عمان- «القدس العربي» : نائبان فقط في برلمان الأردن الجديد حاولا، خلال مناقشات الثقة بالحكومة، التجول بإشارات تتعدى المألوف والسائد عندما يتعلق الأمر بالمشهد الوطني الداخلي عموماً.
استخدم النائب عمر العياصرة، في خطابه المسيس، تعبير «أزمة مئوية الدولة» وزميله في تيار الإصلاح البرلماني، ينال فريحات، تسلل بدوره بتعبير يتحدث عن الحاجة إلى «تغيير النهج». ويبدو جلياً هنا أن خلفية النشاط السياسي الإسلامي عند العياصرة والفريحات، وهما إعلاميان أصلاً قبل بقية الاعتبارات، دفعتهما إلى التسلل في أول خطاب لهما تحت القبة بعبارات من هذا الصنف، تحتاج إلى الكثير من التعمق والحفر تحت سطح الأحداث، مع أن المناخ العام سياسياً في البلاد لم يعد يهتم بمسائل من طراز البحث في الحاجة إلى تغيير النهج أو الوقوف فقط على محطة احتفالية بمناسبة مئوية الدولة.
وتجنب طرح الأسئلة الكبيرة في مثل هذه المناسبة، فتلك مغامرة إلى حد ما يمكن أن يحاصر أو يتهم صاحبها. فوق ذلك، تنسى غالبية الأطراف، بالتدريج والتقسيط، ملف الإصلاح السياسي الوطني، مع أن شخصيات مستقلة وأخرى في المعارضة حاولت تذكير الجميع وأحياناً عبر منصات رسمية وحكومية، بأن بداية احتواء سلسلة الأزمات، خصوصاً الاقتصادية والصحية والاجتماعية، تبدأ أو ينبغي أن تبدأ بالانتقال الفعلي إلى مستوى الإصلاح الوطني الشامل. هنا تحديداً، وأمام «القدس العربي» عدة مرات، وقف نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي طارحاً تساؤلات مرتبطة بالحيرة من مكاسب محتملة تحت أي عنوان لتهميش مؤسسات العمل النقابي والضغط عليها وأحياناً تقزيمها.
سأل النقيب الزعبي بحرارة.. من المستفيد من مثل هذا التهميش في بيوت الخبرة النقابية التي كانت دوماً عوناً للدولة والمجتمع ولا علاقة لها بالزحام السياسي؟
طبيعي جداً أن لا يجد النقيب الزعبي من يجيبه على سؤال من هذا النوع، فتقميش الغطاء المتعلق بالتهميش السياسي وبعد إنعاش وعودة قانون الدفاع بسبب الفيروس كورونا، انتهى عملياً بالعمل على تقليص كبير بإسناد رسمي لدور النقابات المهنية التي كانت تتصدر دوماً في الاشتباك الوطني والقضايا الملحة، وعندما تفعل تشتبك بإيجابية وبالحد الأدنى من إثارة الصخب.
يمكن ببساطة تسمية ما يحصل مع النقابات المهنية التي تمنع الآن من تأطير وعقد انتخابات مجالسها بحجة الوضع الصحي بمثابة تأسيس منهجي لعملية غامضة تحت مسمى إفراغ العمل النقابي من مضمونه. انتبه ناشط نقابي معروف، وهوأحمد أبو غنيمة، للمفارقة وانتحل سؤالاً عن هوية الدولة المرعوبة بعد تصريح لوزير الصحة نذير عبيدات ربط فيه انتخابات النقابات المهنية بدراسة تقييم الوضع الوبائي.
أشار أبو غنيمة إلى أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة شارك فيها مليون و300 ألف مواطن، ولم تخضع للدراسة والتقييم الوبائي، وقال بأن انتخابات النقابات تخضع – مشيراً إلى ما سمّاه عبر صفحته التواصلية – إلى دولة مرعوبة من أي صوت يمكن أن يخرج عن طاعتها، ومتهماً المجالس النقابية الحالية بأنها مطيعة للغاية وإن كانت غائبة عن الوعي الوطني.
هل يبالغ أبو غنيمة؟
قد تنطوي المداخلة على مبالغة، لكن السلطات وهي تعطل منظومة القوانين التي تنظم انتخابات مجالس النقابات، لا تشرح موقفها؛ فقد سمح باجتماعات الإجماع العشائري وبالانتخابات البرلمانية العامة، أما الإصرار على أن الوباء يمنع انتخابات النقابات المهنية فلا أحد يشرحه ولا أحد يفهمه، لا بل أصبح أقرب إلى لغز سياسي.
لكن الأمر لا يقف عند هذه الحدود، فمثقف سياسي وبيروقراطي من وزن نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، يطالب جميع الأطراف في الحكومة وفي البنية النخبوية بالانتباه إلى كلفة الاستمرار في «إفراغ المحتوى السياسي الوطني أيضاً» وسط سلسلة القيود والتعطيلات العامة.
يلاحظ الحلايقة هنا، وقد سمعته «القدس العربي» على هامش نشاطاته الأولى في تنظيم لقاءات حوارية وطنية منتجة عبر رئاسته للمجلس الاقتصادي الاجتماعي، بأن مقدمات الاشتباك الحواري تطرح أسئلة متوجسة عن إنتاجية وجدوى عملية التفريغ للمحتوي السياسي العام.
وهي تساؤلات من واجب المؤسسات والأفراد العمل على تحصيل إجابات عليها، خوفاً من أن يكون التسليم بذلك يمثل ثقافة سائدة، وخوفاً -وهذا الأهم- من إفراغ في الفراغ؛ بمعنى عدم وجود بديل جاهز.
استفزاز مثل هذه الأسئلة يخدم الدولة الأردنية ومصالحها. وخلافاً لما تقوله كتيبة أقلام وادعاءات التدخل السريع في تيارات الولاء المسموم، يمكن القول بأن هذه الأسئلة لا بد من طرحها لأنها تخدم الشرعية والدستور والقانون والدولة، ويمكن القول بأنها أسئلة يبدأ من عندها الإصلاح والتغيير والإيجابية لعدة أسباب، أهمها أن منطوق الأوراق النقاشية الست الشهيرة تنص بالجملة على تفعيلات في الاتجاه المعاكس لعملية التفريغ التي يحذر منها اليوم مثقفون وسياسيون بارزون، أغلبهم في عمق تيار الولاء أصلاً وزاهدون في المناكفة والشغب والمناصب.