ثمة حالة من الانقسام الشديد داخل الإسلاميين، بلغت مرحلة جد متقدمة، يوشك معها أن تتحول تنظيماتهم إلى حركات قطرية لا يجمعها عنوان في السياسة ولا الموقف العقائدي أو المرجعي الثابت.
بالأمس القريب، وخلال مرحلتين اثنتين، عرف الإسلاميون ذروة الانسجام الداخلي، سواء على المستوى العقائدي المرجعي والهوياتي، أو على المستوى السياسي.
في مرحلة ما قبل الربيع العربي، كان ما يجمع الإسلاميين في مختلف البيئات العربية، هو الانتصار لقضايا المرجعية والهوية، وقضية الديمقراطية، بحكم أن أغلبهم كان يمثل القوة السياسية المعارضة، كما كان يجمعهم أيضا عنوان دعم ونصرة قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وما يرتبط بها من إسناد المقاومة الفلسطينية ومواجهة التطبيع.
في زمن الربيع العربي، استمر الانسجام وتوطد، وصار العنوان، هو استثمار اللحظة السياسية، واعتبارها فرصة حاسمة للانتقال نحو الديمقراطية، والقطع مع النظم السلطوية.
صحيح أنه في هذه المرحلة تراجع عنوان دعم القضية الفلسطينية بجميع متعلقاتها، لكن ذلك لم يكن يعني بأن بترتيب الانتقال الديمقراطي في بلدها، إلى تأجيل هذه القضية، وكان التبرير، أن معركة الديمقراطية، هي الخطوة الأهم في معركة التحرير.
بعد خريف الديمقراطية، بقي الانسجام على حاله، مع ظهور بعض مؤشرات التمايز المتفهم، فلم تصمد من تجارب الإسلاميين في الحكم إلا تجربة تونس والمغرب، فصار عنوان التلاحم والتقارب، هو مواجهة أجندة إقليمية، وضعت ضمن أهم أهدافها استئصال امتدادهم وتوسعهم.
تمايزت اللغة نسبيا في هذه المرحلة، أي مرحلة الخريف الديمقراطي، فركب الشيخ راشد الغنوشي لغة المصالحة، مقترحا نفسه لدور الوساطة بين الإخوان والسلطة، وربما بين بعض النظم الخليجية وبين الإخوان، فيما اضطر إخوان المغرب، إلى التكيف مع رؤية الدولة في التعامل مع الدول المناهضة للإخوان، مع احتفاظهم بلغة تدين مفرداتها سياسة مناهضة دالإخوان، وتمارس غير قليل من النقد على خطهم الفكري والسياسي.
يمكن أن نسجل في تطور موقف الإسلاميين أربعة مؤشرات أساسية، ساهمت في تعميق الخلافات بينهم، ودفعهم بشكل تدريجي للتحول إلى أحزاب ذات أجندة وطنية، تجعلهم على مسافة من خط الانسجام الفكري والسياسي ببقية الأطياف الحركية الإسلامية:
المؤشر الأول: وهو ما يرتبط بالصراع الأمريكي الإيراني، وأثر ذلك على منظومة الأمن الخليجي، فقد اضطربت أنظار الإسلاميين في تقييم هذا الصراع وتحديد تموقعهم السياسي. بعض الإخوان المسلمين، بسبب من أجندة الصراع الإقليمي الذي تقوده بعض الدول الخليجية ضدهم، وأيضا بسبب من موقفهم من الهيمنة الأمريكية، وأيضا بسبب مسار التطبيع في المنطقة العربية، وجدوا أنفسهم في خط التماهي مع الأجندة الإيرانية، بل إن بعضها، لم تجد بأسا في التنسيق مع الأجندة الإيرانية، وربما ينظر إليها في سياق الحالي كأحد تعبيرات الأذرع الإقليمية الإيرانية، في حين اشتد التباين داخل مختلف التنظيميات حول الموقف من هذا الصراع، والتجاذب الذي يأخذه، وهل مطلوب الانسجام مع الأجندة الوطنية؟ أم مطلوب أن تشكل جزءا من مقاومة الهيمنة الأمريكية في المنطقة؟ أم أن المطلوب أن تنأى بنفسها عن أن تكون جزءا من أدوات التمدد الفارسي في المنطقة، والذي لا يخدم في نظرها لا الديمقراطية ولا مصلحة الحركات الإسلامية، وإنما يخدم فقط مصلحة إيران القومية؟
المؤشر الثاني: وهو ما يرتبط بالموقف من المسار الديمقراطي، وهل يطلب من الإسلاميين في هذه المحطة، التفكير في أولوية الاستقرار، أم شحذ أدوات المقاومة لاسترجاع الشرعية الديمقراطية ومقاومة التمدد السلطوي؟ وهل مطلوب من الحركات الإسلامية، التي وجدت تركيبا خاصا في علاقتها بالسلطة، في شكل وفاق أو شراكة، أن تستمر في دعم المظلومية الديمقراطية للإسلاميين؟ أم المطلوب في هذه المرحلة نقد تجارب الإسلاميين، والتمكين لمسار المصالحة، للتقليص من الاستنزاف الذي تعرضت له تنظيماتهم المختلفة؟ أم المطلوب أن يتحول الإسلاميون، إلى أدوات بيد قوى إقليمية، تدير الصراع مع دولهم، لاعتبارات تتعلق بمصالحها القومية العليا؟
مؤكد أن المصالحة الخليجية، سيكون لها أثر في تخفيض سقف الانقسامات بين الإسلاميين، وغير مستبعد أيضا، أن تكون إدارة الديمقراطيين للسياسة الخارجية الأمريكية أخف وطأة على الإسلاميين
المؤشر الثالث، وهو المرتبط ببعض بؤر التوتر ذات الطبيعة الحدودية، أو السياسية أو الانفصالية، والتي تجعل الإسلاميين بإزائها، مضطرين إلى الاختيار بين الهوياتي المرجعي، الذي ينتصر للأبعاد الوحدوية، أو الاختيار الوطني، الذي تقرره سياسة الدولة التي ينتمون إليها.
قد يعترض البعض، ويعتبر أن هذا المؤشر كان في السابق، وسيبقى مستمرا، وأنه لم يحدث أي متغير، يقتضي جعله محددا للانقسام، والجواب، أن هذا المؤشر وإن كان حاضرا في الماضي، إلا أن شكل حضوره اليوم، أضحى أكثر قوة، وذلك بسبب تغير مزاج السياسات الدولية، وانعطافها للتحرر من بؤر التوتر الموروثة من الحرب الباردة، هذا فضلا عن تعزز التوجهات الوطنية بضرورة استثمار السياق الدولي والإقليمي للطي النهائي لهذه الصراعات.
مثال ذلك، النزاع حول قضية الصحراء، فقد أدير هذا الملف بين إسلاميي الجزائر وإسلاميي المغرب بقدر من المجاملة، يعترف فيها إسلاميو الجزائر بأنها قضية مفتعلة من جنرالات الجزائر، لإقامة قطيعة مع المغرب، تستثمر داخليا كذريعة لمنع أي تقدم في الديمقراطية في الجزائر، لكن، اليوم، وبعد أن دخل هذا الملف في المنعطف الحاسم، لم يعد هناك ما يميز موقف إسلاميي الجزائر، عن موقف جنرالات الجيش المناوئين للوحدة الترابية للمغرب.
المؤشر الرابع: وهو الذي برز مؤخرا، وبشكل غير متوقع، فقد كان لموقف إسلاميي المغرب، من موضوع التطبيع انعكاسات خطيرة على مواقف الإسلاميين منهم، وصل حد تخوين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وإخراجه بالكلية من دائرة الإسلاميين.
مؤكد أن المصالحة الخليجية، سيكون لها أثر في تخفيض سقف الانقسامات بين الإسلاميين، وغير مستبعد أيضا، أن تكون إدارة الديمقراطيين للسياسة الخارجية الأمريكية أخف وطأة على الإسلاميين، لاسيما أن تم التركيز على الدمقرطة، وتمت إعادة النظر في سياسة الابتزاز الأمريكي في تسريع وتيرة التطبيع العربي، فمن المحتمل جدا أن يحصل التقارب التركي السعودي، ومن المحتمل جدا، أن ينخفض سقف التوتر القطري المصري، وقد يكون من ثمرات ذلك، حدوث انفراجات حقوقية مهمة يستفيد منها الإسلاميون، فيكون ذلك سببا في تقلص اختلافاتهم وعودة الحد الأدنى من انسجامهم، لكن، في المقابل، فإن أي توتر في المنطقة، ونشوب حرب أمريكية إيرانية، سينتج عنه بالضرورة تمزق في الطيف الإسلامي، وتنامي المحدد الوطني المفرز لمواقف الإسلاميين.
كاتب وباحث مغربي
قطر لن تنسى بسهولة ماحدث لها، والقطب الإسلامي الدولى ” تركيا – باكستان – افغانستان (طالبان)- ماليزيا- قطر – ليبيا- اذريبيدجان” يتمدد مقابل القطب العلماني الذي تقوده السعودية ودول التطبيع الذي يتمسك بالغرب لضمان بقائه واستمراره
بل الاكثر وضوحا ان العلمانيون العرب هم في نفق ممتد ومظلم من التيه.