عمان – «القدس العربي»: لماذا صحب رئيس الوزراء الأردني معه إلى بغداد، صباح أمس الخميس، وزراء الصحة والطاقة والزراعة في حكومته؟ يبدو سؤالاً دبلوماسياً بامتياز بعدما غادر، على نحو مفاجئ، الدكتور بشر الخصاونة إلى بغداد في زيارة ليوم واحد على رأس وفد وزاري رفيع المستوى، وضمن أجندة الرد على زيارة قام بها وفد عراقي مماثل قبل أشهر ترأسه مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق.
لا توجد أجندة ملحة لزيارة حشد من وزراء الأردن إلى بغداد، سياسياً على الأقل، لكن وجود الخصاونة في العاصمة العراقية أعقب بوضوح استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عمان ليلة واحدة مع وفد عريض أيضاً وفي زيارة أثارت الكثير من الجدل والتساؤلات. لم تعلن الحكومة الأردنية أن اللجان الوزارية العليا مع العراق بقيد الاجتماع في بغداد، لكن غادر الخصاونة برفقة 7 وزراء من حكومته، بينهم وزير الخارجية أيمن الصفدي، ووزيرة الصناعة والتجارة، ووزير الاتصالات الرقمية.
لكن يعتقد بأن وجود وزراء الصحة والزراعة تحديداً في الزيارة هو محاولة أردنية للتشبيك على أساس سعي الملك عبد الله الثاني الدؤوب للتعاون في مجالين: الغذاء والوباء، على مستوى الإقليم. شكل تركيبة الوفد الأردني يوحي بأن عمان تحاول تنشيط مشروعها القديم والخامل قليلاً برفقة مصر والعراق، فالخصاونة نفسه كان يبلغ على هامش نقاش بحضور «القدس العربي» بأن مصالح الأردن العليا تتطلب البقاء استراتيجياً في أقرب نقطة ممكنة من دولتين مهمتين هما العراق ومصر، الأمر الذي يبرر اللقاء مع السيسي ومحاولة الحفاظ على بقائه في أقرب مسافة ممكنة من سيناريو التنشيط التجاري الثلاثي، الذي عقدت اجتماعاته الأولى قبل أكثر من عام أصلاً.
استُقبل الخصاونة ووفده بحفاوة في بغداد، وجدول الزيارة يتضمن اجتماعات مع رئيس الجمهورية برهم صالح، والأهم مع رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي. وتلك إشارات تظهر أن الأردن يحتاط سياسياً حتى مع قوى البرلمان العراقي التي سبق أن أعاقت الكثير من الاتفاقيات التجارية والاستراتيجية الثنائية تحت وطأة النفوذ الإيراني، فعمان تصر على عدم تعيين سفير في طهران، والخصاونة يقول في مجالسات النواب والساسة بأن أساس التحرك الأردني يتمثل في إعادة إدماج العراقي العربي الرسمي.
يتحرك الوفد الوزاري الأردني إلى بغداد، وفي أذن عمان همسات وتقديرات لها علاقة بما يتسرب من واشنطن في عهد الرئيس الجديد جو بايدن، بعنوان عدم الاهتمام أصلاً بالمنطقة، والأولوية للاتفاق الإيراني. وهو رأي سانده الخبير الأردني الأبرز في الطاقم الأمريكي الجديد، الدكتور مروان المعشر، وهو يؤشر على أن الزاوية الوحيدة المهمة أمريكياً للمنطقة مرتبطة بالملفين الإسرائيلي والإيراني فقط. وهو تموقع قد يؤذي، لاحقاً، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي يحاول الأردن بالتعاون مع مصر، الحفاظ على دوره في عمق المعادلة وبالقرب من حالة التمحور العربية.
في الأفق نفسه رغبة في تجنب خيارات الربيع العراقي ومنع الانفلات في بغداد وبقية المدن على طريقة لبنان، حتى لا تولد موجات ربيعية جديدة يمكن أن تمتد إلى الأردن. وفي الأفق أيضاً محاولات تصليب جبهة السيسي في ظل تقدير هامس بأن الرئيس جو بايدن ليس معنياً به، وإن كان لن يخطط لاستهدافه، برأي المعشر وآخرين.
وعملياً، يمكن القول إن الدبلوماسية الأردنية تتحرك أصلاً في سياق سياسي أفقي يأخذ بالاعتبار احتمالات التشبيك التلقائي ما بين تردي الأوضاع الوبائية والصحية والاقتصادية، واحتمالات عودة أجواء الحراك الشعبي الربيعي، خصوصاً في الجوار الأردني حيث مصر والعراق ولبنان.
وقد يعني ذلك سياسياً أن عمان مهتمة بالتركيز على «تنسيق وبائي وصحي» بنفس القدر الذي تهتم فيه بالتنسيق التجاري والاقتصادي، مما يبرر وجود وزير الصحة الأردني الدكتور نذير عبيدات، خصوصاً أن معاناة الأردن مع «اللقاح» تتماثل إلى حد كبير مع معاناة مصر والعراق.
وتتحرك المؤسسة الأردنية في ظل مخاوف حقيقية من عودة احتمالات الحراكات الربيعية، التي ستصبح مربكة جداً في الجوار الإقليمي، تحديداً إذا ما دخلت على خطوط أزمة ما بعد التعافي المحتمل صحياً من الفيروس كورونا، وغياب التعافي التام على المسار الاقتصادي. وثمة قناعة في المؤسسة الأردنية اليوم بأن التعاون في مجالات الصحة والأمن الغذائي والزراعة والنقل وحتى الطاقة، مرحلة في غاية الأهمية لتقليص آثار الفايروس كورونا، ليس فقط تلك السلبية على الاقتصاد والتجارة، ولكن أيضاً تلك الآثار السلبية على المزاج الشعبي العام. باختصار، إرسال وفد وزاري عريض ورفيع أردني إلى بغداد لا يعبر فقط عن رغبة في تنشيط مشروع الاتفاقيات الثلاثية مع مصر بقدر ما يسعى إلى التأطير الثلاثي السياسي ومواجهة أزمة محتملة معيشياً، والاحتياط لتصدر موجات ربيعية، والأهم من كل ذلك بقاء الكاظمي والسيسي بمعية الأردن.