التعديل الوزاري في تونس.. مأزق دستوري مرشح للتفاقم

حجم الخط
0

تونس- يسرى ونّاس: على غير العادة، لم تكن مسألة التعديل الوزاري في تونس هذه المرة هينة، فقد رافقتها وتلتها تجاذبات عديدة ما تزال مستمرة، وتنذر باحتمال حل البرلمان وإسقاط حكومة هشام المشيشي.

الإشكال بدأ مع تصريح رئيس البلاد قيس سعيد، بأنه “لم يكن على علم بهذا التعديل”، ووصل إلى حد تحفظه على وزراء جدد، وحديث عن أن بعضهم تشوبه شبهات “تضارب مصالح”.

لكن فيما بعد تمت الأمور بشكل اعتيادي، فقد طُبق القانون ومر الوزراء الـ11 الجدد على جلسة برلمانية عامة منحتهم الثقة بالأغلبية المطلقة، قبل أكثر من أسبوع.

إلا أنهم لم يباشروا مهامهم بعد، فقد كان مفترضا أن تتم دعوتهم لأداء اليمين الدستورية أمام الرئيس، ليباشروا مهامهم في أقرب وقت، لا سيما وأن تونس تعيش أزمة اقتصادية وصحية (جائحة كورونا).

مأزق دستوري

وفق صلاح الدين الجورشي، وهو محلل سياسي، فإن “البلاد تعيش الآن مأزقا دستوريا؛ بسبب التجاذبات الحادة بين رأسي السلطة التنفيذية ورئيس مجلس النواب”.

وأضاف الجورشي أن “هذه الأزمة مرشحة لمزيد من التفاقم نتيجة غياب الثقة بين هذه الأطراف وعدم استعدادها لتوفير الحد الأدنى من الانضباط”.

وحذر من أن “ذلك سيؤثر على الاستقرار السياسي والحكومي، ومن شأنه أيضا أن يوفر فرصا لأطراف داخلية وخارجية لتوجيه الرأي العام وللضغط على أصحاب القرار”.

ويُنظر إلى تونس على أنها الدولة الوحيدة التي نجحت في إنجاز انتقال ديمقراطي من بين دول عربية شهدت ما تُسمى بـ”ثورات الربيع العربي”، التي انطلقت من تونس عام 2011.

ومضى قائلا إن “رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد، دعوة الوزراء لتأدية القسم، يعد سابقة في تاريخ النظام السياسي التونسي”.

وأردف: “يُنتظر أن يلجأ المشيشي لاستقبال الوزراء (الجدد) وأداء اليمين أمامه، وهو ما سيعمق المسافة بينه وبين رئيس الجمهورية، ويدفع الأخير إلى ردود فعل حادة”.

أزمة متصاعدة

اعتبر الجورشي أن “دخول راشد الغنوشي، بصفته رئيس البرلمان، ورئيس حركة النّهضة، قد يعمق الأزمة ويدفع سعيد إلى مزيد من الإصرار على موقفه، وقد تتعطل المؤسسات، وقد يذهب سعيد إلى التفكير بحل البرلمان”.

والسبت، قال الغنوشي، خلال ندوة افتراضية، إن “رئيس الدولة يمتنع عن قبول أداء القسم للوزراء الجدد، وبالتالي هو رافض للتعديل الوزاري”.

وتابع الغنوشي أن “الإشكالية في تونس اليوم هي المزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني، ونحن نفترض في نظام برلماني دور رئيس الدولة رمزي وليس إنشائي”.

ورأى الجورشي أنه “ليس من مصلحة تونس أن تدخل في عملية إسقاط الحكومة وخلق مناخ برلماني غير مناسب، لاسيما في وضع (اقتصادي) صعب دفع بالشباب للنزول إلى الشوارع (احتجاجا)”.

وزاد بأن “الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية) قد يلجأ للقيام بمساعٍ لمنع انهيار الدولة وسقوطها في الفوضى، خاصة وأن هناك من يسعى إلى تصعيد عملياته لتعطيل البرلمان، وهو تقوم به رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى”.

ومرارا، أعلنت موسى أنها تناهض الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي (1987 – 2011). ويتهمها تونسيون بتلقي دعما من دول عربية لا ترغب بنجاح التحول الديمقراطي في تونس، وهو ما تنفيه عادة.

اليمين.. شرط جوهري

اعتبرت منى كريم، وهي أستاذة القانون الدستوري بالجامعة التونسية، أن “ما يحصل اليوم غير معقول، وصلنا لنزاعات بين السلطة على حساب استمرارية السير العادي لدواليب الدّولة وللمرفق العمومي (مؤسسات الدولة)”.

وتابعت أن “اليمين الدستورية شرط جوهري لتولي الوزراء مهاهم.. ولا يُعقل أن يتأخر الرئيس إلى غاية اللحظة في دعوة الوزراء الجدد لتأدية القسم”.

وزادت بأن “العرف اقتضى أن يتم في كل تعديل وزاري دعوة الوزراء الجدد لتأدية القسم، وأن عدم القيام بذلك غير ممكن دستوريا ولا سياسيا”.

وحذرت من أن “تكون تونس اليوم على أبواب أزمة.. رئيس الجمهورية كان يعتبر أن أداء اليمين شرطا جوهريا لتولي كل وزير مهامه ومنصبه، لكنه اليوم يبدي رأيا مخالفا”.

ورأت أن “حل هذا الإشكال لا يمكن أن يحدث إلا بوساطة سياسية، فتونس في غنى اليوم عن مثل هذه الأزمات، خاصة مع ما تعيشه من وضع صعب على مختلف الأصعدة يقتضي ترك الخلافات السياسية جانبا، والانكباب على التفكير في مصلحة البلاد”.

مهام معلّقة

الرئيس سعيد لم يصرّح نصا بأنه يرفض أداء الوزراء الجدد القسم الدستورية، لكنه لم يوجه إليهم الدعوة لأدائها.

وينص الدستور التونسي في فصله الـ89، على أنه في حال نيل أي حكومة الثقة من البرلمان، فإنها تُعرض على رئيس الجمهورية ليدعوها لتأدية اليمين الدستورية أمامه في قصر الرئاسة.

لكن الدستور يتحدث فقط عن الحكومات الجديدة، ولا يوجد نص واضح بشأن التعديلات الوزارية، وهو ما جعل البعض يذهب إلى أنه بإمكان الوزراء الجدد مباشرة مهامهم فورا من دون أداء اليمين.

نوفل سعيد، وهو شقيق الرئيس التونسي، وأستاذ قانون دستوري، كتب عبر صفحته في “فيسبوك”، أنه “طالما أن الاتفاق حاصل بأنّ الفصل 89 من الدستور لا ينطبق على التحويرات الوزارية، فإنّ مبدأ فورية التسمية وأداء اليمين (الفقرة 5 من الفصل 89) لا ينطبقان بدورهما”.

وتابع: “بما معناه أنه لن تكون هناك مخالفة للدستور لو تأخرت التسمية وتأخر أداء اليمين بعض الوقت، بما يسمح في الأثناء بتجاوز الإشكالات السياسية القائمة.. فمؤسسات الدولة قائمة والإدارة تعمل بانتظام”.

مسألة وقت

المشيشي من جهته قال إن “أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية (أمام الرئيس سعيد) مسألة وقت.. ووضع تونس لا يحتمل التأخير”.

وأوضح أن “هناك صلاحيات دستورية واضحة ومسار دستوري واضح”، في إشارة إلى أنه لا بد من تمكين الوزراء الجدد من أداء اليمين أمام الرئيس.

وشدد على ضرورة التركيز على ما يهم التونسيين، لأن الوضع الاقتصادي والصحي صعب، وتونس لن تبقى بوزارات وزراؤها لم يباشروا مهامهم.

وخلال لقائه مع وزرائه الجدد، دعاهم المشيشي إلى تجنب الخلافات السياسية، والتركيز على تنفيذ الإصلاحات، مشددا على أن الحكومة ليست معنية بأي خلاف مع أي طرف كان .

شبهات فساد

منذ أن أعلن المشيشي عن التعديل الوزاري سارع البعض، وبينهم منظمة “أنا يقظ” الرقابية (أهلية)، إلى كشف وثائق تخص وزراء جدد.

ودعت المنظمة إلى تجنب ما وصفته بالتعيينات المشبوهة، خاصة في أعلى هرم السلطة، وعدم التلاعب بمؤسسات الدولة جراء حسابات حزبية لا تراعي المصلحة العليا في ظرف دقيق تعيشه البلاد.

فيما اعتبر الرئيس سعيد، خلال اجتماع أمني، أن التعديل الوزاري الأخير “لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور”.

وأضاف أن “بعض المقترحين في التعديل الوزاري تتعلق بهم قضايا أو لهم ملفات تضارب مصالح”.

والمشيشي كان وزيرا للداخلية بحكومة إلياس الفخفاخ السابقة، واختاره سعيد في يوليو/ تموز 2020، لتشكيل حكومة جديدة، غير مبال بمقترحات قدمتها الأحزاب السياسية آنذاك لمنصب رئاسة الحكومة.

لكن بدأت بوادر خلاف بين سعيد والمشيشي، وفق وسائل إعلام محلية، بعد تولي الأخير رئاسة الحكومة.

وتفاقم الخلاف أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، مع تلميح المشيشي إلى إجراء تعيينات لمستشارين منتمين للنظام السابق (زين العابدين بن علي)، وهو ما قوبل برفض شديد من سعيد.

(الأناضول)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية