سياسة بايدن الخارجية: الـ«سوبر ستار» وحفيد الهولوكوست

حجم الخط
5

نحن في عام 1998، على أعتاب عيد الأنوار اليهودي (حانوكا)، في مذكرة أرسلها جاكوب ماور، مستشار رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى توني بلينكن، مستشار الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وكاتب خطبه في ميدان السياسة الخارجية؛ حول أفضل النكات التي يمكن للأخير أن يقتبسها خلال زيارة إلى دولة الاحتلال. الحكاية أظهرتها إلى العلن مؤخراً مؤسسة الأرشيف الوطني الأمريكية، ليس بعيداً أغلب الظنّ عن واقعة راهنة هي أنّ الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن اختار بلينكن وزيراً للخارجية، وعن تفصيل يفيد بأنّ بلينكن يهودي الديانة. بين النكات واحدة عن كشك فلافل، وأخرى عن مطعم يهودي في أمريكا عمر زيت القلي فيه ثمانية أعوام وليس ثمانية أيام، وسوى ذلك. الرئيس الأمريكي شاء في نهاية المطاف أن يقول التالي: “عيد الأضواء تذكرة لنا جميعاً بالبركات الكثيرة التي تنير حياتنا: محبة الله، هبة الحرية، قوّة العائلة والجماعة، والأمل في سلام دائم”.
في إدارة باراك أوباما عمل بلينكن مساعداً لمستشار الأمن القومي، ومساعداً لوزير الخارجية، وكان في المنصبين بمثابة “سوبر ستار” حسب تعبير بايدن نفسه؛ وقد يتذكر بعض زاعمي تمثيل المعارضة السورية، من المؤمنين بدور أمريكا في “تغيير” نظام بشار الأسد تحديداً، أنّ بلينكن كان من مؤيدي خيارات عسكرية أمريكية أشدّ في سوريا، ولكنه سرعان ما استدار على عقبيه حين مسح رئيسه كامل آثار “الخطّ الأحمر” الشهير بصدد لجوء النظام إلى استخدام الأسلحة الكيميائية. ولعلنا لن نُفاجأ بحماس نماذج محدثة من المعارضين السوريين إياهم، إزاء وجود بلينكن في موقع وزارة الخارجية؛ رغم أنّ المتغيرات التي طرأت على تفكير الرجل لم تنجم عن تحولات سيّده الأول (كلنتون) ولا الثاني (أوباما) ولا الثالث (بايدن)، بل سلسلة الخلاصات الشخصية التي تراكمت لديه سنة بعد أخرى ومنصباً بعد آخر.
كذلك لا تصحّ الاستهانة بحقيقة أنّ عدداً غير قليل من رجال أوباما يعودون اليوم مع بايدن إلى احتلال مواقع حساسة، داخلية وخارجية أو في حال من التقاطع بين المضمارين: جيك سوليفان في منصب مستشار الأمن القومي (أحد مهندسي الشطر الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران)؛ سوزان رايس، مديرة “مجلس البيت الأبيض للسياسة الداخلية” (وكانت ركيزة كبرى في إدارة أوباما، على صعيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن القومي)؛ وجون كيري، المبعوث الخاص حول التغيّر المناخي (وكان وزير الخارجية أواخر ولاية أوباما الثانية). هذه حيثيات يتوجب أن تقلق نتنياهو في مقام أوّل، وثمة تقارير صحفية إسرائيلية تشير إلى أنه غير سعيد بها؛ ولكن هل يتوجب أن تُفرح الحالمين بموقف أمريكي أكثر صلابة ضدّ النظام السوري؟ أو ضدّ إيران، خارج إطار احتمال عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي؟ أو اتخاذ تعبيرات زجرية أوضح ضدّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بصدد الحرب على اليمن أو اغتيال جمال خاشقجي أو ملفات حقوق الإنسان؟
الجلي، حتى إشعار آخر، أنّ ركائز السياسة الخارجية في تباشير عهد بايدن سوف تميل إلى الارتداد، ما أمكن، عن حماقات دونالد ترامب؛ بصدد ترميم العلاقة مع أوروبا، والحلف الأطلسي، واتفاقية المناخ، والمنظمات الأممية… ورغم احتمال اللجوء إلى خيارات أكثر توازناً في الملف الفلسطيني، وحكاية “صفقة القرن”، والمقاربات البضائعية للتطبيع مع دولة الاحتلال؛ فإنّ من غير المرجح أن يعيد بايدن السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، ولعله سوف “يطنّش” على اعتراف البيت الأبيض بشرعية احتلال الجولان، وسياسات الاستيطان عموماً.
الجلي المعروف، أيضاً، أنّ السياسات الأمريكية بصدد دولة الاحتلال لا تتغيّر من حيث الجوهر مع تغيّر الإدارات؛ كما لا يبدّل من الحال أن يكون بلينكن حفيد ناجٍ من الهولوكوست، فهذا أقرب إلى نور على نور!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامي صوفي:

    علينا أن نتذكر أنه في عهد الرئيس كلينتون، كانت الإدارة لا تزال تسير حسب الشرعية الدولية لحل القضية الفلسطينية.
    و إذا كان بايدن قد عيّن بلينكن اليهودي كوزير للخارجية، فعلينا دعم هذا الخيار، لأن يهود أميركا معارضين لنتياهو و مع حل الدولتين، حسب ما نشرت هارتس.
    كل تعيينات بايدن تشير إلى أننا أمام إدارة «كإمتداد للسيناتور بايدن و ليس لنائب الرئيس أوباما». بلينكين كان من المعارضين لسياسة أوباما في سوريا. و في مقابلة معه في ١٩ أيار ٢٠٢٠. يقول الوزير المكلف بلينكين (الدقيقة ٣٤:٥٠ حتى الدقيقة ٣٨:١٧ https://youtu.be/PP_vzcqA_9c) عندما سألته المذيعة في قناة سي-بي-اس مارغريت برينان عن سوريا؛ أنه يأخذ خطأ ادارة اوباما في سوريا بشكل شخصي، و أنه مع دعم إعادة الإعمار في سوريا، و مع استحالة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
    بالاضافة إلى أن بايدن أبعد كل من ساهم في سياسة أوباما في سوريا لمناصب لا علاقة لها بالخارجية أمثال رايس و كيري. أما حول التراجع على نقل السفارة، فهناك ٨ سيناتور ديمقراطيين، منهم ساندرز (يهودي) رفعوا مذكرة للتراجع عن هذا القرار.
    نحن لن نرى رئيس أميركي «مفصّل» على قياسنا، و لا يجب أن نتوقع بأن يكون رئيس أميركا «عربياً أكثر من العرب». و لكن السياسة تقتضي ان نتعامل مع أي رئيس ملتزم بالشرعية الدولية.

    1. يقول Mohamed Saleh:

      هذا هو الكلام الصحيح.. “لن يكون عربيا اكثر من العرب ”
      شكرا استاذ سامي الصوفي.

  2. يقول سلمى سعيد:

    “فإنّ من غير المرجح أن يعيد بايدن السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، ولعله سوف “يطنّش” على اعتراف البيت الأبيض بشرعية احتلال الجولان” اه
    بعد كل هذه الجولة السردية المنتقاة بعناية شديدة في (تغيرات) سياسة أمريكا الداخلية والخارجية، لم يجد السيد الكاتب بدا من تفسير الماء بعد الجهيد الجهيد بالماء !!!!؟؟

  3. يقول ناصر كساب:

    ومهما اختلفت المسميات لمن يحكم أمريكا ديموقراطي أو جمهوري
    مرجعهم كتابهم الإنجيل
    وتعاطفهم مع دولة الاحتلال نابع من تعاليم كتابهم المزيف

  4. يقول ثائر المقدسي:

    (كذلك لا تصح الاستهانة بحقيقة أنّ عددا غير قليل من رجال أوباما يعودون اليوم مع بايدن إلى احتلال مواقع حساسة، داخلية وخارجية أو في حال من التقاطع بين المضمارين)…
    صديقي أبا صُبَيْحٍ… يعني، استئناسا بكلام الأخ القارئ بخصوص “تفرُّد” الديكتاتور الأرعن، لكن الأصدق والأصرح والأشجع، ترامب (تعقيبا على مقالك السابق)، السياسة الأمريكية، سواء كانت بوجود أو بعدم وجود أوباما، سوف تعود إلى عادتها القديمة (كما تعود المحروسة “حليمة”)، أي سياسة اللف والدوران والكلام الموارب من لسان شخص لعوب بوجهين متضادين (يتكلم بوجه طيب من الخارج ووجه خبيث من الداخل)، تحت شعارات التبجيل لـ”قداسة” تلك الهالة الوهمية التي بُنيت بالزيف حول الكابتول على مر السنين، وشعارات التعظيم لأمريكا “الإمبراطورية الورقية العظمى” – تماما كما يفعل كل رؤساء أمريكا الآخرين الذين لا يعدون أن يكونوا منافقين متملقين ومتزلفين لـ”عظمة” هذه الإمبراطورية، وأولهم باراك أوباما… !!!
    ك

إشترك في قائمتنا البريدية