هل اقتربت تركيا ومصر من إعادة تطبيع العلاقات وترسيم الحدود البحرية بين البلدين؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
1

إسطنبول- “القدس العربي”: تباعاً ومنذ أشهر، يتواصل تبادل الرسائل الإيجابية الهادئة بين القاهرة وأنقرة في ظل تأكيد مصادر مختلفة أنها نابعة من اتصالات هادئة تجري بين البلدين لحصر الخلافات وإعادة تطبيع العلاقات وتتركز بالدرجة الأولى على إمكانية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

وباستثناء تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أشهر عن وجود اتصالات على مستوى المخابرات بين البلدين، لم تؤكد القاهرة أو أنقرة وجود اتصالات على المستوى الدبلوماسي بين البلدين، رغم تراجع حدة الخطاب السياسي بين البلدين في الأشهر الأخيرة.

ونهاية العام الماضي، أكد مصدر تركي رسمي رفض الكشف عن اسمه لـ”القدس العربي” وجود اتصالات بين تركيا ومصر، لافتاً إلى أن هذه الاتصالات تجري على مستوى الاستخبارات وعلى المستوى الدبلوماسي منخفض التمثيل، مشيراً إلى أن هذه المباحثات “ما زالت في مرحلة بناء الثقة والقيام بخطوات لتخفيف التوتر ولم تصل بعد إلى مستوى سياسي متقدم يتيح التوصل إلى أي تفاهمات أو اتفاقيات في الملفات العالقة بين البلدين”.

والأربعاء، أكد مصدر تركي لـ”القدس العربي” أن مساعي التقارب بين أنقرة والقاهرة تأتي في إطار أوسع يتعلق بوجود مساع حقيقية وبإرادة الطرفين لتحسين العلاقات بين تركيا من جهة والثلاثي (السعودية، الإمارات، مصر) من جهة أخرى، مؤكداً أن الاتصالات بين الطرفين شهدت دفعة قوية خلال الأيام الماضية، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.

وفي مؤشر آخر يدعم هذه التصريحات، أكد مصدر إعلامي تركي لـ”القدس العربي” أن هناك ما يمكن تسميته “تهدئة إعلامية” بين وسائل إعلام من الطرفين بإرادة رسمية، موضحاً أن هذا الأمر يمكن أن يلمسه المتابع بشكل حقيقي على عدد من وسائل الإعلام التركية والسعودية والمصرية الرسمية، مشدداً على أن “هذا التوجه يأتي بإرادة مشتركة من الجانبين”.
وفي ظل عدم وجود تأكيدات رسمية لمستوى الاتصالات وطبيعتها، يعتقد أن الاتصالات بين أنقرة والقاهرة بدأت على المستوى الاستخباري لتفادي الصدام في ليبيا وشرق المتوسط، وسرعان ما تحولت قنوات الاتصالات هذه إلى محاولة إلى تحسين العلاقات وليس فقط “منع الصدام” وانتقلت للبحث في إمكانية التعاون المشترك في الملف الليبي، وإمكانية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حيث انتقلت الاتصالات من المستوى الاستخباري إلى المستوى الدبلوماسي المنخفض.

وفيما يتعلق بالسعودية، ومع وصول إدارة بايدن وفي ظل الصعوبات والتحديات التي تواجهها المملكة، بدأت مساع مشتركة من أنقرة والرياض لتحسين العلاقات بين البلدين، حيث جرت اتصالات بين أردوغان والملك سلمان، ولقاء على مستوى وزيري خارجية البلدين، وسط مساع حثيثة لتحقيق تقدم حقيقي في العلاقات خلال الفترة المقبلة.
وقبل أيام أعلنت القاهرة مناقصة للبحث عن الطاقة الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط حيث لوحظ من الخرائط المنشورة أن القاهرة أخذت بعين الاعتبار حدودا للجرف القاري لتركيا بحسب الرؤية التركية، ولم تضم المناطق التي شملها اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، وهي مناطق خلافية تؤكد أنقرة أحقيتها بها، في خطوة فتحت الباب واسعاً أمام الكثير من التكهنات.

وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، عقب الأربعاء على هذه التكهنات بالتأكيد على أن القاهرة أبدت احتراما للحدود الجنوبية للجرف القاري التركي، في الوقت الذي وقعت فيه اتفاقا مع اليونان عام 2020، لافتاً إلى أن “مصر تواصل أنشطة الاستكشاف الزلزالي داخل جرفها القاري دون الدخول في الجرف القاري التركي”، وقال: “تواصل مصر احترام جرفنا القاري، ونحن نرحب بذلك”.

وذكر أن تركيا ومصر تمتلكان أطول خط ساحلي على البحر المتوسط، مضيفاً: “بناء على سير العلاقات يمكننا التفاوض مع مصر بشأن مناطق الصلاحية البحرية وتوقيع اتفاق معها بهذا الخصوص”.

والإثنين، نشرت صحيفة “The İndicator” اليونانية خبراً بعنوان “مصر تتفق مع تركيا في شرق المتوسط”، ادعت فيه تلقيها معلومات حول توصل مصر إلى اتفاق مع تركيا بشأن ترسيم حدودها البحرية، معتبرةً أن “هذا الاتفاق سيلحق الضرر بالمصالح اليونانية مستقبلا”، موضحةً أن “الخطوط الرئيسية لإحدى القطع في المتوسط​​ لم تنظّم كما هو متفق مع اليونان، بل يبدو أنها نُظّمت مع تركيا”.

من جهتها، قالت صحيفة “كا ثيميريني” اليونانية إن مصر فتحت باب التفاهم مع تركيا في شرق البحر المتوسط عبر إعلانها عن مناقصة للبحث عن الطاقة الهيدروكربونية، التي تأخذ بعين الاعتبار حدود الجرف القاري لتركيا، وجاء في التقرير: “الخريطة المصرية تشير إلى أن المساحة الأخرى الواقعة شرق خط الطول 28، تحدد الحدود الجنوبية للجرف القاري التركي المشار إليها في الاتفاق التركي الليبي”.

وترى تركيا أن مصر خسرت مناطق كبيرة من حقلها في شرق المتوسط لصالح اليونان وقبرص الجنوبية وأنها -في حال وقعت على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع تركيا- ستستعيد مناطق شاسعة وسوف توسع مناطقها الاقتصادية الخالصة في البحر وهي النقطة التي يبدو أن المحاولات التركية تستند عليها في محاولة إقناع القاهرة بالتوقيع على اتفاق لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بين البلدين.

ونهاية العام الماضي، نشرت الجريدة الرسمية المصرية نص اتفاق تعيين الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا، وكشفت بعض البنود عما اعتبره محللون أنها إشارات وثغرات تعطي رسائل واضحة بإمكانية تعديل الاتفاق والتوصل لاتفاق آخر مع تركيا حيث كشف لأول مرة وعلى عكس ما روج الإعلام المصري أن الاتفاق مع اليونان “جزئي وليس كليا” وأنه “سيتم استكمال التعيين فيما بعد، كما تضمن بندا يشدد على أن الاتفاق يمكن تعديله مستقبلاً “إذا دخلت إحدى الدولتين الموقعتين في مفاوضات مع دول أخرى تشترك مع الطرفين في مناطق بحرية”، في إشارة واضحة إلى تركيا.

ومنذ تصاعد الخلافات عام 2013 قررت مصر طرد السفير التركي في القاهرة وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال، وهو ما ردت عليه تركيا بخطوة مماثلة، ومنذ ذلك التاريخ لم تحصل أي لقاءات سياسية أو وساطات لاحتواء الأزمة بين البلدين باستثناء التحسن المتنامي في العلاقات الاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول آصال أبسال:

    بمناسبة صدور النسخة الأولى من التقرير التالي قبل أكثر من أربعة شهور، «أنقرة والقاهرة تباشران بخطوات «بناء ثقة» لتحقيق تقدم في المباحثات الثنائية» (15 تشرين الأول 2020)، كتبتُ معقِّبةً كذلك على النسخة الثانية من هذا التقرير ما يلي:
    تمثيل دور «التصادق» تارة وتمثيل نقيضه دور «التعادي» طورا ما بين تركيا ومصر خاصة، وقيام كل من هذين التمثيلين النقيضين قياما سريّا أو علنيّا /حسبما تقتضيه ضرورتا الوصول والانتهاز الأردوغانيّين السيسيَّين/ على مسرح تبادل الأدوار المأمور بها في الأصل من قبل قيادات «حلف شمال الأطلسي»، الـ NATO، بالذات – كل ذلك كان قد أشار إليه معلِّمنا غياث المرزوق مرارا قبل ما يناهز ثلاثا من السنين في كتاباته المتميزة في مجال التحليل السياسي النفسي.. !!
    أحيل من يعنيهم ويعنيهن الأمر، على سبيل المثال، إلى القسم السادس من مقال غياث المرزوق: «ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟».. !!
    كل التقدير والمحبة والاحترام لغالينا غياث المرزوق على تحليله السياسي النفسي الصائب منذ زمن ليس قصيرا لقضايا جدِّ حسَّاسةٍ بدأت علائمُها الملموسة تظهر في هذا اليوم بالذات.. !!

إشترك في قائمتنا البريدية