“الطرد المشبوه” بتونس.. تأييد وتشكيك بانتظار تحقيق

حجم الخط
2

تونس: تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم 25 يناير/كانون ثانٍ الماضي، خبر تلقي الرّئيس التّونسي، قيس سعيّد، “ظرفاً(طردا) مسموماً”.
وتابع الكثيرون الخبر، بحثا عن الحقيقة، في الوقت الذي واصلت فيه الرئاسة التونسية الصّمت، من دون تأكيد الخبر أو نفيه.
بعد ثلاثة أيام، نُشر بيانٌ على الّصفحة الرّسمية للرئاسة في “فيسبوك” جاء فيه أن الوزيرة مديرة الدّيوان الرئاسي، نادية عكاشة، فتحت الظرف الذي كان خالياً ولا يحمل اسماً، قبل أن “يتعكر” وضعها الصحي، وتشعر بإغماء وفقدانٍ شبه كليٍ لحاسة البصر، ليتم نقلها إلى المستشفى العسكري وسط العاصمة تونس.

الرئاسة التونسية قالت إنها “تستغرب مطاردة من تولى تناقل خبر محاولة التسميم هذه، عوض البحث عمن قام بهذه المحاولة البائسة”

وأضافت أن “أحد الموظفين بكتابة رئاسة الديوان كان موجودًا عند وقوع الحادثة وشعر بنفس الأعراض ولكن بدرجة أقل.. وقد تم وضع الظرف في آلة تمزيق الأوراق قبل أن يتقرر توجيهه إلى مصالح وزارة الداخلية”.
ومعلقة على الحادثة، قالت الرئاسة التونسية إن “رئيس الجمهورية بصحة جيدة ولم يصبه أي مكروه”.
وشددت على “ضمان الحريات التي كرسها الدستور، ومنها حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر”.
وتابعت أنها “تستغرب في المقابل مطاردة من تولى تناقل خبر محاولة التسميم هذه، عوض البحث عمن قام بهذه المحاولة البائسة”.
**جريمة ومخابرات أجنبية
“حركة الشعب” (14 نائبًا من 217) كانت أول الأحزاب التي تفاعلت مع الخبر، حيث رجّحت، على لسان البرلماني كمال الحبيب فراج‎، إمكانية “توّرط المخابرات الأجنبية، خاصة جهاز الموساد (الإسرائيلي) في العملية”.
وتابع فراج، عبر تصريح صحافي في يوم صدور البيان الرئاسي، أن “منظمات صهيونية هاجمت الرئيس (سعيد) منذ تصريحه بأن التطبيع مع الكيان (إسرائيل) خيانة عظمى، وأيضا عملهم على عزله خارجيًا منذ توّليه الحكم (في 23 أكتوبر/ تشرين أول 2019)”.
بعدها، تبنى النائبان عن الحزب نفسه، زهير المغزاوي وهيكل المكي، تلك القراءة، ودافعا عن رواية الرئاسة بشأن “الظرف المشبوه”.
ووصفت حركة “مشروع تونس”، في بيان، الحادثة بـ”الجريمة التي ترتقي، حسب المعطيات التي نشرتها الرئاسة، للعمل الإرهابي”.
ووجهت الحركة “طلبا بفتح تحقيق سريع وواضح تُعرض نتائجه للرأي العام، ليكشف الغموض ويُحدد مرتكبي هذه الفعلة”.
ومن دون أن ينفي صحة البيان الرئاسي، قال المدير السابق للديوان الرئاسي، عدنان منصر، في تصريح صحافي، إنه “من غير الممكن أن يصل أي طرد بريدي لمقر رئاسة الجمهورية دون المرور بالأجهزة الأمنية للفحص (…) والحالة الوحيدة أن يحدث الأمر هو وجود ثغرة أمنية”.
فيما قالت حركة “النّهضة” (54 نائبا)، في بيان، إنها تطالب بإجراء تحقيق بشأن هذا الظرف، معربة عن “تضامنها الكامل” مع الرّئيس سعيد.
** تمثيلية وفضيحة كبرى
خلافا للمواقف المؤيدة للرواية الرئاسية، جاء موقف حزب “قلب تونس” (ليبرالي- 30 نائبا)، إذ قال القيادي بالحزب، عياض اللومي، في تصريح صحفي، إن “الرئاسة تنتظرها فضيحة كبرى بسبب صناعة رواية الطرد المشبوه غير الحقيقية.. إنها بحقٍ مهزلة وفضيحة”.
كما شكك الرّئيس التّونسي السّابق، منصف المرزوقي (2011: 2014)، في صحة الحادثة، بقوله في لقاء متلفز إن “الأمر تمثيلية مثيرة للضحك، أنا أستاذٌ في الطّب، ولم أسمع بحياتي أن شخصا فتح طردا يحتوي على مادة مشبوهة فقد بصره وأغمي عليه إثر ذلك”.
وتابع: “يمكن وصف ما حصل بالعبث.. والرواية، إن لم يتم تصويبها، هي مجرد تمثيلية يجب أن تنتهي”.
وبينما تتباين المواقف في تونس بين مؤيد ومشكك، أعلنت النيابة العامة، في بيان الجمعة، أن “الظرف المشبوه”، الذي وصل الرئاسة، “لا يحتوي على مادة مشبوهة سامة أو مخدرة أو خطرة أو متفجرة”.
وحتى الآن، لم يصدر توضيح رسمي بشأن الاختلاف في روايتي الرّئاسة والنّيابة، مع مطالبات مستمرة بإجراء تحقيق للكشف عن الحقيقة.
** فجوة بين الرّئاسات الثّلاث
وفق عبد اللطيف الحناشي، خبير سياسي، في حديث للأناضول، فإن “الأمر غير واضح وتنقصه الشفافية.. وصول طرد أو ظرف إلى مؤسسة رئاسية الجمهورية يجب منطقيا أن يمر بأجهزة أمنية ورقابية كما يجري به العمل عادة”.
وأضاف أن “هذا الظرف المجهول أو المشبوه، الذي لا يحمل اسمًا، من غير المتوقع أن تكون رئيسة الدّيوان (الرئاسي) أو غيرها في الدّيوان هم أول من يلمسونه، إلا إن حدث تسريب ووُجد مندس، خاصة وأن الأطراف المعنية فندت وجود أشخاص غرباء يمكن أن يدسوا الظّرف”.
وعلق الحناشي على التضارب بين روايتي الرئاسة والنيابة بقوله إن “المسألة غامضة، وكل العالم تابع الأمر ليصل البعض إلى وصفه بالفضيحة للدولة التّونسية، التي يجب أن توضح ما حصل وتخرج للعلن بالرّواية الصّحيحة”.
واعتبر أن ما يحصل هو “أحد التداعيات لتعميق الفجوة بين الرّئاسات الثّلاث (سعيّد/الرئاسة- هشام المشيشي/ رئاسة الحكومة- راشد الغنوشي/ رئاسة البرلمان)، الأمر الذي يدفع المواطنين إلى النفور من المشاركة السّياسية والنّظر بسلبية للنخبة السّياسية”.
وبشأن التّحركات في الساحة السياسية التونسية، خلال الأيام الماضية، والتي طالب فيها محتجون بحل البرلمان، نفى الحناشي أن يكون لها علاقة بقضية “الظرف المشبوه”.
وقال إن “حلّ البرلمان يبقى مسألة دستورية سياسية بامتياز في مرحلة انتقال ديمقراطي يجب فيها على السياسيين أن يتعالوا عن البحث عن مصالحهم الخاصة”.
واستطرد: “في هذه المرحلة على السّياسيين أن يكونوا أكثر ولاءً للوطن، فالخلافات السّياسية لا يمكن أن يعالجها الشّارع (المطالبات بحلّ البرلمان)، على المعارضة أن تقوم بدورها، وأن تتظاهر وتحتج أمام مقر البرلمان، لتحصيل مسائل جوهرية كتشكيل المحكمة الدّستورية”.
ورأى أن “الإشكال وراء ما يحصل هو رفض رئيس الجمهورية القبول بعدد من الوزراء المقترحين من رئيس الحكومة، والنّخبة السّياسية تعطل مسار دولة وشعب بأنانيةٍ كبيرة، بينما هؤلاء الأشخاص يجب أن يكونوا وطنيين في وقت حساس تمر به البلاد في مجالات اجتماعية واقتصادية وصحية تستوجب البحث عن حلول عاجلة”.
وقبل أكثر من أسبوع، نال 11 وزيرا جديدا ثقة البرلمان، لكن سعيد لم يدعوهم حتى الآن لأداء اليمين الدستورية أمامه، وسبق وأن أعلن أنه “لم يكن على علم بالتعديل الوزاري”، وأن بعض المقترحين فيه “تتعلق بهم قضايا أو لهم ملفات تضارب مصالح”.

الأناضول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبداللطيف:

    هذا الرئيس يذكرنا بالرؤساء العرب في بدايات الإستقلال حيث صنع لنفسة زعامة اعلامية ومواقف صوتية واثارة للفوضى كي يجلب الإنتباه ويسحب البساطمن تحت كل من يشاركه النجومية.وهو في الحقيقة لايملك من القيادة والزعامة الا صوت حسن وكلمات عربية سليمة.فالدولة تتخبط في عهده من كافة الجوانب…الأمنية والدستورية والصحية والإجتماعية…..

  2. يقول بن سالم.ف:

    لحظة الدور الثاني لإنتخاب الرئيس، خيّر قطاع معتبر من التونسيين التصويت للمجهول درأ لفوز المافيا فكان إختيار الضرورة؛ تبين بعد حين أنه خيار المضرة حيث لمسوا رغبة رئيسهم المفرطة في المجد وحبه للتسلط وكبرياءه و طموحه غير المتناسب و طغيان جنون العظمة على وجدانه وفقدانه للتناسق الفكري بما يسمح بالتقدير الصحيح للواقع فضلا عن عدم إمتلاكه لأي برنامج قابل للتطبيق فلم يغنموا منه إلا شتاتا متهافتا من كليشيهات “الديمقراطية الجماهرية ” و”المجالس الشعبية” والسلطة الأفقية” وكل ما يحيل إلى نظرية المقبور الثالثة وكتابه الأخضر.
    تفطن الإنتهازيون من قوماجيين ويسراويين لهذا لوهن “نرسيس” فتحلقوا حوله يذودون عن حماه و يزينون له سوء عمله طمعا في تسلق المناصب وإن تعذر، فتعفين الأزمة لقلب الطاولة على الجميع، لعل الفوضى الخلاقة تطيح بعدوهم اللدود، لينقلبوا في غبارها الى السلطة بعد أن عزت عليهم من خلال صناديق الإقتراع.

إشترك في قائمتنا البريدية