بدا التصعيد الأمريكي ضد روسيا أشد وطأة مما كان متوقعا، إذ فتحت إدارة بايدن نيرانها مبكرا على موسكو، ولم تستثن حتى رأس الهرم، الرئيس بوتين، الذي طاله الاتهام هذه المرة وبوضوح، فعندما سئل الرئيس بايدن: هل تعتقد أن بوتين قاتل؟ أجاب «نعم اعتقد ذلك»، ما أشعل أزمة دبلوماسية، استدعت على إثرها موسكو سفيرها في واشنطن لتدارس الأمر والنظر في كيفية الرد.
ما السبب وراء التوتر الأخير الذي أدى إلى تصعيد لهجة الاتهامات بين واشنطن وموسكو؟ وهل تقف وراءه ملفات دولية وإقليمية؟ ردت موسكو على الاتهامات، لكن هل جاء ردها بقوة اتهام بايدن؟ وهل ستؤثر هذه الاتهامات في مفاوضات «نيو ستارت» للحد من الأسلحة النووية بين الطرفين؟ كل تلك الأسئلة يتم تداولها وتحليلها اليوم في مختلف مؤسسات تحليل القرار في العواصم الكبرى.
يمكننا أن نشير إلى بداية التصعيد مطلع شهر آذار/مارس الجاري، عندما فرضت واشنطن عقوبات على سبعة مسؤولين روس كبار، على خلفية قضية ألكسي نافالني المعارض الروسي الأشهر لنظام بوتين، الذي تحمّل الولايات المتحدة الأمريكية موسكو مسؤولية محاولة تصفيته، في هجوم نفذ ضده يوم 20 آب/أغسطس 2020، وقد نقل نافالني على أثره إلى المانيا للعلاج، وبقي هناك حتى تماثل للشفاء من حالة التسمم التي كادت تودي بحياته، إذ صرحت الجهات الصحية الألمانية التي عالجته، بأنه تعرض للتسمم بنوع من غاز الأعصاب الذي تنتجه مختبرات المخابرات الروسية، بينما رفضت روسيا هذه الإدعاءات، وأنكرت أي علاقة لها بالموضوع. وقد عاد نافالني إلى موسكو في 17 كانون الثاني/يناير 2021، وتم اعتقاله فور وصوله مطار شيريميتييفو الدولي في العاصمة الروسية موسكو، قادماً من ألمانيا بموجب مذكرة سابقة صادرة بحقه بتهمة الاحتيال، ومازال قابعا في السجن حتى الآن. كما فرضت إدارة بايدن مجموعة من العقوبات على روسيا، على خلفية استخدام موسكو أسلحة كيميائية، إذ أعلنت وزارة التجارة الأمريكية، أنها ستوسع القيود على تصدير المنتجات الحساسة إلى روسيا، هذا التصعيد دفع الخارجية الروسية للتصريح برفض هذا التعامل، إذ صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابوف لوكالة أنباء «ريا نوفوستي» قائلا، «إن هذه الإجراءات لا تحسّن فرص تطبيع العلاقات». وأضاف، «الولايات المتحدة مسؤولة بشكل كامل عن التدهور الجديد في العلاقات الروسية الأمريكية، هذا أمر لا يرقى إليه الشك».
فتحت إدارة بايدن نيرانها مبكرا على موسكو، ولم تستثن حتى رأس الهرم، الرئيس بوتين، الذي طاله الاتهام هذه المرة وبوضوح
الملف الأحدث في قضية التوتر الروسي الأمريكي المتصاعد، هو تقرير صادر عن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية يحوي اتهامات لجهات روسية يشتبه في قيامها بهجوم إلكتروني ضخم على مصالح أمريكية استراتيجية، وكذلك أشار التقرير إلى دفع جهات روسية مكافأة لمقاتلي طالبان، لقتل جنود أمريكيين في أفغانستان. كما اتهمت الأجهزة الأمنية الأمريكية، ما سمته «جهات مرتبطة بالحكومة الروسية» بالتدخل مجددا في الانتخابات الرئاسية في 2020، بعد تدخلها في انتخابات 2016. لذلك جاء تصريح الرئيس جوزيف بايدن بخصوص هذا الأمر عنيفا، إذ ردّ على سؤال المذيع الشهير جورج ستيفانوبولوس في قناة (ABC) الأمريكية يوم الأربعاء 17 مارس الجاري، على سؤال حول طبيعة الرد الأمريكي على الأعمال الروسية، فقال، «سترون قريبا الثمن الذي سيدفعه فلاديمير بوتين»، كما أجاب الرئيس بايدن على سؤال مباشر من مقدم البرنامج هو، «هل تعتبر الرئيس الروسي قاتلا»، فأجاب «نعم أعتقد ذلك» وهذا التصريح هو الذي أشعل الأزمة الأخيرة بين البلدين. يبدو أن إدارة بايدن تبحث في كل الملفات العالقة والإشكالية التي خلفتها حقبة الرئيس السابق ترامب، وتحاول النبش فيها وبذل الجهود لإلغاء أو تعديل مساراتها. لذلك تمت مقارنة موقف الرئيس بايدن وتصريحاته النارية، بموقف سلفه الرئيس ترامب حول العلاقة مع روسيا والرئيس بوتين، إذ قال مراسل قناة «فوكس نيوز» في حوار تلفزيوني في شباط/فبراير 2017 أن فلاديمير بوتين «قاتل»، فعلق الرئيس الأسبق دونالد ترامب على ذلك بطريقة دبلوماسية فيها مواربة، حين قال «هناك الكثير من القتلة. هل تعتقدون بأن بلادنا بريئة؟».
الرد الروسي وفقا للمراقبين لم يكن بالقوة التي قد تؤدي لتصعيد الأزمة، أو غلق الباب في وجه العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، التقرير الأمريكي بأنه «ذريعة لإدراج مسألة فرض عقوبات جديدة على روسيا على جدول الأعمال». وأضاف في مؤتمر صحافي أن هذا التقرير «خاطئ ولا أساس له ويفتقر إلى الأدلة». وأكد أن «روسيا لم تتدخل في الانتخابات السابقة في 2016» التي أدت إلى فوز دونالد ترامب، و»لم تتدخل في انتخابات 2020» التي فاز فيها جو بايدن. كما اتهم رئيس مجلس النواب (الدوما) الروسي فياتشيسلاف فولودين يوم 17 مارس الجاري الرئيس الأمريكي بايدن، وقال إنه، «أهان كل الروس وهاجم بلاده». كما طلب نائب رئيس مجلس الحكام قسطنطين كوساتشيف من إدارة بايدن «توضيحات واعتذارات». لكن الرد الأوضح جاء على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال في تصريح متلفز، إن «القاتل هو من يصف الآخر بذلك». وأضاف» أذكر أنه في أيام الطفولة كنا نقول عندما نتجادل مع بعضنا في أفنية المنازل: من ينعت الآخر بشيء ما، فإن ذلك من صفاته هو.. وهذا ليس مصادفة أو مجرد مزحة أطفال، فهناك معنى نفسي مهم جدا فيها»، أما النقطة الأهم في حديث الرئيس بوتين، فقد انصبت على مستقبل العلاقات بين البلدين، إذ قال، «إن موسكو لن تقطع علاقاتها بواشنطن، بل ستعمل مع الولايات المتحدة بناء على ما يصب في مصلحة بلاده».
النقطة الأكثر إثارة جاءت عبر طلب الرئيس بوتين من نظيره الأمريكي، إجراء حوار تلفزيوني عن بعد يذاع على الهواء، إذ قال بوتين في حديث لقناة «روسيا 24» الخميس 18 مارس على خلفية تداعيات التوتر الروسي الأمريكي، «في المرة السابقة كان الرئيس بايدن من تقدم بمبادرة لإجراء مكالمة هاتفية. أود أن أقترح على الرئيس بايدن مواصلة مناقشاتنا، لكن شريطة أن نقوم بذلك عمليا على الهواء مباشرة، ومن دون أي مماطلات، وإنما في محادثة صريحة ومباشرة»، وأضاف «يبدو لي أن هذا سيكون في مصلحة كل من شعبي روسيا والولايات المتحدة، وكذلك الكثير من الدول الأخرى». وتابع الرئيس بوتين تعليقا على تصريحات الرئيس بايدن «يجب علينا الاحتفاظ بعلاقاتنا، لكي لا نتبادل الانتقادات اللاذعة غيابيا». جاء رد الرئيس بايدن مباشرة على دعوة الرئيس بوتين للحوار، إذ أعرب في تصريح إعلامي في البيت الأبيض عن قناعته بإجراء محادثة في مرحلة معينة مع نظيره الروسي، وقال، «إنني على يقين بأننا سنتحدث في مرحلة معينة»، لكن من دون أن يحدد موعدا. بينما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان – بيير، في مؤتمر صحافي، «إن الرئيس بايدن سيلتقي مع الرئيس بوتين حينما سيحين الوقت المناسب»، وأشارت جان – بيير إلى خلافات الرأي بين الرئيسين، لكنها أكدت على أنهما «متفقان على أن علينا مواصلة إيجاد سبل للعمل معاً في المجالات التي يمثل فيها ذلك مصلحة مشتركة»، ويبدو أن ملفات إقليمية ودولية مهمة ما تزال مفتوحة بين الطرفين، وأهمها استمرار العمل على إقرار اتفاقية «نيو ستارت» للحد من الأسلحة النووية، والملف الأوكراني، والملف النووي الإيراني. فهل سينجح الطرفان في تجاوز خلافاتهما والعمل على إنجاز الملفات المشتركة بنجاح؟
كاتب عراقي
أمريكا في أول ضعفها الآن, والدليل هو بالرد بالأقوال وليس بالأفعال!
عندما إحتل بوتين القرم, لم يفعل الأمريكان شيئاً لإستعادته سوى بالعقوبات الإقتصادية!! ولا حول ولا قوة الا بالله