنة ٌوماكِرُونَ جُدُدْ، بعضهم يطلب تغيير أنظمتنا، وآخر يطلب تعديل معتقداتنا، وجهات حلبت خزائننا وشققوا الأوطان والعباد. وأضحينا نألف التهجير والتفقير والخذلان لفلسطين والعراق وسوريا والصومال، وشيطنة اليمن وإيران وأفغانستان.. بعض من حصاد مرٍّ وهوانٍ تراكمي بلغ أشُدَّه سنة 2020.
كم من قريب وصديق، ومن الجيرة، غادرنا للحياة الاخرى بفعل كورونا بدون مراسم وداع، وكم منعتنا الاحتفال بقدوم وليد جديد، أو تخرّج أبناء، أو زيارة للمسنين. نعم خففت البيئة على البعض مصاريف عديدة، لكن ضاقت لحظات الهناء والتَّوادْ الثمينة. لقد أنعش الفيروس الذاكرة، وأعلى عند الأمم، أهمية العلم والأبحاث الطبية لمجابهته ولخدمة صحة الإنسان، إلا عند الرئيس المهزوم ترامب، وفي بلداننا، وبالذات عند من يتفاخر بإنتاج «أكبر صحن حمص» وصينية كنافة ومنسف وتبولة، وطبخة الكسكس التي دخلت هذه الأيام السجل الدولي (تهانينا). إن أحلامنا كأحلام الدواجن – بالعلف. في حين تحتفل الصين بعودة مسبارها من القمر، ودول أخرى تسجل مختبراتها اللقاحات، وللأسف شاهدنا ترامب يتجاهل أهمية العلم في الصحة، بل يقر استخدام العلم في أجهزة القتل العسكرية، وبناء الجدران والعنف ضد من يدافع عن أرضه وكرامته. فحصدت أمريكا بفعل ترامب، أعلى سجل دولي لوفيات الفيروس، لعناده وأنانيته وإعلائه مصلحته السياسية فوق مصلحة مواطنيه، وإن بعضاً من خطاياه توجب على القضاء الأمريكي محاكمتها. ومن قرأ تاريخ المصريين القديم، يصف ترامب بإلهِ الفراعنة «سِتْ» الذي نشر في عهده الفتن والشر والضغينة، ثم جاء الإله الفرعوني «حورس» فقاتله. وقد رفع ترامب بتعنّته وعزتة بالإثم، في أقل من شهرين، 50 قضية دستورية في المحاكم، جرّاء خسارته للانتخابات، فصلها وبسرعة القضاء هناك، لصالح خصمه الرئيس المنتخب بايدن. وبذلك أبرز القضاء الأمريكي لنا وللعالم سيادته، وسرعة التقاضي فيه، إنها مزيّة نغبطهم عليها، في حين تأخذ «قضايا حقوقية» في بلادنا، سنين طويلة، لكي تُصْدِرَ قرارات واضحة عدلية حاسمة ترفع الضرر والاعتداء على ملكيات شخصية، أو عائلية. وسجلُّ المحاكم غنيٌ بالأمثلة والمعاناة من طول التقاضي.
إن قدوم دونالد ترامب منذ عام 2016 كان آفة رغم شفافيته في عدائه للأمة العربية وللشعوب الملونة، وعنصريته، لكن تحسب له صراحته، على الأقل لم يُظهِر عكس ما يُخفِي مثل غيره من الرؤساء، وعرَّفَنا على ضعفِنا وفُرْقَتِنا وكشفها علانية. أمّا أُفُولة عن البيت الأبيض، فهو بنظري حدث تأريخي وحسنة لعام 2020 الثقيل، كذلك إنتاج العقارات المضادة لكورونا، فهي إيجابية وحسنة من حسنات العام القليلة. لقد علا ترامب وتجاوزت قراراته حقوق العرب والفلسطينيين والمسلمين واللاجئين والمستضعفين في الأرض وأحدثت أذىً كبيرا. فقد أقرَّ ودعم قرارات إسرائيل المحتلة، وبارك عدوانها على القدس، وحصارها لإخوتنا في غزة، واغتصابها أراضي ومياها عربية، ومصادر ة القرار العربي، وحتى سرقة تراثهم، ولاريب أن عُلوَّهُ وطغيانه قرينة على ضعفنا وهواننا.. آملًا أن تكون السنة المقبلة فرصة تنفُّسٍ تُوجِب يقضة، وصحوةً للغافلين.
لقد اورثَنا عام 2020 على الرادار الاقتصادي والمالي بصماتٍ من حُفَرٍ وعجوزات اقتصادية ملموسة، مدونة في الدراسات والنشرات الإحصائية،
وزير أردني سابق
*الأمل كل الأمل أن تكون السنة الجاية
سنة خير ومحبة وصداقة وصحة وسلامة
للبشرية جمعاء (إن شاء الله).