نواكشوط-“القدس العربي”:جبل الإنسان، مع استهلال كل سنة، على سب السنة المنسحبة والترحيب بالسنة المستهلة؛ ولكل مجتمع من مجتمعات الأرض طقوسه التي يستقبل بها العام الجديد.
ولم تسمع سنة من سنوات الدهر من السب واللعن ما سمعته سنة عشرون وألفن؛ فقد صب عليها الجميع جام الغضب لما حملته من مآسي كوفيد- 19 ولما شهدته من ترام عربي في أحضان التطبيع مع إسرائيل.
غير أن السنة أزاحت كابوسا كبيرا عن البشرية وعن العرب خصوصا، عندما هزم الجبار دولاند ترامب ليخرج من البيت الأبيض في مستهل العام وليستلم الديمقراطي جو بايدن مقاليد الحكم في منعطف بالغ الحساسية يجمع بين التشاؤم والتفاؤل.
ولم تصدق المجتمعات البشرية تخلصها من العام 2020 والكل يرنو للعام 2021 وهو يأمل الفكاك من كوفيد، ويرجو نجاح اللقاحات العالمية التي يؤمل فيها الجميع خلاصا من أكبر جائحة فتكت بالبشرية وتمنعت عن العلاج بالكمون داخل الأبدان وبالتناسخ والتكاثر.
وقد أثرت جائحة كوفيد-19 بموجتيه الثانية والثالثة وتناسخه على احتفالات آخر السنة ومستهل السنة الجديدة.
ومع ذلك، تتعدد طرق احتفال شعوب العالم برأس السنة الميلادية حسبما تمليه العادات وتفرضه التقاليد: فكل دولة من الدول تختلف في تجهيزاتها واستعداداتها لمثل هذه الاحتفالات التي ينتظرها جميع الأشخاص من جميع أنحاء العالم، بفارغ الصبر.
وتقوم ربات الأسر في موريتانيا ومنطقة الصحراء الكبرى في اليوم الأول من السنة بمراجعة أمتعة البيت وفك الأكياس التي تحوي مواد متنوعة محفوظة منذ شهور، والقيام بجمعها والتصدق بها، ففي ذلك بركة عظيمة، وفتح مبين ومجرب للأرزاق.
ويكشر الدنماركيون الأطباق وينثرونها أمام أبواب بيوتهم دفعا للشر واستجلابا للخير، بينما يدهن الصينيون أبواب منازلهم الأمامية باللون الأحمر، رمزاً للسعادة، والحظ الجيد.
ويستقبل البرازيليون العام الجديدة بأطباق العدس وشوربة الأرز؛ بينما يعتمد الألمانيون في احتفالاتهم برأس السنة على الرصاص، الذي يتم صبه فوق الماء البارد، ليأخذ شكلاً معيناً، وأول شكل يأخذه يتم الاعتقاد بأنه الشكل المتوقع للمستقبل، فشكل القلب مثلاً دلالة على الزواج، بينما تشير الأشكال المستديرة إلى وجود الحظ الجيد.
ويتناول المكسيكيون 12 حبة من العنب، موزعة على الساعات الاثنتي عشرة الأخيرة من النهار، بمعدل حبة كل ساعة، ليجدوا حسب تذوق العنب إشارات للتفاؤل والحظ الجيد.
وتشمل طقوس الفلبين، عشر قفزات مفروضة على الأطفال ليلة رأس السنة؛ حتى يكتسبوا المزيد من الطول، بالإضافة لضرورة أن تكون المائدة مليئة بشتى أنواع الفاكهة والمطرَّزات الرامزة لجلب الرخاء.
ويزين اليابانيون منازلهم بالزهور في ليلة رأس السنة لطرد الأرواح الشريرة، مع التوصية بالضحك بصوت عالٍ، لفتح أبراج السعد ولإغلاق بروج النحس.
وفي جنوب أفريقيا، يقوم سكان جوهانسبرغ بعادة رمي الأثاث القديم من النوافذ؛ للتخلص من كل الأمور غير المرغوب فيها في المنزل، إضافةً إلى اعتقادهم بأن ذلك سيؤدي إلى طرد المنغصات والمتاعب من حياتهم مع إقبال العام الجديد.
ويسود في اليونان تقليد غريب، حيث يقوم السُكّان بإعداد نوع معين من الحلوى، يُطلق عليه اسم “فاسيلوبيتا” وتوضع بداخلها إحدى القطع النقدية، وتُقدم إلى الحاضرين، ولمن يجد القطعة النقدية أن يتفاءل بالحظ الوفير طوال السنة.
وتنتشر في بعض المناطق العربية عادة متوارثة منذ آلاف السنوات، تقوم على شرب قهوة الحليب أو اللوز في مقتبل العام الجديد؛ وذلك من أجل رفع روح التفاؤل لدى الفرد.
كل هذه الطقوس تعكس المعركة الوجودية التي يخوضها الإنسان طيلة حياته حيث تتقاذفه سنوات العمر سنة أخرى، وهو مسكون بالخوف من شيء واحد هو ما يخبؤه له المستقبل، وما تخفيه عنه الغيوب.