هل تمارس الصين ضغوطا على تركيا وتربط لقاحات كورونا بملف الإيغور؟ 

إسماعيل جمال  
حجم الخط
2

إسطنبول– “القدس العربي”: في وقت مبكر، أعلنت تركيا أنها سوف تكون من أوائل الدول التي ستحصل على اللقاح الصيني المضاد لفيروس كورونا، لكنها اليوم تواجه صعوبات في عمليات التسليم ما أثار الشكوك وفتح الباب واسعاً أمام الكثير من التساؤلات أبرزها حول ما إن كانت الصين تمارس ضغوطاً على تركيا وتحاول ربط ملف الأيغور المعقد بلقاحات كورونا.

وبحسب تصريحات سابقة للرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الصحة فخر الدين قوجه، فإن تركيا سوف تحصل -في المرحلة الأولى- على 50 مليون جرعة من لقاح كورونا الصيني، على أن تتوصل لاتفاقيات جديدة للحصول على كميات أكبر في أقرب وقت ممكن.

وفي نهاية كانون الأول العام الماضي، وصلت أول دفعة من اللقاح الصيني إلى تركيا وبلغت 3 ملايين جرعة، قبل أن تصل الدفعة الثانية تباعاً نهاية كانون الثاني الماضي، حيث تشير التقديرات إلى أن إجمالي ما وصل تركيا حتى الآن لم يتجاوز الـ10 ملايين جرعة من أصل قرابة 50 مليونا تم الاتفاق عليها بين البلدين.

وهذه الوتيرة في التسليم لا تؤشر على الإطلاق على إمكانية أن تصل 100 مليون جرعة لتركيا بحلول نيسان/أبريل المقبل بحسب تصريح سابق لوزير الصحة التركي تحدث فيه لصحيفة محلية عن أن بلاده سوف تستلم 100 مليون جرعة بحلول هذا التاريخ الذي بات قريباً.

وبناء على هذه الأرقام، طرحت المعارضة التركية الكثير من التساؤلات على الحكومة تركزت حول ما إن كانت تتعرض لضغوط صينية لتسليم اللقاحات مقابل الأيغور، وحول ما إن كانت الحكومة التركية قد رضخت بالفعل لبعض الضغوط الصينية المتعلقة بملف الأيغور ومنها تسليم مطلوبين أو عدم ممارسة ضغوط سياسية على بكين لوقف انتهاكاتها ضد الأيغور الأتراك أو الحد من نشاطهم في تركيا.

وعلى الرغم من أن الصين صادقت، مؤخراً، بشكل نهائي على اتفاقية تبادل تسليم المطلوبين مع تركيا، إلا أن الأخيرة ما زالت تماطل حتى اليوم في التوقيع على الاتفاقية التي كان يتوقع أن يصادق عليها البرلمان التركي في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث اتهمت بالسابق المعارضة التركية الحكومة بالرضوخ لضغوط صينية للمصادقة على الاتفاقية من أجل تسليم أيغور لبكين، إلا أن الحكومة نفت ذلك، ولم تمرر الاتفاقية بالفعل حتى اليوم.

وفي تصريح سابق، قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو إن المصادقة على اتفاقية تبادل تسليم المطلوبين مع الصين “حتى وإن تمت لا تعني أن تركيا سترحل أفراداً من الأيغور للصين”، مشدداً على أنه “ليس من العدل القول إن هذه الاتفاقية هدفها ترحيل هذه الأقلية”.

كما نفت تركيا بشكل قاطع تقارير نشرتها صحف دولية عن أنها رحلت عشرات من الأيغور كانوا محتجزين في مراكز الترحيل إلى الصين عبر دولة ثالثة هي طاجكستان. وقبل أيام، أصدرت وزارة الداخلية بياناً رسمياً نفت من خلاله إعادة مجموعة من الأويغور إلى الصين، بسبب دخولهم تركيا بجوازات سفر مزورة.

وجاء في بيان دائرة الهجرة التابعة للوزارة: “مزاعم ترحيل أتراك الأويغور إلى الصين لدخولهم (تركيا) بجوازات سفر مزورة عارية عن الصحة”، مشيرة إلى أن المجموعة التي تحدثت عنها منصات التواصل الاجتماعي تضم 11 شخصاً، وصلوا مطار أتاتورك بمدينة إسطنبول في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2018 و”بعد إجراء التحريات اللازمة بحقهم تبيّن أنهم من أقلية أتراك الأويغور، وسُمح لهم بدخول تركيا، بتعليمات صادرة عن الوزارة”.

ورغم ذلك، ما زالت المعارضة التركية بتوجهاتها المختلفة توجه اتهامات قاسية للحكومة بالتخلي عن الأيغور الذين يعتبرون من أصول تركية ويتحدثون لغة قريبة منها. وتتزامن اتهامات المعارضة مع تصعيد الأيغور الذين يعيشون في تركيا لتحركاتهم لإبراز قضيتهم للعالم للضغط على الصين من جانب، ولمنع تركيا من تسليم أي منهم للصين حيث يقولون إن بكين تمارس ضغوطاً هائلة على أنقرة لتسليمهم.

ويعيش قرابة 50 ألف من الأيغور في تركيا، نجحوا خلال العقود الماضية في الوصول إليها بطرق مختلفة خاصة في السنوات الأخيرة التي صعدت فيها الصين من إجراءاتها ضدهم، وفي الأيام الأخيرة نظموا تظاهرات شبه يومية أمام السفارة الصينية في أنقرة وقنصليتها في إسطنبول للمطالبة بمعرفة مصير أقاربهم في الصين.

وفي ظل هذه المعطيات، تبدو الحكومة التركية أمام خيارات صعبة، فهي من جانب بحاجة إلى أكبر كمية ممكنة من لقاحات كورونا في أقرب وقت، والحفاظ على علاقاتها ومصالحها الاقتصادية المتزايدة مع الصين، ومن جهة أخرى الوقوف بجانب أتراك الأيغور الذين يعتبرون بالنسبة لشريحة واسعة من الشعب التركي قضية وطنية يمكن أن تثير الشارع ضد الحكومة لو ثبت بالفعل أنها سلمت أفراداً منهم للصين.

ورغم ممارسة الصين ضغوطاً أخرى على الحكومة التركية من أجل عدم إبراز ملف الأيغور المتصاعد عالمياً، ما زالت وكالة الأناضول الرسمية ووسائل الإعلام الحكومية المختلفة تبرز بشكل شبه يومي أخباراً وتقارير حول معاناة الأيغور والانتهاكات الصينية ضدهم، وهو ما يظهر بشكل أوضح صعوبة استجابة الحكومة التركية للضغوط الصينية في ملفات معقدة وحساسة بالنسبة للشعب التركي.

ويتوقع أن تواصل الحكومة التركية سياستها المتبعة في السنوات الأخيرة والمتمثلة في محاولة الموازنة بين الأمرين وعدم ربط مصير العلاقات التركية الصينية بملف الأيغور وهي سياسة نجحت ولو جزئياً خلال السنوات الماضية، ولا يعرف إلى أي مدى يمكن أن تنجح هذه السياسة خلال الأشهر والسنوات المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    حكومة تركيا براغماتية للنخاع!
    المصالح الإقتصادية فوق أي إعتبار!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول بشرى:

    هذه معادلة جد صعبة و الحكومة التركية تبذل مجهودات هاءلة لتحقيق التوازن بين مصالحها الاستراتيجية مع الصين و الواجب الانساني والقومي اتجاه الايغور وهذا يستحق التقدير ولا نملك الا الدعاء لهذه الحكومة بقيادة السيد طيب رجب اردوغان بالسداد و التوفيق

إشترك في قائمتنا البريدية