بعد عام على انتشار كورونا.. قطاع المطاعم والمقاهي الأكثر تضرراً في تركيا

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول -“القدس العربي”:  يعتبر قطاع المطاعم والمقاهي من أبرز القطاعات تضرراً في تركيا بعد مرور قرابة العام على انتشار فيروس كورونا وبدء سياسات الإغلاق العام والجزئي التي شملت على الدوام المقاهي بشكل مطلق والمطاعم بشكل جزئي ما كلف هذا القطاع خسائر تاريخية غير مسبوقة.

ومنذ بداية الأزمة، حاول أصحاب المطاعم والمقاهي الصمود على أمل انفراجة قريبة في الوباء العالمي قبل أن تبدأ الكثير من هذه المشاريع بالإغلاق تدريجياً وذلك عقب تعاظم الخسائر وعدم وجود أفق لنهاية الأزمة وسياسات الإغلاق، فيما لا يزال آخرون يصارعون من أجل البقاء على أمل حلول لا تبدو قريبة في الأفق.

في مدينة كإسطنبول يعيش فيها قرابة 17 مليون نسمة بشكل دائم، وينتقل إليها ملايين آخرون يومياً من محافظات أخرى، وكان يزورها عشرات ملايين السياح سنوياً، تعتبر المطاعم والمقاهي من أبرز معالم المدينة ويكاد لا يفصل فيها بين المطعم والآخر والمقهى والثاني سوى عدة أمتار.

وعلى أقل تقدير يوجد عشرات آلاف المطاعم والمقاهي المتنوعة في إسطنبول وأعداد أكبر في عموم تركيا يعمل بها مئات الآلاف من طلاب الجامعات ومحدودي الدخل ويملكها مستثمرون صغار ومتوسطون لا يمتلكون القدرة على الصمود لفترة طويلة أمام التحديات الاقتصادية العظيمة التي فرضتها شروط الإغلاق الناتجة عن انتشار فيروس كورونا.

ومنذ آذار/مارس الماضي كانت المطاعم والمقاهي الهدف الأول لقرارات الإغلاق المختلفة التي اتخذتها الحكومة التركية، وبينما أغلقت المقاهي بشكل كامل، سمح للمطاعم بالعمل عبر خدمة التوصيل إلى المنازل ومنعت من استقبال الزبائن منذ أشهر طويلة جداً، وهو ما أدى إلى تراجع عملها إلى أدنى المستويات على الإطلاق.

وبعد أن كانت المقاهي والمطاعم من أبرز معالم الكثير من الشوارع والمناطق السياحية والشعبية في إسطنبول، بات غيابها نذير شؤم للمواطنين الذي يراقبون يومياً الكثير من المطاعم والمقاهي التي اعتادوا على رؤيتها منذ سنوات طويلة وهي تتساقط واحدة تلو الأخرى في مشهد يصفه المواطنون بـ”المحزن”.

وبات من شبه المعتاد يومياً أن تشاهد مطعما أو مقهى يقوم صاحبه بتفكيكه وإنزال لوحاته الدعائية ونقل معداته من أدوات المطبخ الكبيرة إلى المقاعد والطاولات وذلك بعدما يكون صاحب المشروع قد فقد الأمل بعودة قريبة للحياة الطبيعية واستنفد كافة مقومات صموده المالية لحين انتهاء الأزمة التي لا يبدو لها نهاية قريبة على الإطلاق.

وطوال أشهر الإغلاق، وبالإضافة إلى توقف الدخل بشكل كامل نتيجة توقف العمل، فإن أصحاب هذه المشاريع يضطرون للاستمرار في دفع بديل الإيجار والفواتير وبعض الضرائب إلى جانب دفع رواتب العاملين الذين منعت قرارات حكومية رسمية تصريفهم من العمل وباتوا يمثلون عبئاً هائلاً على عاتق أصحاب المشاريع.

ويشتكي أصحاب المطاعم من محدودية الدعم المقدم إليهم من قبل الدولة منذ بدء الأزمة، حيث منعت الدولة أصحاب المشاريع من تسريح العاملين وتكفلت بدفع التأمين لهم وما يقارب نصف الراتب الأساسي، لكن في المقابل فإن أصحاب المشاريع حصلوا على دعم بدل الإيجار الجزئي لأماكن العمل والذي يقولون إنه لا يغطي سوى جزء صغير من القيمة الحقيقية للإيجار، وإنهم يواصلون دفع الضرائب للدولة رغم توقف أعمالهم.

وتعتبر المقاهي الأكثر تضرراً على الإطلاق، لا سيما المقاهي التي تقدم “النرجيلة” والتي كانت مصدر الكسب الأساسي لمشاريعهم، وما يزيد من تعقيد أزمة أصحاب مقاهي النرجيلة أن توصيات اللجنة العلمية دائماً ما شددت على إطالة أمد منع إعادة فتح هذه المقاهي باعتبار أن النرجيلة من أسهل وسائل نقل العدوى وهو ما يدفع أصحاب هذه المقاهي إلى الاعتقاد أن قرارات المنع ربما ستتواصل لعام كامل آخر وهو ما دفع الكثير منهم للإغلاق أو التفكير بالإغلاق أو تغيير مجال عمله مع صعوبة الصمود لفترة أطول.

في المقابل، تحاول شريحة من أصحاب المطاعم الصمود من خلال تحصيل المصاريف الشهرية من إيجار وفواتير ورواتب عاملين من خلال العمل في إرسال طلبيات الطعام إلى المنازل، لكن كثيرين منهم يؤكدون أن هذا العمل الجزئي لا يوفر أيضاً الحد الأدنى ولا يغطي مصاريف المطعم الأساسية عوضاً عن أنه لا يوفر أي أرباح لأصحاب المشاريع الذين باتوا مضطرين لبيع جزء ممتلكاتهم أو الحصول على قروض صعبة من البنوك لمحاولة الصمود أطول فترة ممكنة.

يضاف إلى ذلك، أن الكثير من المطاعم في تركيا تعتبر بمثابة “مطاعم عائلية” يديرها ويعمل بها أبناء الأسرة الواحدة، وأدى توقفها إلى توقف دخل العائلة بشكل كامل، ما أوقع هذه العائلات في صعوبات مالية غير مسبوقة، وسط مطالبات للدولة بتخفيف شروط الإغلاق وتقديم مزيد من الدعم لأصحاب المشاريع الصغيرة لإنقاذهم من هذه المرحلة الصعبة، وهو جانب آخر للمعاناة لا يقل كثيراً عن معاناة أصحاب المطاعم التي كانت تستهدف السياح الذين تراجع وجودهم إلى أقل من 90٪ ويتوقع أن تحتاج البلاد إلى سنوات طويلة لتعود لأرقام السياحة السابقة على غرار باقي دول العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية