«عسكرة» المواجهة تهمة أم خيار؟… الأردن: كورونا بين «وزيرين» و«حوار طرشان» والفيروس «يرتع ولا يجف»

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان – «القدس العربي»: «انتهاء تشديد الإجراءات مرتبط بالتزام المواطنين»… تلك عبارة وردت على لسان وزير الصحة الأردني الدكتور نذير عبيدات في سياق تبرير العودة لحظر شامل وتمديد ولاية الحظر الجزئي وسط أزمة اقتصادية تطحن في كل الاتجاهات.
طبعاً، تبدو «عبارة وعظية» وتحاول إضفاء الشرعية على خطوات التشديد عبر الضغط على قواعد الالتزام بالسلوك. وطبعاً، الوزير عبيدات ثمة شرعية لخطابه، فالرجل مختص وبائيات أصلاً، ولم يسع لزحام الموقع الوزاري، وأغلب خبراته في المجال الأكاديمي، وإدارة «جزء كبير من الأزمة» ليس في نطاق صلاحياته خلافاً لأنه «ورث» حزمة «مشكلات» من سلفه الوزير سعد جابر.
«تأمين وتدبير» جرعات اللقاح واجب له علاقة بـ»الدولة» وبمسارها السيادي والأمني والدبلوماسي، وليس فقط بطاقم وزارة الصحة. وخلال الاشتباك عبر منصات التواصل مع إجراءات الحكومة الأخيرة، كان واضحاً لجميع محطات الاستشعار بأن الحجة الأساسية للمعلقين، لها علاقة بإخفاق الحكومة بتدبير اللقاحات.
يحصل ذلك مع أن أزمة اللقاحات «عالمية وكونية» كما يؤكد أمام «القدس العربي» عضو مجلس الأعيان المختص بالدواء والغذاء الدكتور هايل عبيدات، وهو يدعم خطوات منهجية بدلاً من الاسترسال في النقد والكلام غير المفيد.
تحدث علناً عدة مرات بإسهاب الدكتور عبيدات بصفته مختصاً ومطلعاً على خبايا وخفايا البعد الدولي في مسألة اللقاح، حيث الإحجام المقصود عن إنتاج اللقاح، ومشكلات التخزين والنقل، واعتبارات السوق، والرغبة في رفع الأسعار، وحيث وجود بعد أخلاقي غائب قليلاً، وسوق سوداء نشطة.
حتى الوزير عبيدات اشتكى من سوق سوداء أمام بعض نواب البرلمان، وطاقمه ينشغل يومياً بالتقدم بعروض، وما يقال في الكواليس إن مشكلات «تخزين» سجلت كملاحظات لبعض الشركات على التعاقدات الأردنية فيما الدول الغنية استأثرت بحصة فورية، ولعب النفوذ السياسي دوراً كبيراً في السياق.
يتحدث الأردنيون اليوم عن اللقاح وأزمته، لأن الحجة التي أخذت طوال اليومين الماضيين في الأردن ضد إجراءات الحكومة المتشددة لها علاقة بالإخفاق في «تأمين اللقاحات» مع أن الإخفاق هنا قد يكون وهماً، والهدف منه في المقابل تبرير «ضعف ثقافة وسلوك» المواطنين باتجاه «التباعد والكمامة».
في وجدانيات الشعبويات، الحكومة دوماً «مقصرة» وتسعى إلى «عسكرة» المواجهة مع الفيروس، كما لاحظ علناً القيادي النقابي بادي الرفايعة، حيث الإجراءات «قاسية» وتحاول التغطية على «فشل الحكومة». لكن في تلك الوجدانيات نفسها، لا يقترح المنتقدون وسيلة منتجة أكثر بعيداً عن «العسكر والأمن» لإجبار ثقافة المجتمع على الانحياز ولو قليلاً للتباعد، حيث يعلم الجميع بأن المزاج الأردني لا يزال مراهناً على «وعي الفيروس» والأسهل من «إدانة عدم الالتزام» عند الناس هو توجيه «اللوم» للحكومة، كما يقدر الناشط ورجل الأعمال ياسر الحنتولي، وهو يحاول مشاركة «القدس العربي» في التقييم العام.
طبعاً، في المقابل، يلاحظ الجميع بأن «معايير الالتزام» الثقافي العامة التي يطالب بها وزير الصحة ويعتبرها شرطاً قبل تخفيف الحظر «تفلت» أحياناً أو يتم التفريط بها داخل مؤسسات الخدمة العامة الحكومية أو حتى داخل اجتماعات النواب والوزراء، في حين الآلية الحكومية لا تميز بين الملتزمين وعدم المتلزمين، وتكثر فقط في تغطية الفشل المفترض بـ»اتهام الجميع».
ولعل ذلك هو السبب وراء تعميم رئيس الوزراء الأخير الدكتور بشر الخصاونة، القاضي بـ»دوام نصف الموظفين» في جهاز القطاع العام.
لكن تبادل «ملاحظات عدم الالتزام» ثم القصف العشوائي بين الحكومة والرأي العام على أساس «القصور والإخفاق» و»تسييس» الحظر، أحال مسألة السيطرة على المنحنى الوبائي إلى «سجالات سياسية» تجاذبية تتميز بأنها، أولاً، بعيدة تماماً عن الموضوع قيد البحث. وثانياً، مؤدلجة سياسياً في بعض الأحيان أو تبرز فيها «الأجندات» الأمر الذي يمكن وصفه بأنه «أسوأ ما ينبغي أن يحصل» في مرحلة صدام مع مخاطر الوباء في موجته الثالثة التي تتطلب وحدة المجتمع وتأجيل التجاذبات والخلافات السياسية، فالأردنيون قد يختلفون مع السلطة على كل الملفات باستثناء «التعافي الاقتصادي والصحي».
وعليه، يلاحظ حنتولي وغيره بأن بعض «ردود أفعال» نشطاء المنصات والسياسة أحياناً تحت عنوان تسويق الاتهامات للحكومة فقط بمبرر أو بدونه بعد العودة إلى تشديد الإجراءات تنتمي لنفس عائلة الأدبيات المعلبة التي يمكن أن يلجأ إليها مسؤولون أو موظفون يحترفون فقط تبرير الإخفاق عندما يحصل، بالضغط على الناس.
يشبه الحوار الآن في الشارع الأردني ما يحصل بين «الطرشان» فالمواطن «غير الملتزم» يتهم التشدد الحكومي بالإجراءات لأغراض «سياسية باطنية» يمكن انتقاء العشرات منها بطبيعة الحال وبتغطية العجز في اللقاح، والحكومة بدأت «تخاطب المواطنين» بلغة اتهامية أو غير موفقة فقط وفيها الكثير من «التعالي والعسكرة» دون برامج تثقيف ووعي سلوكية حقيقية. وسط صخب مثل هذا النمط من الحوار، «يرتع الفيروس» وينتعش ولا يمكنه أن «يجف» على حد تعبير وزير الصحة الأسبق الدكتور سعد جابر.
وهنا تحديداً يعبر القطب البرلماني خليل عطية، عن خشيته من انفلات التفاصيل وسط نمط الحوار غير التشاركي، ملاحظاً في أثناء تقييم المسألة مع «القدس العربي» بأن على الحكومة أن تلتقط الرسالة عندما يتحدث «جلالة الملك» شخصياً عدة مرات وأمام الكاميرا للأردنيين عن «ارتداء الكمامات» بعد توفيرها بكثافة في الأسواق.
عطية طبعاً مثل غيره، لا يعرف لماذا لا يشارك القطاع الخاص المحلي في مجهود تأمين اللقاحات، خصوصاً أن لدى أركانه في القطاع الطبي خبرات كبيرة وعالمية ومختصة يعتد بها.
سؤال القطاع الخاص لا يمكن الإجابة عليه، فأسرار «اللقاحات» لم تنكشف كونياً بعد. لكن، محلياً، المطلوب «مقاربة» تستعيد المصداقية بين الخطابين الرسمي والشعبي حتى «تتقلص المخاطر» في مواجهة الوباء، والعسكرة «قد لا تكون تهمة» في كل الأحوال في مواجهة وباء شرس إذا كانت خالية من «أجندة سياسية».
والالتزام الاجتماعي بالتباعد والوقاية «مسؤولية الجميع» في الدولة والسلطة والمجتمع، حسب الطبيب السياسي الدكتور ممدوح العبادي الذي يؤمن بأن «الناس لا تقاد إلى الجنة بالسلاسل».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية