بانتظار بايدن.. هل تعلق إيران آخر آمالها لإنقاذ اقتصادها المنهار بـ”استئناف الاتفاق النووي”؟

حجم الخط
0

توجه الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخراً إلى مجلس الخبراء بطلب إعداد قوانين تمكن إيران من تلبية شروط قوة المهمة للعملية المالية “فاتف”، وهي هيئة دولية لمنع تبييض الأموال. يبدو أن روحاني يعتقد أن دخول بايدن البيت الأبيض يشير إلى بداية نهاية العقوبات التي فرضت على إيران، ومنع تأخيرات أخرى أو رفع عقبات من أمام الاستثمارات الأجنبية، ومن الأفضل أن تكون إيران مستعدة على الأقل في الجانب التشريعي الذي يحتاج إلى وقت طويل نسبياً.

الرسائل التي تأتي من الولايات المتحدة وإيران يمكن تفسيرها كاستعداد متبادل للبدء بمفاوضات من أجل العودة إلى الاتفاق النووي الذي وقع في 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة بعد ثلاث سنوات من ذلك. والأجواء المتفائلة في هذا السياق خلقها تعيين فندي شيرمان وروبرت مالي، وهما الشخصيتان الرئيسيتان اللتان رافقتا ووجهتا المفاوضات مع إيران في ولاية الرئيس السابق أوباما، في وظائف رفيعة المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية؛ وتصريحات بايدن في حملته الانتخابية؛ واستعداد إيران الصريح لإلغاء مطالبتها بتعويضات عن الفترة التي دخلت فيها العقوبات الأمريكية إلى حيز التنفيذ؛ والنشاط التشريعي لحسن روحاني.

ولكن هناك ثلاثة أنظمة من العقوبات مفروضة على إيران، ليست جميعها مرتبطة بالاتفاق النووي. مثلاً، العقوبات التي فرضت على البنك المركزي وحرس الثورة مرتبطة بتبييض الأموال وتقديم المساعدة للإرهاب. ومثلها أيضاً العقوبات التي فرضت بسبب المس بحقوق الإنسان. وحتى لو تم رفع العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق ترامب فستبقى العقوبات الأخرى التي يجب أن يتباحث الطرفان حولها بصورة منفصلة من أجل رفعها. وثمة مسألة أخرى تتعلق بوتيرة رفع العقوبات الأمريكية، لأن هذه تشكل وسيلة ضغط على إيران، وليس من الواضح إذا كان بايدن سيستجيب للشروط التي وضعتها إيران والتي يعد الرفع الفوري أمراً ضرورياً من أجل البدء في المفاوضات. وثمة مسألة منفصلة تتعلق بالجدول الزمني الإيراني، يتوقع أن تجرى في مركزه انتخابات للرئاسة، في حزيران القادم. هل سيوافق خامنئي على أن “يمنح” معالجة المفاوضات لروحاني، وبهذا يزيد من قوة الإصلاحيين، أم سينتظر حتى انتخاب الرئيس القادم على فرض أنه سيأتي من أوساط المحافظين؟ والبديل هو أن يقرر تسريع المفاوضات بسبب الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تغرق فيها إيران دون الاهتمام بنتائج الانتخابات.

يجدر في هذا السياق التذكير بأن المفاوضات التمهيدية قبل التفاوض على الاتفاق النووي جرت في فترة الرئيس محمود اأمدي نجاد، ولكن بداية المفاوضات الرسمية مع مجموعة الخمسة + واحد (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن زائد ألمانيا)، أجلها خامنئي حتى الانتخابات التي جرت في العام 2013 والتي فاز فيها حسن روحاني.

       اقتصاد إيران غير محصن ضد كورونا

يعطى وزن كبير لوباء كورونا داخل هذه الاعتبارات السياسية والاقتصادية  وباء يواصل الانتشار وإسقاط الضحايا. تتحدث البيانات الرسمية عن أكثر من 50 ألف حالة، وفاة وحوالي 1.25 مليون مصاب في إيران. نشر موقع المعارضة لمقاتلي “مجاهدي خلق” بأن هذه البيانات أعلى من ذلك بصورة كبيرة، وأن عدد الوفيات وصل إلى حوالي ربع مليون.

قدر الرئيس روحاني في الأسبوع الماضي بأن سيكون بالإمكان في حزيران البدء في تسويق التطعيمات من إنتاج إيران، التي تم إنتاجها -حسب قوله- بوتيرة 100 – 150 مليون جرعة في السنة. حتى ذلك الحين، ستعتمد إيران على تطعيمات مستوردة، من روسيا والصين. وهكذا، حسب توجيهات خامنئي، يجب عدم استيراد التطعيمات من أمريكا وبريطانيا لأنه “قد تحتوي على مواد هدفها إصابة كل الدولة بالعدوى”.

نسبة البطالة الرسمية في إيران هي 9.4 في المئة، والتي هي 2.4 مليون شخص. ولكن التقدير هو أن نسبة البطالة الحقيقية، لا سيما في أوساط الشباب، أعلى بضعفين على الأقل. والناتج المحلي الخام السنوي تقلص في 2019 – 2020 بـ 7 في المئة تقريباً، ورغم حدوث تحسن معين في الإنتاج وزيادة النجاعة في جباية الضرائب، إلا أنهمن المتوقع في العام 2021 أن يتقلص اقتصاد إيران بـ 3.7 في المئة إذا لم يتم رفع العقوبات. قفز التضخم السنوي أيضاً من 30.6 في المئة في نيسان إلى أكثر من 46 في المئة في تشرين الثاني الماضي. إن سحب الأموال من صندوق الطوارئ وبيع السندات لا يغطي النفقات الجارية للحكومة، وبالأحرى تمويل الاستيراد. مسار الخلاص الأساسي يكمن في القطاع الخاص والاستثمارات الدولية، لكنها قنوات غير متاحة بسبب نقص السيولة في إيران أو بسبب العقوبات. تبلغ إيران عن ارتفاع في الإنتاج، وبالأساس عن مبادرات فردية لمواطنين ومجموعات تقوم بفتح مصانع صغيرة في البيوت أو في مبان فارغة. ويجري انتقال سريع من الاستيراد إلى الإنتاج المحلي للسلع الاستهلاكية. مثلاً، إن من ينتجون مواد التجميل استبدلوا الاستيراد لسلع “لوريال”، مع ذلك، فإن هذه المبادرات التي تخلق في أفضل الحالات بضعة آلاف أماكن العمل، لا تستطيع أن تشكل قاعدة لاقتصاد الدولة.

       هل تتعزز العلاقات بين إيران والصين؟

كشفت “نيويورك تايمز” في حزيران 2020 تفاصيل “صفقة القرن” التي يتوقع توقيعها بين إيران والصين. يتوقع أن تصل الاستثمارات في الصين إلى 400 مليار دولار، التي ستوزع على مدى 25 سنة، ويتوقع أن تصل معظم الأموال إلى مشاريع النفط والغاز والمنتوجات البتروكيماوية، والباقي للاستثمار في البنى التحتية. ولكن الاتفاق يتضمن بنوداً تثير غضب عدد كبير من أعضاء البرلمان، الذين طالبوا بإعادة فحص الاتفاق.

ومن بين أمور أخرى، تم الاتفاق على خفض حوالي 12 في المئة من سعر النفط الذي تحصل عليه الصين، وتأجير جزر إيرانية للصين، وإعطاء تفضيلات للصين في المناقصات وتعاون أمني واسع. لكن نفي النظام لم يساعد في تهدئة أعضاء البرلمان والجمهور؛ ففي تشرين الثاني 2020 جرى نقاش في البرلمان الذي كان من شأنه أن يصادق على الاتفاق، لكن المصادقة لم تعط بعد. قلصت الصين في هذه الأثناء مشتريات النفط من إيران وبقي الاتفاق حتى الآن حلماً لا يفيد الصين في الوقت الحالي. كما يبدو، يمكن لإيران أن تتوقع على الأقل تغيراً في المناخ الاقتصادي عندما ستبدأ مناقشات فعلية حول استئناف المفاوضات. نائب وزير النفط في إيران، حسين زمانينيا، قال في مقابلة مع “بلومبرغ” بأن إيران يمكنها أن تعود وتنتج النفط بالمستوى الذي كان قبل العقوبات خلال شهر – شهرين منذ اللحظة التي سترفع فيها العقوبات. أي أن إيران يمكنها استخراج 4 ملايين برميل يومياً وأن تصدر حوالي 2.5 مليون برميل مقابل 300 ألف برميل تسوقها الآن.

وقال وزير النفط الإيراني، تيجان زانغنا، قبل أسبوع، بأن إيران صدرت كميات قياسية من المنتجات البتروكيماوية في فترة العقوبات. “انضم دونالد ترامب ومايك بومبيو إلى سلة قمامة التاريخ، في حين أننا نواصل العيش ونطور بلادنا”، قال.

ولكنه يعرف أن مشكلة إيران هي أن جزءاً من زبائنها انتقلوا إلى دول أخرى، وتواصل كورونا وفي هذه الأثناء تحديد الأسعار المنخفضة للنفط. حتى لو عاد إنتاج النفط إلى مستوياته السابقة فستضطر إيران إلى بيعه بأسعار منخفضة كي تعيد الزبائن وتغطي عجزها المتزايد.

على الرغم من أقوال نائب الوزير، إلا أن تقدير خبراء نفط في إيران يشير إلى وجوب مرور سنة على الأقل منذ لحظة رفع العقوبات كي تعود إيران إلى مستوى الإنتاج والتسويق مثلما في السابق. كل ذلك وغير معروف بعد متى وكيف ينوي بايدن البدء في حملته الإيرانية.

بقلمتسفي برئيل

هآرتس/ ذي ماركر 31/1/2021

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية