عمان – «القدس العربي»: لا يوحي بيان صدر بصمت باسم أكثر من 300 عضو في الهيئة العامة لنقابة المعلمين الأردنيين، بأن البوصلة تتجه نحو التهدئة على الرغم من إعلان نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة، وعبر «القدس العربي» الأسبوع الماضي، بأن مصيره شخصياً والمجلس الحالي للنقابة ليس مهماً، والأهم أن تبقى النقابة. وبيان معلمين شديد اللهجة، صدر دون تبنيه أفقياً، يلامس مسألتين في غاية الأهمية.
فالمسألة الأولى هي الإيحاء بأن الهيئة العامة هذه المرة قد تتجه للتصعيد وليس الهيئة الإدارية التي ألغيت شرعيتها بقرار محكمة، ما يعني إرباك وضع مرتبك أصلاً، لأن التحدث مع نقابة منتخبة ومجلس لا يزيد عدد أعضائه عن 13 عضواً أسهل كثيراً في مطلق الأحوال من التحدث مع هيئة عامة ممتدة في مختلف محافظات الأردن ويزيد عدد أعضائها عن 120 ألفاً.
المسألة الثانية هي في بيانات وإفصاحات وتعبيرات المعلمين أنفسهم عبر منصاتهم التواصلية، تتمثل في التأكيد على ما قاله النواصره وبعنوان أن المعلم الأردني ليس بصدد أن يقبل، في حال من الأحوال، حل النقابة أو إغلاقها تماماً في مسألة تتباين مع بقاء شرعية المجلس الحالي أو عدمها. ومن ثم، فالجزء الأكثر حساسية في الإفصاح المشار إليه هو ذلك الذي يعبر باسم جمهور المعلمين عن الرغبة في التعامل مع أزمة النقابة باعتبارها جزءاً من المشهد الوطني العام.
ذلك منزلق ينبغي أن تتنبه له السلطات جيداً، برأي السياسي المتابع لأزمة المعلمين مروان الفاعوري؛ لأن إخراج النقابة من الشرعية التامة، بصرف النظر عن التحصين القانوني واحترام قرارات القضاء، يعني تدشين مرحلة كانت تحذر منها السلطات، بعنوان الانتقال من الخطاب المعيشي في مسألة المعلمين إلى الخطاب العام والوطني، وهو منزلق حساس وفي توقيت حرج، بتقدير الفاعوري. لذلك، قال المعلمون في إفصاحاتهم ضمنياً بأن المساس وجودياً بشرعية نقابتهم يمنحهم الحق، في المقابل، في تدشين مرحلة طرح القضايا والملفات الكبيرة عبر عناوين من الصعب ضبطها، مثل نهب المال العام، والفساد، والإصلاح السياسي الشامل، والأردن المستهدف دولياً وإقليمياً.
انتبه النواصرة نفسه لهذه المفارقة عندما زار مكتب «القدس العربي» في عمان، وحذر من الترويج لإغلاق النقابة، أما حلها، وهي مؤسسة شرعية وقانونية ودستورية، فغير منصف وطنياً، فيما لا تحارب الحكومة الفساد وفقاً للأصول، مؤكداً أن الأشخاص في مجلس نقابة المعلمين ليسوا مهمين، والأهم دوماً وأبداً النقابة نفسها، مع أن النواصرة كان، مبكراً، يقول بأن كل ما يهم المعلمين قبل أي اعتبار آخر هو كرامتهم ومعيشتهم وعلاوتهم وتنفيذ الحكومة في المقابل للاتفاقيات الموقعة معها، وليس الإصلاح السياسي أو اتجاهات التيارات الحزبية أو غيرها.
مثل هذا الخطاب كان يمكن التفاهم معه محلياً، لكن عبر مجلس نقابة شرعية. أما الإصرار على إخراج المجلس من إطار الشرعية دون الدعوة لانتخابات جديدة تخفف حدة توتر المعلمين، فذلك يعني بأن الاأور تتجه إلى التصعيد على الأرجح، تحت عنوان القطاع العام عشية الربيع المقبل، ووسط ظروف اقتصادية صعبة وحادة يقابلها أو يوازيها تعقيدات فايروسية وصحية لا تحتمل العودة إلى اعتصامات الشارع.
وهنا تذكير مسيّس ضمنه رئيس الوزراء شخصياً الدكتور بشر الخصاونة عندما التقى قادة النقابات المهنية.. بأن انتخابات تلك النقابات ستجري في مرحلة الربيع قريباً بعد تعطيلها نحو عام بموجب أوامر دفاع، في الوقت الذي يريد به الخصاونة لفت نظر جميع الأطراف إلى أن حكومته ملتزمة بوضع هوامش واضحة تعزز استعمال قانون الدفاع فقط في المحيط الصحي والوبائي ودون مساس بالحريات النقابية وحريات الأفراد. وقال الخصاونة بوضوح أمام النقابيين، بأن حكومته معنيه بأن يكون سقف حرية التعبير والتنظيم في إطار المسؤولية، هو السماء.
لكن هذا التصريح يتم التقاطه وسط محاذير تتحدث عن سيناريو لإخراج نقابة المعلمين عن سكة الشرعية، وعن سيناريو آخر يؤكد -على حد تعبير نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، وكما فهمت «القدس العربي» أيضاً منه مباشرة- بأن الحريات النقابية والمهنية تتراجع بشكل ملحوظ. وهي تتراجع فعلاً تحت وطأة التدبير المضاد للتيار الإسلامي وبذريعته في بعض الأحيان، مقابل خمول شديد على جبهة تطور الحياة الحزبية الأردنية أيضاً، في الوقت الذي يؤكد فيه القطب البرلماني والقانوني صالح العرموطي بأن كل منظومة الحريات تترنح الآن بسبب أوامر الدفاع، مجدداً دعوته لوقف العمل بقانون الدفاع مادام مجلس النواب المنتخب قد بدأ ممارسة صلاحياته الدستورية.
المخاوف شديدة، في الحالة الداخلية الأردنية، من أن تتدحرج كرة التأزيم مجدداً على أكثر من صعيد، وفي ظل تفاعل الوضع الاقتصادي الصعب.
الخشية تتجدد أيضاً من أن تجد شرائح متعددة في المجتمع الأردني نفسها أمام لعبة الشارع مجدداً، خصوصاً عشية شهر رمضان المبارك المقبل، وتحت سقف التراجع الكبير في منظومة الحريات، وأيضاً في ملف الإصلاح السياسي.