تونس ـ «القدس العربي»: بدأت ملامح المشهد السياسي المُقبل في تونس تتوضح تدريجيا مع تقاسم الأحزاب الثلاثة الأولى في الانتخابات التشريعية لرئاسة البرلمان، بل إن البعض بدأ الحديث باكرا عن «ترويكا» جديدة بين يمينين (ليبرالي وإسلامي) مع إقصاء شبه كامل لليسار الذي يبدو أنه سيختار المعارضة مضطرا بعدما تم «خداعه» من قبل بعض الأطراف السياسية.
وتؤكد التطورات السياسية الأخيرة أن شهر العسل بين «النداء» و «النهضة» لم ينتهِ عمليا، بل إن التجاذبات السياسية بين أكبر حزبين في البلاد قد تكون مجرد غطاء لتحالف ضمني يؤسس للمرحلة السياسية المقبلة في البلاد التي سيتعاون الطرفان على إدارتها، مع منح دور «هامشي» لحزب ثالث (الاتحاد الوطني الحر) يتخذ طابعا مكملا أو «ديكوريا» لمنح صبغة «التعددية» على الحكم من جهة، ولكسب دعم مناصرية من جهة أخرى، وهذا ما تمت ترجمته أمس (الجمعة) واقعيا بعد إعلان رئيس «الوطني الحر» سليم الرياحي دعمه للباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية.
وإذا كان التحالف بين «النهضة» و «النداء» يأخذ طابعا نفعيا واضطرارايا في آن، فإن البعض يتساءل عن سبب استبعاد الجبهة الشعبية التي لم تتقن أداء دور «الطرف الثالث أو المعدل» وبقيت مشتتة بين مغازلة الليبراليين حينا ومعاداة الوسط أحيانا أخرى.
ويرى المحلل السياسي والدبلوماسي السابق توفيق ونّاس أن التطورات السياسية بعد الانتخابات التشريعية تشير إلى أنه سيقع تلاقٍ بين نداء تونس والنهضة «لأن النتائج تفرض عليهما التشارك في الحكم بصفة أو بأخرى، وهذا التشارك قد يكون فيه نوع من الحل لإرساء المؤسسات السياسية والبدء في العمل الاقتصادي».
ويصف العلاقة القائمة بين الطرفين بـ «زواج الضرورة أو المصلحة، وهذا «يكذّب الخطاب الذي وقع عليه تأسيس الحملة الانتخابية للطرفين، حيث اعتمد النداء على إقصاء الحركة الإسلامية والعكس، بمعنى أن التاريخ يعيد نفسه، حيث كان هناك صراع دائم بين حزب التجمع (النظام القديم) والحركة الإسلامية، ولكن هذه المرة الأولى التي يقع فيه لقاء بين الطرفين».
ويضيف لـ «القدس العربي»: «ثمة محاولة من قبل القيادات في كلا الحزبين لامتصاص غضب القواعد وتقديم تفسير «بيداغوجي» يفضي إلى ضرورة التعايش الذي كانت القواعد في كلا الحزبين تعتقد أنه مستحيل، على اعتبار أن نجاح هذا الطرف يبنى على فشل الآخر».
وفيما يتعلق بإمكانية تشكيل «ترويكا جديدة» في البلاد، يقول ونّاس «بغض النظر عن المرادفات (تعايش، تآلف، ترويكا)، فإن هناك تحالف سياسي جديد لمارسة الحكم (لا أكثر ولا أقل)، مكون من إسلاميين وليبراليين يمينيين، وهذه الترويكا الجديدة يزداد فيها العنصر الليبرالي أكثر من الترويكا القديمة التي كان تحوي بعض الأطراف التقدمية كالمؤتمر والتكتل».
من جهة أخرى، يرى أن اليسار التونسي الذي يفتقد أساسا للحنكة السياسية والوضوح هو من أكثر الخاسرين في المعادلة السياسية، مشيرا إلى أن الجبهة الشعبية شعرت بنوع من «الخداع» من طرف «نداء تونس» وخاصة بعد التحالف معه ضد الترويكا القديمة ضمن «جبهة الإنقاذ»، رغم أنها استفادت قليلا فيما يتعلق بنتائج الانتخابات.
ويضيف «اليسار الآن يشعر بمرارة كبيرة، وكان يفترض أن يكون الطرف المرجح بين اليمين واليسار، لكن تم عزله ليقتصر دوره على المعارضة التي قد تصبح معارضة يسارية منفردة معزولة وضعيفة، لكن في الوقت نفسه يمكن القول إن الجبهة الشعبية، التي تضم أطراف يسارية وقومية وعروبية غير متفقة مع بعضها، قامت بأخطاء كبيرة حيث تصادمت مع حزبي المؤتمر والتكتل (الوسطيين)، بمعنى أنها أعلنت العداء للجميع حتى تكسب قوة أكبر، وقد تكون كسبت بعض النقاط (انتخابيا) ولكن الجميع رفضها لاحقا.
وكان الأمين العام لحركة الشعب زهير أكد في حوار سابق مع «القدس العربي» أن الجبهة الشعبية «استفادت في فترة ما من اقترابها من نداء تونس عبر جبهة الإنقاذ، حيث فُتح لها الإعلام بشكل كبير»، مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات التشريعية «جاءت عكس ما يروجه البعض حول اندثار الأحزاب القومية واليسارية والأيديولوجية».
بدورها، تنتقد الباحثة والناشطة السياسية آمنة منيف لجوء البعض إلى تسويق مفاهيم مغلوطة ضد اليسار التونسي، وخاصة داخل مجلس النواب، عبر اتهامه بمعارضة الوحدة والتوافق الوطني لمجرد عارضته لأفكار وتوجهات الأطراف السياسية الأخرى.
وتضيف «كان من الأرجح أن يتم التعامل مع الجبهة الشعبية كطرف جدي، وأعتقد أن تركيبة مكتب المجلس (البرلمان) ورئاسة اللجان التي تم تكوينها تدخل في باب «المؤقت» لأن مشهد السلطة لم يتحدد بعد وهو في انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية».
ويتساءل بعض المراقبين حول الغاية من العودة للعصر البورقيبي في هذا الوقت بالذات عبر شخصيات مثل محمد الناصر (رئيس البرلمان) والباجي قائد السبسي (المرشح الأوفر حظا بمنصب رئاسة الجمهورية)، في ظل وجود عدد كبير من السياسيين الشباب في تونس.
وتفسر منيف ذلك بمحاولة «نداء تونس» التأكيد على التواصل الدائم مع الحركة الوطنية والمرجعية البورقيبيـــة، فضلا عن كونها إحدى الطرق الناجعة للحفاظ على وحدة حزب يضم أطرافــا متناقضــة ولم تتم هيكلتـه حتى الآن.
وتضيف «أعتقد أن قضية السن اجتازها الزمن، والأهم هو الحديث عن الخارطة السياسية التي تدل على فراغ تام على مستوى الفكر السياسي، فنحن الآن نتحدث عن أشياء سطحية في صراعات سياسوية، ولكن جوهر الموضوع هو أن البلاد اليوم في توجه يميني يميني، وأنا ضد من يقول إن مشروع بناء الوطن لا يمكن الحديث فيه عن توجهات يمينة أو يسارية، فحتى ولو تجاوزنا القضية الأيديولوجية والعقائدية، تبقى خيارات البناء الاقتصادي والاجتماعي هي خيارات بالأساس فكرية تُبنى على صراع بين ليبرالية وحشية تعتمد اقتصاد سوق معدل وتوجهات اجتماعية تؤمن بالتوجه التضامني والاجتماعي».
وتحذر من لجوء بعض الأطراف السياسية لـ «تعويم المبدأ الأساسي للديمقراطية الذي يتمثل بالتعددية والتموقع بين سلطة ومعارضة وإفراز الرأي المعاكس والمختلف داخل مؤسسات السلطة، فنحن اليوم نسير نحو إرساء الفكر الواحد تحت قناع «تعددية» خالية من التناقضات التي لا بد منها لأي نظام تعددي (حقيقي)، وأعتقد أن الأخطر في ذلك أن يحمل الاتفاق الضمني بين هذه الأطراف حلولا ترقيعية للوضع الاقتصلادي والاجتماعي في البلاد».
حسن سلمان
اسم الجبهة الشعبية يذكر بالجبهة الشعبية الفلسطينية القائمون علي سياسة تونس في الكواليس يمتعضون من كلمة فلسطين وإن ابتسموا في وجهك فإنهم في الظهر يقصوك ويعادوك وينهوك كيانك لذلك علي الشعبية أن تغير اسمها أوتضيف الي بين قوسيين جبهة شعبية(تز في فلسطين) ربما تدخل النادي وتصبح تلقي هنا وهناك محاضرات