لندن – «القدس العربي»: أثار اعتراف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) جون برينان الخميس الماضي بأن أجهزته رتكبت سلسلة من الأخطاء في استجوابها لمشتبه بهم في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ايلول 2001، العديد من ردود الأفعال داخل الدوائر الحقوقية والسياسية في بلدان مختلفة من العالم. ففي بريطانيا تواجه الحكومة ضغوطا لتعيين قاض للتحقيق بشأن ما إذا كانت وكالات الاستخبارات التابعة لها متواطئة في عمليات تعذيب لاشخاص يشتبه في تورطهم في الإرهاب قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وقال نائب رئيس الوزراء نيك كليج إنه سيدعم تحقيقا قضائيا بعدما تبين أن مسؤولين بريطانيين عقدوا عشرات الاجتماعات مع نظرائهم الأمريكيين.
وإذ ذكر مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي في تقرير أن تقنيات الاستجواب التي انتهجتها وكالة الاستخبارات المركزية ترقى إلى التعذيب مما ترتب عليه حملة إدانات موسعة لكن اسم بريطانيا لم يرد في التقرير ولا اسم حلفاء آخرين للولايات المتحدة الاخرين.
وقال متحدث باسم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لصحيفة «غارديان» إنه لم يتم طلب إجراء أي تنقيح لإزالة أي إشارة إلى مشاركة بريطانية في أي من عمليات التعذيب المزعومة أو تورط وأن أي تعتيم «كان سيستند إلى اسباب متعلقة بالأمن القومي بالطريقة التي ربما فعلناها مع أي تقرير آخر».
وأضاف كليج أنه سيؤيد تحقيقا بقيادة أحد القضاة إذا ذكرت لجنة الاستخبارات والشؤون الأمنية في البرلمان البريطاني التي تجري تحقيقاتها أن هناك تواطؤا مع الـسي.آي.إيه مما يترك تساؤلات بدون إجابة.
من جانبه يقوم الادعاء البولندي بالتحقيق في مدى علم قادة بولندا حول سجن سري كانت تديره وكالة المخابرات المركزية في غابة بولندية. وقال الرئيس البولندي السابق ألكسندر كواسنيفسكي في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء السابق ليزيك ميلر يوم الأربعاء الماضي إنه علم بوجود هذا السجن في بولندا.
وقال إن وكالة المخابرات المركزية منعت دخول مسؤولين بولنديين للموقع وهو فيلا في أكاديمية لتدريب رجال المخابرات البولندية وبالتالي لم يعرف أن الأشخاص الموجودين بالموقع يجري تعذيبهم.
وأضاف أنه بينما عرف هو وميلر باحتجاز الأشخاص هناك قيل لهما إن المعتقلين يتعاونون بإرادتهم مع المخابرات الأمريكية وسيعاملون معاملة أسرى الحرب.
ومع ذلك يقول محامون موكلون عن المعتقلين السابقين إنه حتى إذا كان المعتقلون عوملوا معاملة الأسرى – وهو ما لا يقر به المحامون – فإنه من غير القانوني اعتقال أي شخص سرا وإن بولندا ملتزمة قانونا بمنع حدوث ذلك.
ويثير نشر التقرير أسئلة مزعجة في الدول التي استضافت «المواقع السوداء» كما قد يعقد التعاون الأمني المستقبلي مع الولايات المتحدة.
وقال المحامي ميكولاي بترزاك الموكل عن عبد الرحمن النشيري الذي كان معتقلا في الموقع «بناء على معلومات وسائل الإعلام فإن التصريحات العلنية لكل من كواسنيفسكي وميلر تشير بالتأكيد إلى أن الادعاء لديه من الأسباب ما يدعو لأخذ أقوالهما.»
وأضاف «التصريحات التي أدليا بها في الآونة الأخيرة تشير للمرة الأولى إلى أنهما عرفا أن هناك أشخاصا رهن الاحتجاز في الموقع.»
ورفضت المخابرات المركزية الإدلاء بتعليق على أي شيء بما في ذلك تأكيد كواسنيفسكي أن الوكالة قدمت تأكيدات أن المعتقلين يتعاونون بإرادتهم مع المخابرات الأمريكية وأنهم سيعاملون معاملة أسرى الحرب.
ولم تبدأ الولايات المتحدة من جانبها أي ملاحقات قضائية لضباط في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أو آخرين شاركوا في برنامج التحقيق في الوكالة -الذي توقف الآن- فيما يتعلق بدورهم.
وكان التحقيق فتح في بولندا عام 2008 بشأن ادعاءات ثلاثة رجال -النشيري وأبو زبيدة ووليد بن عطاش – أنهم احتجزوا على خلاف القانون وانتهكت حقوقهم في موقع للمخابرات المركزية.
ولم يكشف الادعاء في أي وقت عن الأشخاص الخاضعين للتحقيق. وقال مصدر قريب من التحقيق لرويترز إن التحقيق يستهدف مسؤولين بولنديين ولم يدل بمزيد من التفاصيل.
كما أثار نشر التقرير تساؤلات في رومانيا وليتوانيا. وحجب التقرير اسماء الدول التي استضافت «المواقع السوداء» لكن التفاصيل الواردة في التقرير كانت متفقة مع معلومات أخرى تتعلق بمواقع احتجاز تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في هذين البلدين.
وقال رئيس وزراء ليتوانيا الجيرداس بوتكيفيسيوس يوم الأربعاء إنه يأمل أن يعيد البرلمان فتح التحقيق وطالب واشنطن بتبادل المعلومات المتعلقة بالموضوع.
وقال متحدث باسم رئيس الوزراء الروماني فيكتور بونتا في رسالة بالبريد الإلكتروني «الأحداث التي ذكرت في تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي بخصوص المخابرات المركزية الأمريكية حدثت قبل عشر سنوات تقريبا في ظل قيادة أخرى لرومانيا وهي الوحيدة التي تستطيع أن تدلي بتعليقات أو بيانات حول هذه الأحداث.»
وكان برينان قال في مؤتمر صحافي استثنائي في مقر سي آي ايه، نقل مباشرة عبر التلفزيون هو الأول في التاريخ الأمريكي، «ليست هناك أي وسيلة لمعرفة ما إذا كانت بعض المعلومات التي حصلنا عليها يمكن حيازتها بوسائل أخرى».
ورفض استخدام عبارة «تعذيب» قائلا «اترك لغيري أمر وصف هذه الأنشطة»، مشيرا إلى ان الاستخبارات المركزية الأمريكية «تحركت في مجال مجهول» بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر.
وأوضح «على مختلف المستويات، تحركت السي آي ايه في مجال تجهله. لم نكن مستعدين. كانت خبرتنا ضعيفة في احتجاز المعتقلين، فيما كان القليل من العملاء مدربين على إجراء استجواب».
ولم يندد ببرنامج الاستجواب لكنه اعتبر ان بعض عناصر الاستخبارات «خرجوا عن الإطار» المحدد لهم.
وردت ديان فاينستاين الرئيسة الديموقراطية للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ على مدير السي آي ايه نقطة بنقطة عبر تويتر وذلك أثناء إدلائه بتصريحاته.
وقالت فاينستاين ان «المعلومات الأساسية التي قادت إلى (زعيم القاعدة اسامة) بن لادن لم تكن مرتبطة بتقنيات الاستجواب المبالغ فيها»، معتبرة ان «السي آي ايه تجعل بلادنا أكثر أمنا وأكثر قوة وليس التعذيب. علينا التعلم من أخطائنا».
ولاحقا، اشادت في بيان بمبادرة برينان إلى تناول هذا الملف، ما يثبت ان «ادارة السي آي ايه مستعدة لتجنب تكرار ذلك».
واضافت «اتفق مع أمور كثيرة قالها برينان»، مشيرة خصوصا إلى عدم استعداد السي آي ايه وعدم قدرتها على تحديد فاعلية تقنيات الاستجواب المبالغ فيها للحصول على معلومات موثوق بها.
وفي ما يتعلق بالنقطة الاخيرة قالت «انه تغيير مرحب به في موقف السي آي ايه».
لكن القضية الخطيرة جدا بنظر ديان فاينستاين هي ان الوكالة قامت باختراق أجهزة الكمبيوتر للمحققين بينما كانوا يضعون اللمسات الأخيرة على التقرير حول قيام عناصر من السي آي به بممارسة التعذيب، لمحو ملفات تؤكد شبهات لجنة الاستخبارات.
ويرى عدد من الجمهوريين البارزين بشكل خاص انه من دون تلك الأساليب «المثيرة للاشمئزاز»، لما كانت الوكالة أدركت الدور المركزي لساعي اسامة بن لادن الذي دلها على موقع زعيم التنظيم المتشدد. لكن واضعي التقرير اعتبروا ان هذا القول مبالغ فيه، ويؤكدون ان مصادر أخرى كثيرة دلت على ذاك الرجل.
ومنذ نشر التقرير رفض البيت الابيض باصرار الإدلاء بموقف بشأن فاعلية التعذيب في الحصول على معلومات.
وقال جوش ارنست المتحدث باسم الإدارة الأمريكية الذي سئل مرارا بهذا الشأن «السؤال الاهم هو: هل كنا مضطرين إلى ان نفعله؟ والاجابة هي لا»، مضيفا ان اوباما يحتفظ بثقته كاملة بمدير السي آي ايه.
وكشف التقرير المؤلف من 500 صفحة والذي نشر الثلاثاء ان وسائل الاستجواب التي استخدمت ضد المعتقلين المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم القاعدة والتي تشمل الضرب والحرمان من النوم والايهام بالغرق كانت أسوأ مما كان معتقدا ولم تساعد في الحصول على مزيد من المعلومات من المعتقلين.