عمان – «القدس العربي»: تظهر نقاشات برلمان الأردن الجديد، وتحديداً بالثقة ولاحقاً بالميزانية المالية، هشاشة الخطاب السياسي قياساً بالخدماتي والمعيشي والافتقار العام إلى مقاربة وطنية على أساس حزبي وبصورة يمكن أن تصل بكل الأطراف إلى توافقات منجزة.
غالبية خطابات النواب الجدد مالت إلى طابع شخصاني وفي إطار عبارات غرائزية إلى حد ما، سياسياً، تخطب ود الشارع والميكروفون أكثر مما تقدم نقداً حقيقياً لبيان وزاري من أي صنف، وبالتأكيد أيضاً أكثر من أن تقترح حلولاً للمشكلات العالقة على أكثر من صعيد وطنياً.
خلافاً لكل التوقعات، انتهت ثلاثة أيام ماراثونية في خطاب الثقة في وزارة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة، دون أدنى انتباه للملف الذي يحظى بالأولوية الآن للناس قبل الدولة، وهو الملف الصحي تحديداً، والجزء الوبائي منه حصرياً، حيث البند الأول في خطاب التكليف الملكي للحكومة الحالية هو ذلك الذي يتعمق في الحديث عن أولوية الصحة العامة والتركيز على الوباء.
وزير الصحة بقي مرتاحاً والبحث بهوس عن مشهد مثير وعبارة رنانة
غريب جداً أن غالبية الخطابات بحثت عن مشهد مثير أو عبارات رنانة أكثر من اهتمامها بمناقشة خطة الحكومة في التعامل مع الوباء كورونا، ورغم أن البوصلة الفايروسية في كل الاتجاهات إلا أن وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات بقي مسترخياً دون بقية الوزراء أثناء مناقشات النواب الجدد للثقة.
وهو وضع بدا غريباً فعلاً مع أن رئيس اللجنة الصحية في البرلمان النائب الطبيب الدكتور أحمد السراحنة، الذي يصر -على هامش نقاش لـ«القدس العربي» معه- على أن أولويات اللجنة ستكون التأسيس لمفهوم تشاركي مع الحكومة، حفاظاً على صحة المواطن، محذراً من أي استرخاء في التعاطي والاشتباك مع المتطلبات والاحتياجات الفايروسية. خلافاً للسراحنة وزميله الصيدلاني العريق النائب عبد الرحيم الأزايدة، مستوى الاهتمام في المستوى الصحي والوبائي قد يكون الأدنى عند غالبية النواب الذين مال بعضهم لخطاب سياسي في لحظة حرجة، يميل إلى الاستعراض أو يركز على الخدمات للأطراف والمحافظات أو يسعى قبل أي اعتبار آخر إلى خطف الأضواء ليس أكثر. ويحصل ذلك رغم إقرار الدكتور الأزايدة بأن الدور الوطني لمؤسسة النواب أيضاً حتى خارج نطاق التشخيص والرقابة والتشريع بل المساعدة في تأطير مفهوم الخدمة العامة ومناقشة الملفات في بعدها الوطني.
استعمل أحد النواب صوراً لبيوت أردنية بائسة بهدف جذب الانتباه.
وللهدف نفسه، هاجم نائب آخر وزير المالية محمد العسعس شخصياً، فيما هاجم ثالث وزيراً ثانياً. وتوجهت بعض الخطابات البرلمانية بعبارات خشنة وقاسية هنا وهناك أو بين الحين والآخر، وارتفع سقف الكلام في إطار التحدي والمناكفة والملاسنة أكثر من التشخيص الوطني أو وضع حلول ومناقشات، الأمر الذي يراه ناشط نقابي متمرس هو المهندس عبد الله غوشة، بمثابة المجال الحيوي للفعل والتأثير والاتجاه بخطوات ثابتة وعميقة نحو التغيير الإيجابي ليس في مستوى أرفع من قيمة أداء مؤسسة النواب فقط، ولكن أيضاً -وكما فهمت «القدس العربي» من غوشة- في مستوى تطوير مفاهيم الاشتباك والاستثمار بكل أنماط العمل المدني ومؤسساته الفاعلة.
يدعو غوشة مع خبراء آخرين خارج قبة البرلمان، النواب إلى التشارك مع مؤسسات المجتمع المدني الأخرى في إطار السعي لمقاربة مرتبطة بالمصلحة الوطنية حصرياً.
لكن تلك مسألة لا تبدو أنها في نطاق اهتمام النواب الجدد الذين مال أغلبهم إلى الإدلاء بخطاب رغم وجود خطاب يمثل كتلهم بعيداً عن البرامجية والمعالجات واقتراح الحلول، وفي إطار الرفع اللفظي للسقف مع ما يتطلبه المشهد من مكملات محتملة على المستوى الفردي تضغط على الوزراء أحياناً وتبتزهم أحياناً أخرى على هامش طموح الحكومة بالسعي نحو تحصيل ثقة الموازنة.
يحصل ذلك كله في إطار أول مواجهة فعلية بعد انتخابات مهندسة بين السلطتين، ستعقبها بالتأكيد مواجهة أخرى لها علاقة بمشروع الميزانية المالية، حيث يتضاعف خطاب النواب تحت ستار ابتزاز الخدمات لمناطقهم مقابل تمرير الميزانية المالية السنوية، ودون حدود منطقية من النقاش الفكري او الرقمي الذي بنيت الميزانية المالية على أساسه، وسط أزمة اقتصادية حادة. تلك، في كل الأحوال، وجبة جديدة من الاشتباك تظهر بأن الرأي العام الأردني ومع تقليص مساحة المعارضة المنهجية وغياب الأحزاب عن الواجهة التشريعية وهوس الأسماء الجديدة، لا يزال في أبعد مسافة ممكنة من تحقيق الطموح العلني لرئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات، في اتجاه مأسسة العمل البرلماني وتصليب جبهتي التشريع والرقابة.
المسافة بعد نقاشات الثقة بالحكومة وعشية نقاشات الميزانية المالية هي أبعد بين آمال الناس واحتياجات الوطن والأداء البرلماني حتى اللحظة، مع توفر هامش مرن يمكن أن تغير فيه الأحوال لاحقاً.
وأيضاً بالتلازم مع توفر مساحة لمفاجآت فوضوية إلى حد ما تحت عنوان إعلاء السقف أو افتعال مشكلات مع الحكومة دون المرور على الملفات الأساسية.