9 كانون الأول/ ديسمبر يصادف اليوم الدولي لمكافحة الفساد، ونداء الأمم المتحدة لصناع القرار حول العالم لهذا العام هو «حطموا سلسلة الفساد»، نحن نشاركهم في هذا النداء المهم ونوجهه خاصة إلى الحكومات العربية.
91٪ من الدول العربية فشلت في تخطى درجة 50٪ على مؤشر مدركات الفساد، الذي يقيس مستوى الفساد المـــــدرك في القطاع العام، والذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية الأسبوع الماضي. ثلاث دول عربية (العراق والسودان والصومال) جاء ترتيبها بين العشر دول الأخيرة في المؤشر، محرزة درجات 18٪، 11٪ و8٪ على التوالي.
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة…
الدولة البوليسية والفردانية
والمستبدة تحتكر القوة والمال العام والقرار
قامت النخب الحاكمة، طوال عقود طويلة، باختطاف الدولة من خلال إحكام السيطرة على التشريع والقضاء وهيئات الرقابة والأحزاب والمجتمع المدني والإعلام، واستحوذت على الدولة بمؤسساتها ومقدراتها، وغيبت إرادة الشعوب العربية، من خلال تزوير الانتخابات وتقويض مبدئي التداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات، وأبقت الإدارة العامة ضعيفة، كما أبقت إدارة الأموال العامة خارج نطاق المساءلة، من خلال غياب الشفافية في إجراءات الشراء والعقود وصفقات السلاح ونفقات المؤسسة الأمنية والرئاسية، وفي إشغال الوظائف العمومية، كما أبقت أجهزة إنفاذ القانون تحت سيطرتها وتحكمت فيها وأبقتها ضعيفة وغير فعالة.
استأثرت النخب الحاكمة بموارد ومقدرات شعوبها ونهبتها لخدمة مصالحها الخاصة، من خلال شبكة ضيقة من كبار المسؤولين والمقربين ورجال الأعمال، حيث منحتهم عقود الاستثمار والامتياز والاحتكارات. وقد قدرت الثروات المنهوبة من قبل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بـ70 مليار دولار. وسيطر الرئيس التونسي السابق بن علي وجماعته على 21٪ من النشاط الاقتصادي في تونس. وفي سوريا يجرى تحريك الأموال من خلال سلسلة من الشركات، كشركات شل لإخفاء مصدر الأموال الفاسدة وأصحابها الحقيقيين، وتفيد التقارير بأن «داعش» يحقق أرباحا تتعدى 3 ملايين دولار يوميا، من خلال تهريب النفط والتجارة بالبشر. وفي ليبيا تم نهب الصندوق السيادي ثاني أكبر صندوق سيادي في افريقيا. وفي العراق تم تهريب 1 مليار دولار خصصت لإعادة الاعمار إلى لبنان، وبلغت قيمة الأموال المهربة خارج العراق من خلال عمليات غسيل الأموال 40 مليار دولار سنويا، حسب ديوان المحاسبة العراقي.
تنمية بشرية مرتفعة ولكن بلا مردود
على الشعوب العربية بسبب الفساد
رغم أن أكثر من 70٪ من الدول العربية، صنفت ضمن الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة والمتوسطة على مؤشر التنمية البشرية لعام 2013، الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة، الا أن المنطقة العربية تشهد معدلات مرتفعة من الفقر (وصل عدد الذين يعيشون على 2 دولار يوميا الى 34.6 مليون عربي) والبطالة (25٪) وتدنيا في دخل الفرد وفي خدمات الصحة والتعليم. وتشير إحصائيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن المنطقة بحاجة الى توفير 51 مليون فرصة عمل بحلول 2020. ما يعني أن اســــتمرار استشراء الفساد سوف يقذف ملايين المواطنين، خاصة الشباب لأتون البطالة والفقر.
تقييد مشاركة المواطنين ومنظمات
المجتمع المدني في عملية اتخاذ القرار
جهود مكافحة الفساد ما زالت متعثرة منذ 15 عاما وغير قادرة على إحداث التغيير الحقيق، لا على صعيد السياسات ولا على صعيد ثقافة حماية المال العام. وقد اتبعت الإدارات العربية أسلوبا ممنهجا لإقصاء المواطنين والمجتمع المدني عن الشأن العام، من خلال فرض القيود القانونية والإدارية على حق التجمع والتنظيم وتأسيس الجمعيات والاتحادات والروابط، بل خلقت مناخا محفزا للمواطنين للانخراط في ممارسة الفساد الصغير، كدفع الرشى من أجل الحصول على خدمة أو وظيفة. وفق مقياس الفساد العالمي لعام 2013 أفاد 37٪ من المستطلعين العرب بدفعهم رشاوى خلال العام، وهذه نسبة أعلى من المعدل العالمي (25٪).
لا بد من حلول هيكلية
وغير تقليدية لمكافحة الفساد
لا تزال الجهود المبذولة لمكافحة الفساد متعثرة وغير قادرة على إحداث تغيير ملموس على مستويات الفساد، بل هناك محاولات مستمرة لإفشالها ولعل الأوضاع الأمنية الخطيرة التي تشهدها بعض الدول العربية وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لمعاقبة الفاسدين تشكل أكبر العقبات في هذا المجال. وعليه، فلا بد من تضافر جهود جميع الأطراف الوطنية والإقليمية والدولية. هذه رسالتنا للحكومات العربية وصناع القرار في المنطقة ـ لا بد من العمل على كافة الصعد لنجاح هذه الجهود بما فيها:
1 ـ استكمال وإصلاح المنظومة التشريعية الخاصة بمكافحة الفساد وإدخال التعديلات على قانون العقوبات، بحيث يتم تشديد العقوبات على كل من يتطاول على المال العام ويقوم بتبديده أو نهبه، وعدم سقوط قضايا الفساد بالتقادم، بالإضافة إلى تسريع اجراءات التقاضي. والإسراع في إنشاء وتعزيز استقلالية وفاعلية هيئات مكافحة الفساد بمقتضيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
2 ـ إصلاح الأجهزة التنفيذية ودعم المنظومة التشريعية والقضائية بسياسات وتدابير وأنظمة وتعليمات لسد الفجوات القانونية التي تسمح للفاسدين بالإفلات من العقاب.
3 ـ تعزيز قدرات المؤسسات الرقابية وضمان استقلاليتها وفاعليتها.
4 ـ ضمان وتعزيز استقلالية وفاعلية القضاء.
5 ـ حماية وتمكين مؤسسات المجتمع المدني من الاضطلاع بدورها كشريك رئيسي وفاعل في محاربة الفساد.
٭ رئيسة دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة الشفافية الدولية
غادة الزغير
مادام المجتمع الدولي لم يدخل مادة جديدة كي تصبح ” المادة 52 ” من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في مجلس الأمن من أجل تطبيق هذه الشروط, سيبقى الكلام يدور حول يجب … ويجب … ولامن يجيب.