مدينة بني ملال المغربية الماء والخضرة والاستقبال الحسن

ماجدة أيت لكتاوي
حجم الخط
1

بني ملال-المغرب ـ”القدس العربي”:”اللهم صلّ على سيدنا محمد” عبارات يرددها عمالٌ مزارعون بقلب حقول أشجار الزيتون ذات الأغصان المُثقلة بحبات الزيتون الناضجة، قبل أن تنطلق عملية الجني التي تستمر أياما.

يدخلون الحقل الموجود في قرية أيت علوي في أفورار (تبعد عن مدينة بني ملال بـ 25 كيلومترا) كجماعة صغيرة تتكون من 4 أو 5 عمال، بعضهم يعمل على هز الأغصان وضربها ضربا خفيفا، وآخرون يجمعون ما استقر تحت الأشجار، فيما يكلف أحدهم بإعداد براد شاي منعنع، يعينهم على العمل باجتهاد ونشاط وتحمل القليل من برد إقليم بني ملال ونواحيها أواخر الخريف وبدايات فصل الشتاء.

تستمر ساعات العمل طيلة النهار، لا يتوقفون إلا لتناول وجبات بسيطة، منهمكين في تجميع حبات الزيتون الخضراء النضرة، وما أن تميل شمس العصر حتى يشرعون في تجميع “الغلة” على شكل كومة ليتم نقلها صوب إحدى المعاصر المنتشرة في الإقليم.

“ينطلق جني الزيتون في 10 تشرين الأول/أكتوبر” يقول أحمد لعرج، وهو فلاح يجوب قرى المنطقة حيث يقوم بشراء الزيتون في الأشجار، يجنيه رفقة العمال ويبيعه للمَعاصر التقليدية والعصرية ولكل من رغب في اقتناء حبات الزيتون سواء لطحنها أو إعدادها للتصبير.

ويؤكد لعرج خلال حديث لـ”القدس العربي” أن الثمن عرف انتعاشة خلال الأسابيع الستة الماضية على عكس البدايات، ويصل ثمن كيلوغرام واحد من الزيتون إلى 6 دراهم (حوالي نصف دولار) في وقت كان أقل من ذلك بكثير، لافتا إلى أن الطلب على الزيتون وزيته ساهم في رفع الثمن، ناهيك عن التساقطات المطرية الأخيرة التي أنعشت القطاع الفلاحي في المغرب عموما.

 

انتعاشة اقتصادية

 في الحقل الموجود في قرية أيت علوي يتقاضى العامل الواحد 100 درهم (حوالي 11 دولارا) أما النساء المكلفات بجمع حبات الزيتون من الأرض، فيبلغ أجرهن اليومي 60 درهما (5 دولارات تقريبا) مع العلم أن عدد العمال الموسميين يرتفع، خلال هذه الفترة، ويصل عددهم في منطقة بني ملال لوحدها إلى ثلاثة ملايين ونصف عامل سنويا.

على الرغم من كون جمع حبات الزيتون واستخراج الزيت عملا موسميا، يستمر قرابة 4 أشهر لا غير، فإنه نشاط حيوي في توفير مادة غذائية محلية واستهلاكية تفي بالحاجيات الداخلية للمنطقة. ويعتبر زيت الزيتون الملالي (نسبة إلى مدينة بني ملال) من أجود الأنواع في المغرب حيث بات يصدر إلى الخارج، كما يزيد الطلب عليه من المغاربة القاطنين خارج إقليم بني ملال كذلك.

وتحتل أغراس الزيتون الصدارة بين المغروسات بجهة بني ملال ـ خنيفرة، وتمثل حوالي 60 في المئة من الأشجار المثمرة، دون الحديث عن دور الشجرة في حماية البيئة والمحافظة عليها، والمنافع الغذائية والصحية لزيت الزيتون في الوقاية من مجموعة من الأمراض. إذ يعتبر بمختلف أنواعه مصدرا هاما للأحماض الذهنية “أوميغا 3 وأوميغا 6”.

زيت الزيتون هذه أسراره

العارفون بأسرار زيت الزيتون الجيد، فصَّلوا لـ “القدس العربي” أنواعه ودرجات جودته، يقول عبد الإله المساعدي، تقني بمعصرة عصرية للزيتون لـ “القدس العربي”: “عند شراء زيت الزيتون، من الأفضل معرفة أفضل نوع يمكن استهلاكه من بين المنتجات المعروضة في الأسواق”.

يأتي على رأس القائمة، زيت الزيتون البكر الممتاز، الذي يعتبر من أجود الأنواع، ولا تتعدى درجة حموضته 0.8 في المئة، وهو غني بالدهون الصحية ويقي من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، يوضح المساعدي متابعا: “في المرتبة الثانية يأتي زيت الزيتون البكر الجيد، يحتوي على مستويات حموضة أعلى من تلك الموجودة بزيت الزيتون البكر الممتازة. وعادة ما نحصل على هذا النوع من زيت الزيتون من العصرة الثانية لثمار الزيتون أو من مزيج بين زيت الزيتون البكر الممتاز وأنواع أخرى ذات جودة أقل”.

وأضاف المتحدث، في المرتبة الثالثة يحل زيت الزيتون “اللامبانت” ولا يكون هذا النوع نتاج العصرة الأولى لثمار الزيتون، وتصل درجة حموضته إلى 2 في المئة. لا يتم تسويقه في متاجر البيع بالتجزئة عادة، ولا يُنصح باستهلاك هذا الزيت لأنه يخضع لعملية تكرير ويُستخدم في صنع منتجات فائقة المعالجة، وهو زيت متدني الجودة، يليه زيت الزيتون المكرر وهو أحد أكثر الزيوت الاستهلاكية شيوعًا، ويتم الحصول عليه من تكرير الزيوت الأقل جودة، مما يجعله منتجًا ثانويًا.

 

التعاونيات تثمين ومردودية

لا تقتصر عملية استغلال الزيتون في عصره وجعله سائلا ذهبيا غنيا بالفوائد الصحية والمطبخية، بل يتعدى الأمر إلى تثمينه عبر تصبيره بطرق وأساليب شتى، وفق جميلة أمزين، رئيسة التعاونية الفلاحية “أفورار” للتنمية، والتي تشغل 13 من العمال من بينهم 9 نساء.

وقالت أمزين لـ “القدس العربي”، إن المشتغلين داخل التعاونية التي تأسست قبل 9 سنوات، يعملون على تثمين الزيتون وتصبيره ما بين زيتون أخضر بالأعشاب خاصة ورق الرند وآخر بالحامض، بالإضافة إلى الزيتون الأسود بالزعتر، موضحة أن التعاونية ساهمت في إنعاش القطاع الاقتصادي بمحيطها وعملت على خلق مناصب شغل خاصة للنساء المعيلات لأسرهن.

بالإضافة إلى المردودية المادية، ساعدت التعاونية وأنشطتها التي تتجاوز تصبير الزيتون واستخراج زيته ذي الجودة العالية وبيعه، إلى تطوير الإنتاج عبر تخليل الخيار وتصبير الحامض (الليمون) وإنتاج “الهريسة” وغيرها، ما مكَن النسوة العاملات من المشاركة في معارض على الصعيد الوطني وخارج المملكة كذلك.

 

بني ملال مدينة استثنائية

بعيدا عن أفورار وحقولها الغناء بحوالي 25 كيلومترا، تتربع مدينة بني ملال (تبعد عن الدار البيضاء بـ 210 كيلومترات) على مشارف جبال الأطلس المتوسط المحادية للمدينة التي تعتبر عاصمة الإقليم بجهة بني ملال ـ خنيفرة.

هي المنطقة التي قال عنها فنان الأطلس محمد رويشة، “شلح وعربي حتى يعفو ربي” بمعنى “أمازيغي وعربي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها” وهي التي تجاور فيها المغاربة من أصول أمازيغية وعربية من دون تعقيدات وبمحبة واحترام كبيرين.

تفتخر مدينة بني ملال بجمالها ومؤهلاتها السياحية. وهي التي تميزت بطبيعتها الفاتنة وبعيون الماء فيها، كما تفخر بأدبائها وشعرائها ومثقفيها ومن بينهم الروائي المغربي عبد الكريم الجويطي الذي قال عن مدينته، “هي قدري وهي من أعرف، ومن لم يلهِمه المكان الذي يعيش فيه، لن يلهمه أي مكان آخر في العالم”.

مبدع روايتي “المغاربة” الشهيرة و”كتيبة الخراب” قال لـ”القدس العربي” عن مدينة بني ملال، “هناك مدينة تعيش بداخلي لا علاقة لها مع مدينة الواقع، لا أثق في صمت الأمكنة ولا في حيادها. الأمكنة تتحدث من خلال من انتدبتهم للكلام باسمها، وقدر الأمكنة رهين بهبة الكتابة لأنها وحدها تحوِّل المكان من ركام من الأحجار إلى قضية وسؤال”.

الروائي المغربي وصف مدينته بـ”الاستثنائية التي أوت الهاربين من جفاف الثمانينيات القاسي” منتقدا تعرُّضها لجرائم عمرانية متتالية حيث تحولت معظم بساتينها لتجزئات “قميئة” وفق تعبيره، متابعا “لم ينجح أبدا افتتاني القديم بالورود والأشجار في أن يتصالح مع الإسمنت العاري”.

ويعود الجويطي بذاكرته إلى الوراء قائلا: “عشت طفولة سعيدة جدا وسط البساتين في مدينة صغيرة محاطة بغابات زيتون هائلة. كان والدي بائع زرابٍ، وفَّر لنا ظروف عيش جيدة. لم نكن أغنياء ولم نكن فقراء. كنا مثل معظم الملاليين، نأكل خضرا وفواكه طازجة جنيت صباحا وكان اللحم متوفرا عن طريق ما كان يسمى بالوزيعة”.

ويتابع الروائي المغربي حديثه لـ “القدس العربي” قائلا: “كانت بني ملال جنة حقيقية لا يجوع فيها أحد والحياة سهلة جدا وخيرات الطبيعة بوفرة عجيبة، أذكر أن بائعي الخضار في السوق كانوا يتخلون عن خضرهم في المساء، فيقتسمها من هم في حاجة لها”.

 

أسردون عين وحكاية

غِنى المدينة وكرم العائلات بها، ما يزال ممتدا إلى اليوم، أما جمالها الأخاذ وهدوؤها وبساتينها وعيونها فهي علامة فارقة، ولا أدل عن ذلك من عين أسردون التي تعتبر من أهم العيون التي تنبع من سفح جبال الأطلس المتوسط.

وتزود العين الشهيرة ثلثي حاجيات المدينة والمناطق المجاورة لها من الماء، بالإضافة إلى سقي الأراضي الموجودة بالسافلة. إلا أن التطور العمراني الذي تعرفه المناطق المجاورة للعين يشكل تهديدا حقيقيا، ما يستدعي التحكم في زحف البناء العشوائي والمحافظة على جودة مياه العين.

ويروي سكان المدينة أن لتسمية العين “أسردون” قصة طريفة، وتركب “عين أسردون” من كلمتين، الأولى عربية والثانية أمازيغية وتعني “البغل” حسب حكاية رامو حسن في كتابه “المصطلحات الأمازيغية” يرجع أصل التسمية إلى راعي أغنام اكتشف منبع العين.

 وبعد حدوث خلاف مع إحدى القبائل بشأن الرعي في المنطقة، لجأ إلى وضع كمية هامة من الصوف بالمنبع الأصلي، الأمر الذي أدى إلى احتباس المياه، وقد تضرر السكان من جراء هذا التوقف فلجأ ذلك الراعي إلى مقايضتهم، حيث اشترط منحه بغلا/أسردون باللغة الأمازيغية، محملا بالذهب والفضة، أو بالنقود النحاسية حسب رواية أخرى، وذلك من أجل أن يدلَّهم على منبع الماء. وقد استجاب سكان المنطقة بالفعل لشروطه، ومنذ ذلك الحين أصبحت العين مشهورة بعين أسردون.

رمز آخر يطل بشموخ على مدينة بني ملال وهو قصر عين أسردون، أو قصر بني ملال أو “قصبة بلكوش” وهي بناية ضخمة مشيدة من الحجر، ولا تبعد إلا مسافة قصيرة سيرا على الأقدام من المدار السياحي للعين، تقع على رأس جبال تاسميت على علو 2274 متر، وبني القصر بأمر من السلطان العلوي مولاي اسماعيل رغبة منه في تحقيق الاستقرار والأمن في مدينة بني ملال، ما يمكن من رؤية كل ما يجول في المدينة.

 

منتزه جيولوجي عالمي

مفاجآت المنطقة لا تنضب، ومن بينها منتزه “جيوبارك مكون العالمي” الممتد على مساحة 12 ألف هكتار وسط جبال الأطلس الكبير والمتوسط.

المنتزه المغربي الذي بات مكانا ملائما للبحث العلمي والبيئي مع كل ما يزخر به من ثروات جيولوجية وطبيعية وثقافية، استطاع نيل اعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” عبر دمجه في الشبكة العالمية للمنتزهات الجيولوجية، جاعلا من المغرب البلد العربي والأفريقي الوحيد، العضو بهذه الشبكة.

ويشكل المنتزه الجيولوجي “مكون” تراثا عالميا وواجهة للتنوع التراثي والبيئي لجهة بني ملال – خنيفرة باعتباره مجالا طبيعيا وبيئيا ورافعة أساسية للسياحة المحلية والجهوية من خلال استقطاب العديد من هواة السياحة الإيكولوجية والطبيعية.

وبهذا التصنيف، يبقى الفضاء البيئي “منتزه مكون” الممتد على مساحة 5700 كيلومتر مربع وسط جبال الأطلس الكبير والمتوسط بين مدينتي بني ملال وأزيلال، من الإنجازات المهمة والواعدة التي تتميز بها الجهة، كما يشكل قاعدة عملية ملائمة للبحث العلمي والبيئي، وفضاء يتيح للزوار والساكنة المحلية لحظات ترفيه واستجمام بامتياز.

ويندرج المنتزه الجيولوجي “مكون” في إطار المحافظة على الثروات الطبيعية والثقافية للمجال الذي يشغله هذا المنتزه، وحماية الثروات الجيولوجية بالمنطقة، وتنمية وتطوير السياحة المستدامة والنسيج الاقتصادي، وإنعاش التراث الجيولوجي والطبيعي والإنساني للمنتزه وتوظيفه في مجال التنمية السياحية في الجهة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول monsif:

    نعم مدينتي جميلة جدة لا أرتاح إلا فيها فيها الروح والجمال والماء وكل مكونات التي تجعلك سعيدة فيها الحب والإخاء وحب الخير
    الكل مرحب به في عين أسردون (بني ملال) بابنا مفتوح ?

إشترك في قائمتنا البريدية