اعتبر عدد كبير من الضباط المنشقين فكرة المجلس العسكري خلاصا من حالة الفصائلية وأمراء الحرب المسيطرين على الجبهة الوطنية للتحرير والجيش الوطني، وأكدوا تلقي العميد طلاس إشارات جدية لبلورة المقترح.
نجح العميد المنشق مناف طلاس في تسويق فكرة تشكيل «مجلس عسكري انتقالي» من دون أن ينبس ببنت شفة. وأعاد النقاش حوله إلى واجهة الأحداث، مرة جديدة. ولاقى المقترح ترحيباً في أوساط السوريين النازحين والمهجرين ونشطاء الداخل والخارج، وتزامن مع فشل اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، وإحاطة المبعوث الأممي الخاص، غير بيدرسون في جلسة مغلقة لمجلس الأمن.
وحافظ طلاس على صمت عزز فرضية «المجلس العسكري» ودفع الكثيرين إلى إطلاق خيالهم في رسم سيناريوهات ومهمة المجلس وعدد أعضائه ومن يضم ومن يستوعب. وتجرأ البعض على طرح أسماء من الضباط العسكريين المنشقين كأعضاء في المجلس.
المتعب في نقاش المعارضة السورية غير الرسمية لفكرة المجلس العسكري الذي سيرأسه العميد مناف طلاس، هو التركيز والبحث عن مصدر الطرح والمبادرة، هل هو مشروع روسي أو فرنسي؟ هل هو برضى أمريكي، أو بدونه؟ وهو ما يعكس حالة الشلل والعقم التي تشير إلى أن المعارضة خارجة من حالة الفعل بشكل كامل، وانها أصبحت ملحقة أو منتظرة لما يفرض عليها من مشاريع منذ تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في نهاية عام 2012 والذي تزامن مع انعقاد مؤتمر أنطاليا وتأسيس هيئة الأركان في الجيش السوري الحر، وصولا إلى تأسيس الهيئة العليا للتفاوض في كانون الأول (ديسمبر) 2015 والذي كلفت به الرياض عشية اجتماعات فيينا، والهيئة بنسختها الثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017. إضافة إلى مسار أستانة الذي فرضته تركيا على فصائل المعارضة السورية مطلع عام 2017 والذي انعقدت جولته الـ 15 قبل أيام بدون نتيجة تذكر، سوى خسائر المعارضة بعد تجميد القتال في مناطق خفض التصعيد الأربع التي سماها المسار، انهزمت الفصائل في ثلاث منها وخسرت نصف المنطقة الرابعة في إدلب وما حولها اثر هجومي ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي.
ونقلت المعارضة السياسية لغط الأقاويل حول المجلس العسكري إلى موسكو في اجتماع ضم بعض أعضاء منصة القاهرة ومنصة موسكو مع وزير الخارجية الروسية لافروف، في 21 كانون الثاني (يناير) 2021. ومع كثرة الشائعات ووصول الفكرة إلى أروقة الكرملين وتعليق الصحف الروسية على الفكرة، اضطر مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، إلى نفي وجود محادثات حول «المجلس العسكري السوري» واصفاً ما يثار حول الموضوع بأنه «تضليل متعمد بهدف نسف المحادثات والعملية السياسية» وذلك في 16شباط (فبراير) الجاري على هامش انطلاق الجولة الـ 15 من محادثات مسار أستانة والتي انعقدت جولتها في مدينة سوتشي الروسية.
عسكريا رحب عدد كبير من الضباط القادة الأمراء (عميد ولواء) بتشكيل مجلس عسكري انتقالي، ووجد عدد كبير من الضباط المنشقين الفكرة خلاصا لحالة الفصائلية وأمراء الحرب المسيطرين على الجبهة الوطنية للتحرير والجيش الوطني، والذين يهمشون الضباط المنشقين بشكل كبير. وأكد عدد كبير منهم جدية المقترح مؤكدين تلقي العميد طلاس إشارات جدية لبلورة المقترح.
ورحبت قوات سوريا الديمقراطية على لسان قائدها، مظلوم عبدي بتشكيل مجلس عسكري برئاسة طلاس، وكرر المتحدث الرسمي باسم «قسد» نوري محمود ترحيبه بفكرة تشكيل «المجلس» فيما فضلت وزارة الدفاع في حكومة المعارضة الصمت وعدم التعليق على الفكرة، أسوة بما فعل «الائتلاف الوطني» بداية. ويحسب للائتلاف الوطني، هذه المرة، انه راقب المقترح وفضل عدم إبداء الرأي فيه، وربما هذا ساعد على تداول الفكرة على أصعدة مختلفة.
ونقلت أطراف معارضة مقربة من الدبلوماسيتين السعودية والقطرية اهتمامهما بمقترح تشكيل المجلس العسكري، وأشارت الأطراف في اتصالات مع «القدس العربي» أن الدولتين تراقبان بلورته في أوساط الضباط المنشقين من جهة. ورد الفعل الأمريكي والأوربي حوله، من جهة الأخرى. وعلمت «القدس العربي» أن مسؤولي الملف السوري في وزارات الخارجية والاستخبارات لم يبادروا بالاتصال بالعميد طلاس – حتى لحظة كتابة هذه السطور، مساء الجمعة – رغم الاهتمام الشديد الواضح لديهم وان اتصالات تجري مع قادة في المعارضة السياسية والعسكرية لجس نبضهم حول المشروع، إضافة لتلقي المسؤولين لتقارير في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال وشرق سوريا حول رأي الناس بفكرة المجلس العسكري ومدى قبولهم أن يكون طلاس على رأس المجلس، وتوقعات المدنيين من المجلس وشروطهم لقبوله.
ومع أهمية النقاش، فقد فات المعارضة والمنشقين أن الدول جميعا لم ترحب بفكرة إنشاء مجلس عسكري انتقالي عندما كان في أوجه عامي 2012 و2013. وكانت الدول تسعى إلى هزيمة النظام عسكريا، وتراجع الاهتمام بدعم المعارضة في عام 2017 شيئا فشيا وأغلقت البرامج السرية لدعم فصائل الجيش الحر.
ويراهن البعض وربما منهم، العميد طلاس على أن روسيا في نهاية الأمر، تسعى للحفاظ على «المؤسسة العسكرية السورية» التي عرفها، لكنه حلم أكثر من كونه حقيقة، فروسيا عولت على أكثر ضباط «المؤسسة» سوءا في عيون السوريين جميعا. وأعادت تأهيل شكله وقواته في الوقت ذاته، وأسست الفرقة 25 مهام خاصة بقيادته.
أما عن نظام الأسد، فهو لم يقبل الإصلاح وجر البلد إلى موت متجدد كل يوم، فكيف به يقبل أن يشارك الضباط المنشقون الذين حكم أغلبهم بالإعدام غيابيا بتهمة الخيانة، بعد انشقاقهم عنه. إضافة إلى أن فكرة المجلس العسكري قد تكون مقبولة قبل التدخل الروسي نهاية 2015 عندما كان النظام وإيران وحزب الله يتداعون في سوريا وقاب قوسين من السقوط. أما اليوم، فقد حسم النظام الموقف على الأرض لصالحه واستعاد 60 في المئة من الأراضي التي فقدها في عام 2013 ويتسلل شيئا فشيئا إلى مناطق شرق الفرات حيث تسيطر قسد.
لاشك أن دور المجلس العسكري هام للغاية في عملية الانتقال السياسي وحمايتها حتى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، ويشترط تشكيل المجلس أن تحل العقدة الأساسية بالأزمة السورية وهي الأسد، ولحين حلها برحيل الأسد أو موته، يبقى المجلس حلما يجب على أصحابه والسوريين انتظاره.
طرح المقال جيد .
لا شك أن طرح فكرة المجلس العسكري بالتزامن مع فشل الاستانيون هو لمعرف الصدى و قوة الموجات الارتدادية له في المجتمع الدولي و الشعب السوري .
و لن يتم العمل به و تفعيل أدائه إلا تزامناً مع عملية الانتقال السياسي التي ستتم “في حينها”