إيران وتغيرات المعادلة اليمنية

صادق الطائي
حجم الخط
0

يبدو إن أسرع ملفات الشرق الأوسط تأثرا بتغير الإدارة الأمريكية هو الملف اليمني، إذ أعلنت الخارجية الأمريكية في الثاني من شباط /فبراير الجاري إنها تعتزم إلغاء تصنيف جماعة أنصار الله الحوثية اليمنية على أنها منظمة إرهابية تلبية لطلب الأمم المتحدة، باعتبار أن هذا القرار سيسهم في حل الأزمة الإنسانية في اليمن ويساعد على وصول المواد الطبية والمساعدات الإنسانية لبلد يعيش في ظل كارثة الحرب منذ أكثر من خمس سنوات. وكان انتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكية قد تعهد في أولى تصريحاته «بإنهاء» الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية، المتهم بارتكاب العديد من الأخطاء الفادحة ضد المدنيين اليمنيين. وقال إن هذا التحالف «ساهم في ما يعتبر في كثير من الأحيان أسوأ أزمة إنسانية في العالم اليوم». لذلك قررت إدارة الرئيس بايدن أن تبدأ عهدها بإلغاء أحد أكثر القرارات التي تعرضت للانتقاد، والذي اتخذته إدارة الرئيس ترامب قبيل تسليمها السلطة للإدارة الجديدة.

الاعتراف الدولي بالدور الإيراني

لا يخفى على مراقب أن الملف اليمني ليس مجرد حرب داخلية بين الحوثيين في الشمال وحكومة هادي في الجنوب، بل هو ملف صراع إقليمي بامتياز، إذ أن حركة انصار الله الحوثية المدعومة إيرانيا تمثل تهديدا في الخاصرة الجنوبية للمملكة العربية السعودية التي لعبت أدوارا مختلفة في اليمن عبر تاريخها الحديث حتى باتت المملكة تعتبر اليمن حديقتها الخلفية، وقد ظهر الدور السعودي في اليمن جليا منذ اندلاع موجة الربيع اليمني في كانون الثاني/يناير 2011 حتى الآن. بالمقابل مثل الدور الإيراني في الصراع اليمني الحالي الجزء المخفي، أو المسكوت عنه من الصراع، وهو جزء طالما تمت الإشارة له بإتهامات وإدانة التدخلات الإيرانية عبر دعمها الحوثيين بالسلاح والتجهيزات اللوجستية العسكرية ليبقوا صامدين بوجه هجمات قوات عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات.
العديد من جولات الصلح والمفاوضات السياسية لحل الأزمة انتهت بالفشل نتيجة تعنت طرفي الصراع المباشر: حكومة الحوثيين في صنعاء، وحكومة هادي في عدن وذلك لفرض وجهات نظر كل طرف على أرض النزاع في اللحظات الأخيرة، أو نتيجة تعنت الأطراف الإقليمية الداعمة لطرفي النزاع نتيجة ربط الحرب اليمنية بملفات الصراعات الإقليمية الأخرى.
المبعوث الأممي مارتن غريفيث هذه المرة ذهب إلى طهران، وتحدث مع الخارجية الإيرانية والمسؤولين الإيرانيين وناقش معهم الأزمة اليمنية وشروط الحل باعتبارهم طرفا إقليميا فاعلا في الصراع، وقد تلقت طهران زيارة المبعوث الأممي بالكثيرمن الارتياح، والاحساس بأهمية الورقة اليمنية التي طالما لعبتها طهران بشكل خفي كورقة ضغط إقليمية ودولية في صراعاتها المختلفة في الشرق الأوسط. وقد بحث مارتن غريفيث يومي 7 و 8 شباط/فبراير الجاري مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سبل إنهاء الحرب في اليمن، وذلك عبر استئناف المساعي الدبلوماسية. وقالت إسميني بالا المتحدثة باسم المبعوث الأممي؛ إن «الأولويات التي يركز عليها المبعوث الأممي في طهران هي وقف شامل لإطلاق النار في اليمن، واتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة، واستئناف العملية السياسية» من جانبه، أكد ظريف استعداد بلاده لدعم أي دور فاعل للأمم المتحدة لحل الأزمة في اليمن. وأضاف أن الحل السياسي هو الوحيد للأزمة اليمنية، وأن هذا الحل يمر عبر وقف إطلاق النار، وبدء حوار سياسي.
كما أكد الإيرانيون لغريفيث أن الاعتراف بحكومة الحوثيين في صنعاء سيسرع في إنهاء الأزمة، وأن أي مبادرة جادة لوقف الكارثة اليمنية يجب أن تبدأ بوقف الحرب في اليمن وإعلان الهدنة الحقيقية وإنهاء الحصار البحري والبري المفروض على حكومة صنعاء. كما أشار الإيرانيون إلى أن المرحلة الثانية من أي تسوية تتطلب إدخال المساعدات، وإخراج القوات الأجنبية من اليمن، والإعداد لحوار وطني شامل. وقد نفت وزارة الخارجية الإيرانية أن يكون غريفيث قد حمل رسالة أمريكية تتضمن عرضا بوقف دعم واشنطن للسعودية في اليمن، مقابل وقف دعم طهران للحوثيين.
لكن الإيرانيين أرسلوا رسائل تطمين لخصومهم السعوديين في وقت مبكر قبل زيارة المبعوث الأممي لطهران، إذ صرح الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة يوم 24 كانون الثاني/يناير الماضي بالقول؛ إن «بلاده تجاهلت بعض أخطاء السعودية تجاهها، وهي مستعدة للحوار معها حول مخاوفها». وفي إطار الحديث عن الأزمة اليمنية، قال خطيب زادة إن «مخاوف السعودية في اليمن وهمية، والحل هناك يكمن في إيقاف الحرب» معتبرا أن «الحل في اليمن بيد السعودية، وفي أي لحظة أرادت يمكنها حل الأزمة».
السعوديون بدورهم بعثوا برسائل لخصومهم الإيرانيين تفيد بعدم استعداد المملكة تقديم أي تنازلات تتعلق بأمنها القومي، بما في ذلك التصدي لأي تهديدات محتملة قادمة من الحوثيين المدعومين إيرانيا، وترك نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، الباب مواربا أمام موقف السعودية، عبر تأكيده في تصريح إعلامي التزام الرياض بدعم الشرعية اليمنية، وتشديده على استمرار الرياض في «دعمها للجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن وفق المرجعيات الثلاث (الهدنة، ادخال المساعدات، التفاوض السياسي) ودعمها للشرعية اليمنية سياسياً وعسكرياً في مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران في كل الجبهات وبكل حزم».

تشابك القرارات

إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، «إنهاء كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية للحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة» لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تلقته إيران بارتياح كبير، وفهمته على انه ضغط من إدارة بايدن على السعودية لإيقاف حربها على اليمن، لكن القرار الأمريكي لم يترك مفتوحا للتكهنات، إذ ربطته تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس بتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ستواصل الضغط على قيادة الحوثيين في اليمن لوقف هجماتهم ضد السعودية، إذ قال برايس؛ «نحن نريد تخفيف معاناة الشعب اليمني، مع تأكيدنا على الاستمرار بالوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية».
وفي وقت سابق، قال انتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكية لشبكة «CNN» الأمريكية إن بلاده ترغب في الاضطلاع بدور حيوي في المجال الدبلوماسي لإنهاء الحرب في اليمن، المستمرة منذ العام 2015. وشدد على أن بلاده بصدد إنهاء دعمها العسكري للسعودية في هذه الحرب، ولكنها ملتزمة بأمن المملكة، كما سبق للخارجية الأمريكية أن صرحت تعليقا على شطب جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب بالقول؛ إن «هذا القرار لا علاقة له بنظرتنا للحوثيين وسلوكهم المستهجن، بما في ذلك الهجمات على المدنيين وخطف مواطنين أمريكيين» وأضاف المتحدث باسم الوزارة «وأكدنا التزامنا بمساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها ضد أي هجمات جديدة» وأكد أن «تحركنا هذا ناجم فقط عن العواقب الإنسانية لهذا التصنيف الذي قامت به الإدارة السابقة في الدقائق الأخيرة».

القلق الإيراني

مع تزايد اهتمام إدارة بايدن بالملف اليمني وسعيها لوضع حلول نهائية لهذا الصراع، عبر تعيين الدبلوماسي العتيد تيم ليندركينغ مبعوثا أمريكيا لليمن لوضع حلول جادة للأزمة عبر جلوس أطراف الصراع إلى طاولة التفاوض، تزايد قلق الإيرانيين من تنامي الدور الأمريكي الذي تحاول ان تلعبه الإدارة الجديدة عبر التواجد على الأرض.
وبالرغم من المكاسب السياسية التي حققها الحوثيون، حلفاء إيران في اليمن في الأيام الأخيرة برفع اسم حركتهم من قائمة الجماعات الإرهابية، ووقف الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية، إلا ان القلق الإيراني بدا واضحا في تصريحات السفير الإيراني في صنعاء حسن ايرلو الذي نقلت وسائل الإعلام اتهاماته لواشنطن بالسعي لفرض وجودها السياسي في اليمن، إذ قال في تغريدة نشرها مساء الجمعة 5 شباط/فبرايرالجاري على حسابه في تويتر؛ «أمريكا الشيطان الأكبر، ولسنا متفائلين، وبالتأكيد فالإدارة الجديدة لها سياسة مختلفة عن سابقاتها وهو فرض الحضور السياسي والعسكري مباشرة في اليمن، كما حدث في كل من العراق وسوريا». وأضاف إيرلو «يجب أن نعول على الله وعلى الشعب اليمني الذي اكتسب مقاومة وصمودا أسطوريا وسيستمر حتى النصر».
واعتبرت مصادر سياسية خليجية مقربة من السعودية الموقف الإيراني محاولة لربط طهران أي تسوية في اليمن بحل خلافاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول الاتفاق النووي، انطلاقا من كونها الطرف الوحيد القادر على إجبار الحوثيين على الانخراط في أي تسوية سياسية في الملف اليمني. كما يرى بعض المراقبين إن إيران تنظر للتحركات الأمريكية في الأزمة اليمنية بوصفها فرصة ينبغي استغلالها، وأن طهران، التي تلعب دورا أساسيا في هذه الأزمة، يمكنها أن تقدم تنازلات في مقابل الحصول على تنازلات أمريكية فيما يخص الملف النووي ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية