الرباط ـ «القدس العربي»: بعد ولايتين تشريعيتين في كَنَف دستور 2011 ما يزال مشروع القانون الجنائي يُراوِح مكانه، بعد أن عُرِض في المجلس الحكومي بتاريخ 9 حزيران/يونيو 2016، خلال الحكومة السابقة (حكومة عبد الإله بن كيران) وجرت إحالته على مجلس النواب، ثم على لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب.
ومن بين أهم التعديلات التي تضمنها المشروع الجديد، مواد تنص على تجريم التعذيب والإبادة الجماعية، والاتجار بالبشر، والإثراء غير المشروع، والتحرش الجنسي. وحافظ القانون على تجريم الإجهاض، والعلاقات الجنسية خارج الزواج، كما أبقى على عقوبة الإعدام، وهي قضايا أثارت خلافات واسعة داخل المجتمع.
تأخير المصادقة على مشروع التعديل على القانون الجنائي خلّف قلقاً في أوساط الحُقوقيين والمهتمين بالشأن السياسي في المغرب، داعين البرلمان والحكومة إلى تسريع مناقشته والمصادقة عليه، مع الاستجابة لمختلف التعديلات التي طالبوا بها.
وزير العدل يقطر الشمع
وأمام الانتقادات المتلاحقة بسبب تأخر المصادقة على مشروع القانون، أعلن وزير العدل محمد بنعبد القادر عن إقبار مشروع القانون بشكل نهائي من طرف البرلمان، مع اقتراب نهاية الولاية التشريعية والحكومية.
وقال في تصريح صحافي لجريدة «الأخبار» أمس الجمعة، إنه لم يتسلم أي طلب لحضور اجتماع لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب لاستكمال مسطرة المصادقة على المشروع، ما يعني أن القانون سيبقى معلقاً بدون مصادقة خلال الولاية الحكومية التي تقترب من نهايتها.
وأكد الوزير للصحيفة نفسها «أنه لا يتحمل أي مسؤولية بمنع القانون بعدما تفاعل مرات عدة مع طلبات لجنة العدل والتشريع للحضور أمامها لمناقشة مشروع القانون قبل وقوع خلافات داخل الأغلبية البرلمانية».
الخلافات التي تحدث عنها الوزير تتعلق بسحب فرق الأغلبية توقيعها من لائحة التعديلات المقدمة بشكل مشترك، بعد أن قام حزب «العدالة والتنمية» بسحب تعديل متوافق عليه حول تجريم الإثراء غير المشروع، حيث بادر رئيس فريق «التجمع الدستوري» بتوجيه رسالة، أعلن فيها أن فريقه أصبح غير معني بالتعديلات، وطلب وقتاً كافياً لتقديم تعديلات خاصة بفريقه، ليوجِّه رئيس «الفريق الاشتراكي» بدوره رسالة طلب عبرها سحب توقيع الفريق على تعديلات فرق الأغلبية ملتمساً مهلة كافية لتقديم تعديلات الفريق الخاصة.
اتهامات متبادلة
رداً على تصريحات الوزير، قالت بثينة القروري، عضو لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب المغربي، إن ما أورده الوزير بكونه لا يتحمل أي مسؤولية في عرقلة القانون الجنائي هو غير صحيح وعار من الصحة.
وأوضحت النائبة البرلمانية عن حزب «العدالة والتنمية» في تصريح لـ «القدس العربي» أن آخر مناقشة لأعضاء اللجنة جمعتهم بالوزير كانت حول مشروع الميزانية الفرعية لوزارته، وتوجهوا له بمجموعة من التساؤلات حول أسباب عدم استجابته لطلبات لجنة العدل والتشريع للمصادقة على التعديلات المقدمة من طرف البرلمانيين على مشروع القانون الجنائي.
جواب بن عبد القادر، وفق القروري، كان تأكيده «بتوصُّله بالتعديلات وأنه يحتاج للوقت اللازم من أجل الاستشارة مع رئيس الحكومة حول طبيعة التعديلات التي ينبغي أن يوافق عليها والتي يجب أن يرفضها» متابعة أن الحيثيات التي يسردها وزير العدل في تصريحه الصحافي لـ»الأخبار» مرتبطة بفترة سابقة قبل فترة فتح أجل جديد للتعديلات، في إشارة إلى العرقلة التي حصلت بخصوص النقطة المتعلقة بالإثراء غير المشروع، وسحب العدالة والتنمية لتوقيعه على التعديل.
وأبرزت المتحدثة أن أعضاء اللجنة وبعد مناقشات طويلة، اتفقوا على فتح أجَل جديد ليقدم كل فريق تعديلاته من جديد وهو ما تم فعلاً، وانتهى الأجل منتصف أيلول/ سبتمبر قبل أن يتم إرسالها لوزير العدل، وأكدت: «أكثر من ذلك، وجه رئيس اللجنة رسالة لرئيس مجلس النواب يخبره بأننا وضعنا التعديلات ويطلب منه القيام بالمُتعيَّن لبرمجة القانون».
في نظر رشيد لزرق، المتخصص في الشؤون البرلمانية، يبقى ملف إخراج القانون الجنائي مجالاً للمُناكفة السياسية في ظل «غياب وزير قادر على الإقناع، وليس الهروب كما يفعل الوزير الحالي محمد بن عبد القادر، رغم أن تعديل القانون الجنائي حاجة مجتمعية ملحة تفرض ملاءمة النصوص مع ظروف وأحداث مستجدة» وفق تعبير المتحدث.
ولفت أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة ابن طفيل في القنيطرة، خلال حديثه لـ «القدس العربي» إلى جملة من الملفات المرتبطة بالقانون الجنائي والتعديلات التي ستطرأ عليه، من قبيل مسألة الحريات الفردية التي أفرزت العديد من القضايا كقضية حول تجريم الإجهاض، وفي قضية مكافحة الفساد وتجريم الإثراء غير المشروع الذي كاد يُفجِّر الحكومة.
في نظر لزرق، لم يحظ مشروع القانون الجنائي بعد بمصادقة البرلمان، وعرف تأجيلات عديدة على عهد بن كيران، وكذا على عهد العثماني، وذلك يرجع لكون حزب «العدالة والتنمية» يدفع في اتجاه تأجيل معركة الهوية، وفق تعبيره.وزاد المحلل السياسي أن كون الحكومة ائتلافية والخوف من فقدان التحالف الحكومي، تخلى «العدالة والتنمية» عن وزارة العدل وعوَّضها بوزارة حقوق الإنسان بعد استقلال النيابة العامة «حرصاً منهم على ضرورة كبح أي تعديل في القوانين والاندفاع نحو ملاءمة التشريع المغربي مع المواثيق الدولية».وقال أيضاً: «نتذكر جميعاً مشروع قانون رقم 22.20 الذي يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، الذي قدمه وزير العدل الحالي، والصراع المباشر بين مصطفى الرميد وعبد القادر، الذي لم يستطع مواجهته بفعل عدم تخصصه القانوني، وخروج الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، محاولاً التنصل من مسؤولياته، قائلاً إنه لم يطلع على مشروع القانون».
كل ما وقع يعطي مؤشرات على تداعيات يمكن أن تعرفها الأغلبية، وفق الأكاديمي المغربي «لكون بن عبد القادر هو ممثل الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، مما يفسح المجال لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، لتقديم اقتراح للملك من أجل إقالة محمد بن عبد القادر، أسوة بوزير الثقافة السابق حسن عبيابة».
الأستاذ الجامعي يرى أن مثل هذه القوانين تفرض المقاربة التشاركية، ما لم يعمل به بن عبد القادر في الوقت الذي كان يُنتظر فيه من وزارة العدل والحريات تحقيق مزيد من التواصل مع المجتمع الحقوقي، باعتباره شريكاً رئيسياً في ترسيخ دولة الحقوق والحريات، والارتقاء بالمنظومة الحقوقية المغربية.
الإثراء غير المشروع
بالعودة إلى الإجراءات المزمع اتخاذها محاولة للخروج من عنق الزجاجة، أفصحت بثينة القروري لـ»القدس العربي» أن البرلمان سيمر لخطوة برمجة مشروع القانون في غياب الحكومة، مع البت في التصويت حسب الأغلبية، وخلُصت إلى أن هناك من يخاف من المصادقة على مشروع القانون، خاصة بالشق المتعلق بالإثراء غير المشروع، وأشارت إلى أن هناك ممانعة في إقرار جميع النصوص المتعلقة بمحاربة الفساد، وأن هناك إرادة معاكسة لإرادة الإصلاح، والوزير يجب أن يعبر بصراحة في أي ضفة هو» وفق تعبيرها.