العناوين التي نشرت في وسائل الإعلام العالمية في نهاية الأسبوع حول علاقة الولايات المتحدة والسعودية، متناقضة. فمن جهة، تم الادعاء بصورة دراماتيكية أن الولايات المتحدة تعتبر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المسؤول المباشر عن قتل الصحافي جمال خاشقجي. من جهة أخرى، نشرت عناوين مخيبة للآمال، “تقرير لم يأت بجديد”.
كيف يمكن حل التناقض بين العناوين والتحليلات؟ يفترضون أن ليس هناك تناقض وأن الزاويتين صحيحتان. من ينظر إلى التقرير على أنه لائحة اتهام تستند إلى دلائل وشهادات في محاكمة قتل، وينظر إلى الرئيس الأمريكي بايدن كعضو في هيئة محلفين، خاب أمله من غياب التوافق والتوازن بين الجريمة والعقاب. ومن ينظر إلى الوثيقة على أنها بيان جيوسياسي وتحذير للسعودية على صعيد العلاقات بين الدولتين وضربة للسعودية على الصعيد الإقليمي، سيستنتج بأن لهذا التقرير وزناً وأهمية كبيرة.
يمكننا توقع غموض في المعارضة السعودية لاستئناف الاتفاق النووي مع إيران وإعادة انضمام الولايات المتحدة إلى الاتفاق بشروط معينة. العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية ليست قوية مثلما كانت. صحيح أن السعودية تعتبر حليفة مهمة في الشرق الأوسط، وبالتأكيد في السياق الإيراني، لكن زمن سطوع السعودية في عهد بوش الأب وبوش الابن، الذي كان فيه الأمير بندر بن سعود يدخل إلى البيت الأبيض ويخرج منه كما يريد، انقضى.
في حملته الانتخابية، اعتبر بايدن السعودية “دولة منبوذة، ليس لها أي أهمية إيجابية”. وقد كان يقصد سجل حقوق الإنسان والمواطن فيها وعملية قتل خاشقجي، وأيضاً التهديدات الموجهة لجيف بيزوس و”الأمازون”. في الوسط كانت إدارة ترامب؛ ففي عهده أغدقت عليها صفقات السلاح. ووصف محمد بن سلمان، بمساعدة حلفاء في وسائل الإعلام، بأوصاف الولد المحبب لتوماس جيفرسون وأبراهام لنكولن: إصلاحي، مجدد، ليبرالي، يبشر بعالم عربي جديد، شجاع وجريء.
هذا ما يريد بايدن تغييره الآن. هو لا يحطم الأدوات، لكنه لا يتردد في النشر، حتى لو لم يكن هناك تحديث دراماتيكي في البينات. ربما لا يوجد بيان قاطع من البيت الأبيض على فرض عقوبة شخصية وعقوبات أمريكية على بن سلمان، لكن ثمة دلائل تشير إلى بدء ما اعتبره بايدن “إعادة معايرة” للعلاقات.
في التقرير ذي الصفحات الأربع، قال مكتب رئيسة المخابرات الوطنية بأن ولي العهد السعودي أمر وصادق وكان يعرف عن قتل الصحافي خاشقجي. ولكنها حقائق معروفة مصدرها المخابرات التركية. وقد تحولت إلى لائحة اتهام علنية ضد بن سلمان والسعودية من قبل الرئيس التركي أردوغان.
إضافة إلى ذلك، التقرير لا يطرح “مسدساً مدخناً” ولا يدعم بينات تقول بأن بن سلمان عرف مسبقاً عن نية القتل وتقطيع جثة خاشقجي. وغياب هذه البينات سهل على بايدن عدم اتخاذ خطوة شخصية متشددة ضد ولي العهد، وهز العلاقات الهشة بين الدولتين. العقوبات التي فرضتها أمريكا على الـ 76 مواطناً سعودياً وعلى “قوة التدخل السريع” و”وحدة النخبة”، المسؤولة من قبل بن سلمان عن التعامل مع معارضي النظام، هي عقوبات فرضت في فترة ولاية ترامب، قبل نشر التقرير.
حسب هذا التحليل، يفوّت بايدن فرصة القيام بأمرين: تثبيت السعودية في مكانها الجديد في سلم الأولويات الأمريكية ومعاقبة بن سلمان واستخدام الضغط على السعودية لتخفيف قمع حقوق الإنسان في المملكة. أي ضرر في العلاقات لم يكن ليحدث أصلاً. حسب هذا المنطق، فإن الادعاء بمكانة السعودية كوزن مضاد ضد إيران ينسي حقيقة بسيطة، أن السعودية هي التي تحتاج الولايات المتحدة وليس العكس. لذلك، كان بإمكان بايدن أن يكون أكثر تشدداً ضد شخص أمر بقتل صحافي سعودي عمل في “واشنطن بوست”، وبعد ذلك هدد بيزوس، صاحب الصحيفة الذي دعم بايدن، وهدد شركة “أمازون” التي تشغل أكثر من مليون موظف في الولايات المتحدة.
إن قوة التقرير تتمثل في بعدين: علاقات الولايات المتحدة مع السعودية، وتأثيرها على المنطقة. يجب عدم التقليل من خطورة التقرير في كل ما يتعلق بالعلاقة بين الدولتين. يعدّ بن سلمان ضيفاً غير مرغوب فيه في البيت الأبيض. وستتحدث الولايات المتحدة معه عما هو حيوي وملح، لكن عزله، إلى جانب أوروبا، قد يثير معارضة داخلية. من المرجح أن مكانته ستتضرر ولفترة طويلة، أو ربما سيعدل نفسه مع الولايات المتحدة بصورة كاملة في السنوات الأربع القادمة.
البعد الجيوسياسي هو المهم هنا. أولاً، أوضحت الولايات المتحدة بأن الدفاع عن السعودية يخضع إلى شبكة اعتبارات أمريكية. في هذا السياق، يعدّ تصريح بايدن في خطابه الذي ألقاه قبل أسبوعين تصريحاً مهماً، هو الذي أعلن فيه بأن الولايات المتحدة توقفت عن دعم الحرب السعودية في اليمن. ثانياً، يوجد في هذا أيضاً دعم معين لتركيا، العدوة الكبيرة للسعودية في السنوات الأخيرة، في طريق تحسين العلاقة بين واشنطن وأنقرة.
ثالثاً، الجزء الأهم هو إيران. ليس واضحاً بعدُ مسار عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وشروطه والجدول الزمني الذي سيتم فيه. ولكن نشر التقرير استهدف تخفيف انتقادات السعودية وإيجاد محفز سلبي لتمويل حملة علاقات عامة وعمل لوبي في الكونغرس ضد عودة أمريكا إلى الاتفاق. التقرير يوضح للسعوديين: لن تجروا الولايات المتحدة إلى حرب ضد إيران خلافاً لرغبتها، أو ضد مصالحها أو جدولها الزمني.
ربما لن تُصادر تأشيرة بن سلمان الدبلوماسية لزيارة الولايات المتحدة، وقد لا يشكل التقرير لائحة اتهام قاتلة من ناحيته، لكن ثمة استخفاف به.
بقلم: ألون بنكاس
هآرتس 28/2/2021