الشارع التونسي وصراع الرئاسات

حجم الخط
10

على خلفيّة من مظاهرات احتجاج واسعة على الظروف الاقتصادية في تونس أدت إلى مقتل متظاهر واعتقال المئات، اشتعلت أزمة سياسية جديدة في البلاد إثر إجراء رئيس الوزراء هشام المشيشي تعديلا حكوميا كبيرا شمل 11 وزيرا، أطاح فيه، عمليا، بوزراء مقربين من الرئيس قيس سعيّد، وهو ما رد عليه الرئيس بالامتناع عن استقبال الوزراء المعينين لأداء القسم أمامه، وبذلك وقعت تونس في أزمة دستورية تضاف إلى الأزمة الحاصلة في الشارع.
حصل، في هذه الأثناء، حدث غريب تمثل في إعلان ديوان الرئاسة تلقيه «بريدا خاصا موجها إلى رئيس الجمهورية» وأن مديرة الديوان، نادية عكاشة، حالما فتحته «تعكر وضعها الصحي وشعرت بحالة من الإغماء وفقدان شبه كلي لحاسة البصر فضلا عن صداع كبير في الرأس» وكتبت وسائل إعلام كثيرة عن «محاولة اغتيال» و«تسميم» واتصل زعماء للاطمئنان على صحة الرئيس، لينتهي الأمر بأن تؤكد النيابة العامة في تونس أن الظرف «لا يحتوي على مادة مشبوهة سامة أو مخدرة أو خطرة أو متفجرة»!
في اعتراضه على الوزراء الجدد المعينين، أشار الرئيس سعيّد إلى «وجود شبهات فساد» حول بعضهم، وإذا كان الأمر كذلك، وليس منازعة رئيس الجمهورية رئيس الحكومة على صلاحياته، فالأولى أن يقبل سعيّد، الذي تقتصر صلاحياته على شؤون الدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية، باستقبال الوزراء الذين لا يجد «شبهات فساد» حولهم، ويرفض الباقين.
إضافة إلى ذلك، فالرئيس قام سابقا باختيار رئيس للوزراء، هو الياس الفخفاخ، الذي حامت حوله أيضا «شبهات فساد» وقد أدت الضغوط السياسية المتعلقة بهذا الموضوع إلى استقالته، كما أن سعيّد هو الذي قام باختيار رئيس الوزراء الحالي، هشام المشيشي، متجاهلا مقترحات الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان.
تكشف هذه التفصيلات عن توجّه الرئيس قيس سعيّد لإدارة البلاد عبر تعيين رؤساء وزارة مقربين منه، والتدخل في صلاحيات رؤساء الحكومة المعينين في اختيار وزرائهم، وتجاهل الأحزاب التي يفترض أن يعطيها وزنها البرلماني الحق في تقرير من هو رئيس الحكومة، مما يحوّل البلاد إلى نظام رئاسيّ، ويضعف صلاحيات رؤساء الحكومة والبرلمان.
حركة «النهضة» التي تعتبر أكبر الأحزاب الممثلة في البرلمان، والتي أبدت مرونة كبيرة في التعامل مع الرئيس التونسي، عبر الموافقة المتكررة على اقتراحاته لمنصب رئيس الحكومة، (كما أعلنت عن تعاطفها معه بصدد «محاولة التسميم» وطالبت بالتحقيق في «العملية الإجرامية الدنيئة») وصلت على ما يبدو إلى أن الأمر لم يعد قابلا للتجاهل، فأعلن رئيسها راشد الغنوشي، الذي يرأس البرلمان أيضا، إلى ضرورة إقامة «نظام برلماني كامل» لتجاوز إشكالات «المزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني».
يتوقّف مستقبل تونس السياسي، إلى حد كبير، على حل الصراع الراهن بين الرئاسات، ولكنّه، من وجهة نظر الشارع، يبدو نوعا من النقاش حول «جنس الملائكة» لأن الناس يعانون أشد المعاناة، وقد صاروا أقرب للتمرّد على مجمل النظام السياسي الذي نسيت بعض شخصياته الرئيسية، على ما يظهر، أنهم نتاج ثورة شعبية حلمت بإسقاط الدكتاتورية وتحالفات الفساد والقمع، وبتغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وقد اضطرت مجددا للنزول للشوارع فيما يمتنع الرئيس عن استقبال الوزراء المعينين، وينشغل المعنيون بـ«الظرف المشبوه» في ظرف لم يعد فيه التونسيون قادرين على تحمّل سوء أوضاعهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    كيف للبرلمان قبول وزراء فاسدين؟
    ألا يوجد بتونس قضاء مستقل؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ماغون:

    حكومة الرئيس الذي انتخبه ثلاثة ملايين ناخب وقع طمسها من قبل من سقطت حطومتهم؛ حكومة الشاي التي لم تمر ؛ويريدون تمرير تحوير وزاري على مقاس من انتخبهم 20 ألف ناخب.

  3. يقول أحمد سالم:

    الديموقراطية حسب المفهوم الغربي هو حكم الأغلبية وبالتداول كل أربع او خمس سنوات. في العالم العربي صارت الديموقراطية وسيلة لاقصاء الأغلبية و وتنصيب الاستبداد ونشر الفساد. هذا ما حصل في مصر، والسودان واليمن والجزائر والعراق وليبيا ويحصل الان في تونس. مصلحة الشعب ومآسي العيش اليومية ومستقبل الأجيال القادمة ليست في قاموس الأحزاب السياسية التي صارت تتصارع على كرسي الحكم وبكل الوسائل المتاحة من اجل المصلحة الشخصية والاغتناء الفاحش وخدمة الحاشية.

  4. يقول إبسا الشيخ:

    تحياتي لقدسنا العزيزة علينا
    أرجوا من الإخوة في تونس الحفاظ على ثورة تونس، والحفاظ على تونس

  5. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم رأي القدس اليوم عنوانه (الشارع التونسي وصراع الرئاسات)
    يظهر أن شيطان الامارات ومعاونَيْه العملاء في مصر والسعودية واذنابه في برلمان تونس باتوا يقطفون ثمار دسائيهم في تونس ، وربما استمالوا الرئيس سعيّد إلى صفهم.
    الرئيس سعيد من المفروض أن يكون
    مع الدستور وهو في صف المشيشي الذي اختاره هو بنفسه وحتى بعيدا المداولات البرلمانية كما يفرض الدستور .
    اذا كان سعيد يرى أن نظاما رئاسيا اصلح لتونس فليبدأ بالطرق الدستورية للحصول على ذلك ، لا بطريقة فرض الرأي المخالف للدستور .
    حالة تونس الاقتصادية المتردية لا تحتمل مناقشات عقيمة تؤجج الفوضى وتخدم أعداءها في الداخل والخارج. وهذه المناوشات العقيمة ،التي لا لزوم لها في ظل تردي الأوضاع المعيشية التي تشبه ما قامت الثورة ضده قبل عشرة أعوام. وهي تصب في خدمة أركان الثورة المضادة الذين يتلقون الدعم من خارج تونس.
    (من وجهة نظر الشارع، يبدو نوعا من النقاش حول «جنس الملائكة» لأن الناس يعانون أشد المعاناة، وقد صاروا أقرب للتمرّد على مجمل النظام السياسي
    الذي نسيت بعض شخصياته الرئيسية، على ما يظهر، أنهم نتاج ثورة شعبية حلمت بإسقاط الدكتاتورية وتحالفات الفساد والقمع، وبتغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية)

  6. يقول تعليق:

    الشارع التونسي؟ صراحة لا أحب هذه التسمية فهل سمعتم مرة بالشارع الكندي أو الشارع الأسترالي أو الشارع الياباني؟لماذا يقع تسمية مواطني الدول العربية فقط بهذه التسمية !؟ هل يعني ذلك أننا أبناء شارع!؟

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      الشارع التونسي أو العراقي أو المصري أو المغربي معناه الرأي الشعبي, أو رأي الجماهير!
      فقد يكون هناك فرق بين الراي الشعبي وبين الرأي البرلماني (القادم من الشعب)!!
      المظاهرات تمثل رأي الجماهير أو الأحزاب وغيرهم!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  7. يقول سامح //الأردن:

    (تونس) الخضراء للأسف ما زالت في مرحلة
    المخاض وكل التوفيق والنجاح لها بغد مشرق مزدهر إن شاء الله.

  8. يقول ابن اكسال:

    على الرئيس سعيد ان يفعل مثل الراحل الباجي قائد السبسي ……يبعث حزب و يخوض الانتخابات التشريعية

  9. يقول المغربي:

    جذور المشكل ،
    المغرب العربي قوته ّ” إن اصع التعبير خرصنة قوية مكونة من الحضارة العربية الاندلسية و الحضارة البريرية و الاسمنت الذي يجمهعما هو الاسلام ” لكن للاسف منذ نشأة النزاع المصطنع 1975 بين المغرب و جارته الحزائر فيما يخص وحدة التراب الوطني المغربي ، استمرت شبه حرب باردة بين حكام الجزائر و حكام المغرب الى يومنا هذا ، النزاع ذهب ضحيته اجيال من شعوب المغرب العربي . سقطت ليبيا امام اعين حكام المغرب العربي و حاولوا زرع الفوضي في المغرب ، و ما زالوا يحاولون سرقة الثورة التونسية ، و. سياسة حكام الجزائريين الخاطئة في حق الشعب الجزائري معتمدين على شراء المواد الغذائية الاساسية بدون ان يكون هناك مخطط فلاحي على المدى الطويل لانتاجها
    كل هذا لاقول الحل يرجع لإعادة تظافر الجهود ببن حكام المغرب العربي لإنعاش الاقتصاد على اساس الجزائر عندها البترول و بعض المواد المصنعة، ليبيا كذلك المغرب و تونس لهما الخبرة في ميدان الفلاخة و لهما الفسفاط..و السياحة بثمن رمزي و يوجد ما يجمعهم ‘(اكثر ما يفرقهم) في مشارع عديدة .و مختلفة ..

إشترك في قائمتنا البريدية