الدوحة ـ»القدس العربي»: يكشف رضا مومني، مؤرخ فنون وآثار في حوار حصري مع «القدس العربي» عن الجهود التي تبذلها مؤسسات دولية لإعادة إحياء آثار تدمر السورية التي دمرها تنظيم «الدولة» ويكشف عن الإنجازات التي تحققت لصون هذا التراث الإنساني العالمي.
ويتحدث مومني الذي يحمل درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس، والزميل السابق في الأكاديمية الفرنسية في روما، وشغل العديد من المناصب الوظيفية من بينها أمين واستشاري لدى العديد من المؤسسات الثقافية المرموقة، يتحدث من منطلق خبرته في المجال عن أهمية الجهود المبذولة للحفاظ على آثار تدمر. ويتعاون رضا حالياً عن كثب مع «جيتي» في معرض «العودة إلى تدمر».
*هلا حدثتنا عن هذا المعرض؟
**يُعد معرض «العودة إلى تدمر» أول معرض إلكتروني يطلقه معهد بحوث «جيتي» باللغة العربية. ويتكون المعرض من ثلاثة أجزاء رئيسية تحتفي جميعها بإرث هذه المدينة العربية التي تُعد واحدة من أقدم المدن في تاريخ البشرية.
يتمثل الجزء الأول في شكل صور التقطتها عدسة المصور لويس فيغنس في عام 1864 ورسومات للمهندس المعماري لويس فرانسوا كأساس في القرن الثامن عشر. وتصطحب هذه الصور والرسومات النادرة الزائرَ في رحلة إلى الزمن الغابر يعيش خلالها بين معالم المدينة القديمة ويشتم عبقها التاريخي.
أما الجزء الثاني من المعرض فهو عبارة عن لقاء حصري مع وليد خالد الأسعد، مدير آثار ومتاحف تدمر السابق، وهو نجل خالد الأسعد الذي دفع حياته ثمناً للذود عن المدينة في وجه تنظيم الدولة «داعش» وسمي بـ»شهيد تدمر». في هذا اللقاء المطوَّل، يتحدث خالد باستفاضة عن طفولته وعمله طيلة حياته بين الآثار التاريخية وطموحاته للمدينة في المستقبل، مانحاً القارئ نظرة عميقة مليئة بالمشاعر والأحاسيس الإنسانية عن هذه المدينة التاريخية.
والجزء الأخير من المعرض يتمثل في مقال للباحثة جوان أروز وهي الأمينة الفخرية المسؤولة عن قسم فنون الشرق الأدنى في متحف متروبوليتان للفنون ولها ارتباط أكاديمي قوي بمنطقة الشرق الأوسط. وفي هذه المقالة التفصيلية، تروي الباحثة فصول مدينة تدمر عبر التاريخ وتفاعلاتها مع الحضارات المختلفة وما شهدته من صراعات وما أسهمت به في خدمة الإنسانية.
وتشكل أجزاء المعرض الثلاثة الرسومات والصور، والمقال، والمقابلة مصدراً غنياً بالمعلومات عن مدينة تدمر باللغة العربية يسهم في زيادة الوعي بثقافة الشرق الأوسط القديم وتعزيز المحتوى المعرفيّ العربيّ لإثراء العقول العربية الشابة في جميع أنحاء العالم.
*ما الهدف من هذا المعرض وما الذي يمكن أن يساهم فيه؟
**يهدف المعرض إلى زيادة الوعي بدور المدينة التاريخي وما قدمته للإنسانية وتأثيرها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الذي أسهم في رسم ملامح عالمنا اليوم. كما يهدف إلى بث رسالة أمل مفادها أن المدينة سيُعاد بناؤها يوماً ما على يد أبنائها إيذاناً بـالعودة إليها. ويحمل إطلاق المعرض باللغة العربية أهمية بالغة في نشر ثقافة الشرق الأوسط القديم وإتاحة المزيد من المصادر الثقافية والتاريخية باللغة العربية لإثراء المخزون المعرفي للشباب العربي.
*لماذا اختار جيتي تدمر لتكون موضوعاً لمعرضه؟
**لقد اخترنا تدمر لكي نلفت انتباه العالم للوضع الهش الذي تعيشه هذه المدينة التي احتلها «تنظيم الدولة» مرتين في عامي 2015 و2017، ودمّر العديد من كنوزها التاريخية مثل معبد بل وقوس النصر بعد أن كانت مجتمعاً ينعم بالازدهار يوماً ما. لقد أردنا تسليط الضوء على آمال أبناء المدينة الذين يعيشون في الشتات بالعودة إليها وإعادة بنائها. فنحن ندرك أهمية مدينة تدمر لسوريا والعالم العربي والإنسانية بشكل عام.
*هل تعاون جيتي مع باحثين عرب أو من المنطقة خلال تحضيره لإطلاق المعرض؟
**إن فهم ثقافة لا تنتمي لها يمثل تحدياً كبيراً. لذا، سعى جيتي في المقام الأول إلى تقديم نظرة شرقية وأصيلة خلال المعرض بالتعاون مع أبناء المنطقة، فهم أكثر فهماً بطبيعة المنطقة وثقافتها وتاريخها. ومثل هذا التعاون يسمح لجيتي بتوسيع نطاق ما يقدمه وتحدي جمهوره للتفكير بشكل مختلف.
ومن هذا المنطلق، كان التعاون مع وليد الأسعد، الذي تربطه صلات قوية بتدمر وسوريا والمنطقة. واستطعنا من خلال لقائه، الذي يشكل جزءًا رئيسياً من المعرض، تقديم وجهة نظر أصيلة ومحلية عن مدينة تدمر، باعتباره أحد أبنائها الذي نشأ وترعرع فيها. كما يضفي اللقاء طابعاً إنسانياً على مدينة تدمر ويمكّن المشاركين من فهمها وفهم تراثها الذي لا يقتصر على أحجار معالمها العظيمة. كذلك استعنا بباحثين واستشاريين من المنطقة قادوا عملية ترجمة الموقع العربي للمعرض وتصميمه، مُقدمين تجربة قراءة وعرض رائعة.
للإشارة فإن مؤسسة «جيتي» الرائدة في مجال الفنون والثقافة على مستوى العالم، أعلنت إطلاق أول معارضها الإلكترونية باللغة العربية تحت عنوان «العودة إلى تدمر» .
ويدعو المعرض، الذي يُتاح باللغة الإنكليزية أيضاً، الجمهور لإعادة اكتشاف التاريخ الأثري لمدينة تدمر السورية، من خلال الرابط: «Getty.edu/palmyra».
هذا وكانت مؤسسات قطرية شاركت سابقاً في جهود حماية التراث السوري، ونظمت الدوحة من خلال متحف الفن الإسلامي في قطر، معرضاً حول سوريا وتأثير الحرب على الأماكن الأثرية منها مدينة تدمر.