بين غوغاء ترامب ومظاهرات «ديكتاتوره المفضل» السيسي

حجم الخط
7

لم يكن مشهد اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي اعتياديا بالنسبة لدولة غربية ديمقراطية، لكن زمن ترامب جاء بالكثير من السوابق في الحياه السياسية الأمريكية، معتمدا على نزعته الانقلابية، المدعومة من جمهور كبير من البيض الأمريكيين سكان الأرياف، يقترب تمثيله من نصف القاعدة الانتخابية.
لكن اقتحام الكونغرس بهذا الشكل، شكّل صدمة كبيرة لتقاليد وقيم الحياة السياسية الأمريكية، لدرجة اعتراض قادة الحزب الجمهوري نفسه المنتمي له ترامب، وصولا لاستقالة نحو عشرة وزراء من حكومة ترامب في الساعات الأخيرة.
الرفض الكبير الذي أجمع عليه الساسة الأمريكيون لما حصل من قبل غوغاء ترامب، له دلالاته، بل لوحظ أيضا قلة التعاطف اجتماعيا مع المتظاهرة الامريكية التي قتلت برصاص حرس البرلمان، وأظهرتها اللقطات وهي تحاول العبور نحو القاعة، قبل أن تعرضها لتحذيرات رجال الامن ثم رصاصة استقرت في رقبتها.

من حق الأمريكيين والغربيين أن يبدوا قلقهم ممن يحاول أن يهدد قيمهم ومنجزاتهم، التي منحتهم نظاما سياسيا مستقرا يمثل أغلبية الشعب

واعتقد أن دلالات هذا الاستياء الكبير، من جرأة غوغاء ترامب على التعدي على الكابيتول، تشير إلى حرمة التعدي على المؤسسة التي تمثل قرار الشعب الأمريكي، بمعنى أنها المؤسسة التي انطلق منها التعاقد الاجتماعي على نظام ديمقراطي، يحمي البلاد من بلاء عظيم ابتليت فيه بلادنا، وهو الاستبداد، وتسلط العسكر، أو الحزب الحاكم، أو الطائفة الحاكمة على الشعب. لذلك من حق الأمريكيين والغربيين أن يبدوا قلقهم ممن يحاول أن يهدد أحد أهم قيمهم ومنجزاتهم، التي منحتهم نظاما سياسيا مستقرا يمثل أغلبية الشعب، يداول السلطة، ويحترم القانون، ويفصل بين السلطات، ويمنع احتكار كرسي الحكم من قبل شيخ قبيلة أو أمير طائفة. البعض من الجمهور العربي ابتهج بما حصل، ووصف ما حدث بأنه مؤشر إلى ما اعتبروه كذبة الديمقراطية، وانهيار نظام الولايات المتحدة، بينما جادل آخرون بأن ما حدث من فشل لترامب في تغيير نتيجة الانتخابات، ونجاح المؤسسة الأمنية في إبعاد أنصار الرئيس عن المؤسسة التشريعية، هو دليل على قوة النظام الديمقراطي، والفصل بين السلطات وسيادة القانون، لدرجة أن نائب الرئيس نفسه بنس رفض التعاطي مع دعوات رئيسه ترامب بتغيير نتيجة الانتخابات.
الجمهور العربي بدا أنه قد تعامل مع الحادثة كل وفق نظرته، ووفق تجاربه الخاصة في البلدان العربية، فالعراق مثلا يشهد اعتراضا على السلطة المنتخبة، وسط طعن الكثيرين بنتائج الانتخابات، وكثيرا ما حدث اقتحام قاعة البرلمان من قبل المحتجين الصدريين، وفي «حراك تشرين» الأخير حاول المحتجون السيطرة على عدة مبان حكومية، ومنها البرلمان، وكذلك الأمر في بيروت، حيث تمثل المواجهات مع حرس رئيس البرلمان نبيه بري، إحدى الفعاليات الثابتة في كل مظاهرة في ساحة الشهداء، أما في مصر، فكانت الطامة الكبرى، عندما أخرجت القوات المسلحة المصرية مظاهرة يونيو واعتبرتها ممثلا للشعب، ومبررا للانقلاب على قرار الشعب، الذي تم التعبير عنه بالانتخابات، وللآن تختلط في ذهن الجمهور العربي شرعية المظاهرات مع شرعية الانتخابات، فتجد هناك من يعتقد أنه من حق تيار شعبي ما، أن يخرج بمظاهرة للمطالبة بإسقاط حكومة منتخبة، وإن كان هذا التيار وهذا الجمهور قد خسر الانتخابات، لذلك أصبح هناك خلط لدى الحركات الاحتجاجية بين دورها في التعبير عن الاحتجاج، ومطالبها بالحلول مكان سلطة منتخبة، وهو الأمر الذي يفترض أن له سبيلا واحدا، وهو صندوق الاقتراع، وليس الشارع، ونتحدث هنا بالطبع عن عملية انتخابية نزيهة، وليس في دولة انتخابات شكلية من طراز الأنظمة الشمولية في سوريا والسعودية، ولذلك فإن المظاهرات الشعبية تسمى ثورة فقط في حالة قيامها بإطاحة نظام مستبد، غير منتخب، ففي هذه الحالة، تعتبرالتظاهرات ثورة انقلابية شرعية للإطاحة بحكم بلا شرعية، وصل للسلطة بالقوة، لا يملك تمثيلا شعبيا كافيا، والمفترض أن يكون هدف الثوار حينها هو، استبدال السلطة المستبدة بنظام انتخابي، يمنح للشعب المنضوي في دولة ما، آلية لاختيار سلطة شرعية، وأقرب آلية حاليا هي الانتخابات، وعندها فإن قادة الثوار نفسهم عليهم أن ينظموا صفوفهم حزبيا ويشاركوا في الانتخابات، إذا أرادوا الوصول للحكم، أما الخاسر في هذه الآلية فعليه أن يقبل بالمنتصر الذي يمثل أغلبية الشعب، لا أن يخرج في اليوم التالي بمظاهرة للمطالبة بالسلطة، مدعيا تمثيله للشعب و»الوطن» كما فعل جمهور النظام السابق في مصر، مدعوما ومحرضا من قبل السلطة العسكرية بقيادة السيسي.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أرجو أن يستيقظ الديموقراطيين على أن ما فعله ترامب بأمريكا, شبيه لما فعله السيسي بمصر!
    هناك إعلامي أمريكي قال: لو أن مقتحمي البرلمان من الأفارقة أو المسلمين لأطلقتم النار عليهم!!
    ولو كان جماعة الصدر من السُنة, لما تم لهم إقتحام البرلمان العراقي!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول علي ح .:

      و هذا دليل آخر وهذا دليل آخر برسم الكاتب على أن ديموقراطية أمريكا كـــاذبة ،
      فلو كان الغوغاء الذين اقتحموا صرح هذه الديموراطية الكاذبة من
      ذوي اللون الأسود لاتبعوا معهم سياسة الركبة فوق الرقبة ، لـــكن
      كانوا كرماء مع ذوي بشرتهم البيضاء الذين صالوا و جالوا كأنهم
      كانوا يعبثون في أحد ملاعب كرة القدم في أعقاب شـــــــغب بين
      جمهوري فريقين رياضيين متنافسين ” .

      ” فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ” .
      استدراك للمعلق السيد الداود ، ألفت طيب انتباهك إلى ضرورة
      الإلتزام بقواعد النحو العربي لترفع الفاعل بدل نصبه فتقول ،
      ” أرجو أن يستيقظ الديموقراطيون على أن ما فعله ترامب ” ،
      بدلاً من ” أرجو أن يستيقظ الديموقراطيين على أن ما فعله… ” .

  2. يقول علي ح .:

    ” البعض من الجمهور العربي ابتهج بما حصل، ووصف ما حدث بأنه مؤشر إلى ما اعتبروه كذبة الديمقراطية، وانهيار نظام الولايات المتحدة ” إهـ .
    و هل أنت تجادل في هذا ؟ ألا تؤمن بأنها ديموقراطية كاذبة لأنها عدوانية ، فبالإضافة إلى ما يقوله الرئيس الأمريكي العتيد جو بايدن تعليقاً على أحداث الرئيس الأمريكي الغوغائي ترامب بأن الديموقراطية الأمريكية هشة و تجد أدنا نص هذا التعليق ، فإن ديموقرطية أمريكا هي ديموقراطية اشعال الحروب في العالم و الأمثلة على ذلك كثيرة منها أن قرار اشعال الحرب العدوانية على العراق صدر من كونجرس هذه الديموقرطية و هو ذاته الذي يساند العدو الإسرائيلي و حروبه العدوانية على العرب و الأمثلة كثيرة ، دعهم يخربون ديموقراطيتهم بأيديهم قبل أيدي المؤمنين .
    هذا هو جزء من تصريح الرئيس الأمريكي العتيد جو بايدن :
    “اليوم هو تذكير مؤلم بأن الديمقراطية هشة، يتطلب الحفاظ عليه أشخاصًا ذوى نوايا حسنة، وقادة لديهم الشجاعة للوقوف، ومخلصين ليس للسعى وراء السلطة والمصالح الشخصية بأي ثمن، ولكن للصالح العام”.

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    حياك الله عزيزي علي وحيا الله الجميع
    شكراً لك على تصحيحي بقواعد اللغة العربية, فأنا كنت أكره حصص اللغة العربية بالمدارس!
    كان التدريس مجرد تلقين وتحفيظ, وليس إفهام واستيعاب!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول علي ح .:

      عزيزي الحاج الكروي داود
      حياك الله و بارك فيك أنت و من تحب
      و استميحك العذر إن أنا شططت .

    2. يقول Alec:

      ياشيخ الكروي، المشايخ هم حراس اللغة العربية وأرجوا أن تكون منهم لأنه لايليق بشيخ أن يخطئ باللغة العربية.

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    العزيز Alec حياك الله وحيا الله الجميع
    لست شيخ دين ولا لغة, لكني شيخ سياسة واقتصاد واجتماع, وشيخ أُسرة!
    المهم عندي هو البعد عن المحرمات في ممارساتي الحياتية حتى لا أُغضب الله سبحانه وتعالى!! ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية