الحادث الذي مات في اطاره الوزير الفلسطيني زياد أبو عين، وقع على اسرائيل في توقيت صعب جدا: الظروف والتوقيت الحالي اللذان يحملان في طياتهما مشاكل وتعقيدات سياسية، ويخدمان بشكل مباشر الاستراتيجية الفلسطينية. هذه استراتيجية تعمل على نقل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني من اطار المفاوضات المباشرة إلى الساحة الدولية.
التهديد ـ أو نصف التهديد، بالذات للحاجات الداخلية ـ لرئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، لوقف التنسيق الأمني مع اسرائيل بعد الحادثة التي مات فيها الوزير الفلسطيني نتيجة نوبة قلبية، لا ينبع من رغبة حقيقية في العودة إلى ما قبل هذا الاتفاق (الاتفاق الذي يخدم المصلحة الفلسطينية بشكل لا يقل بل من الممكن أكثر مما يخدم مصلحة اسرائيل)، على العكس، فان الرئيس أبو مازن يعرف جيدا أن ازدياد شعبية حماس وزيادة نشاطها في مناطق السلطة، تهدد أمنه ووجوده على كرسي الرئاسة اذا ما توقف التنسيق الأمني مع اسرائيل. كان هدف أبو مازن وما زال دفع خطوته السياسية في الامم المتحدة، وفي اوساط دولية اخرى مثل المحكمة في لاهاي والساحة الدولية والبرلمانات، بالذات في اوروبا، التي تميل أصلا بشكل اوتوماتيكي تقريبا إلى الموقف الفلسطيني وتقبل بدون أي تحفظ كل ادعاء ضد اسرائيل.
من هذه الناحية فان النتائج القاتلة للحادثة تلعب دورا في صالح أبو مازن. ويبني الفلسطينيون على أن الحرب ضد داعش وسعي الولايات المتحدة للحصول على تأييد واسع من العالم العربي سيجعل الولايات المتحدة مهتمة بحالة الانفعال، الحقيقية أو الوهمية، التي تحدث في اوساط الجمهور العربي في أعقاب موت أبو عين. لذلك فان اللقاء الذي دعا اليه وزير الخارجية الأمريكي كيري مع رئيس الحكومة نتنياهو في روما اليوم، سيناقش ايضا التأثيرات السياسية للحادثة.
أي سيحاول التوصل مع نتنياهو إلى صيغة تمنع امكانية انضمام الاوروبيين للعرب في الاقتراح الذي سيقدم لمجلس الأمن ويعلن عن اقامة دولة فلسطينية بعد عامين أو بصيغة مخففة حول انهاء الاحتلال في نفس الموعد.
صحيح أن واشنطن تعارض هذه المبادرات وقد أعلنت عن ذلك أمام الفلسطينيين والاوروبيين، لكنها لا تخفي أنها غير مرتاحة من التواجد في حالة تسلل والاضطرار إلى استخدام حق الفيتو ضد الاقتراح الفلسطيني بالذات كونه سيقدم من قبل الاردن، الحليفة المهمة لأمريكا في الحرب ضد داعش.
المهمة الدبلوماسية هي ايجاد صيغة ملائمة في هذا اللقاء السريع في روما، وهذا ليس بالامر السهل – ليس لكيري ولا لنتنياهو. ولن يهتم أحد في العالم بالسؤال حول ما الذي فعله وزير كانت بعض وسائل الاعلام تعتبره شخصية سلام، في المواجهة الفلسطينية العنيفة والمفتعلة مع قوات الجيش الاسرائيلي، كما أنهم لن يتطرقوا إلى حقيقة أن الفلسطينيين منعوا الممرضة الاسرائيلية من معالجة أبو عين، التي ربما أبقته على قيد الحياة.
القالب صُب وهو يخدم اهداف اعداءنا ومنتقدينا. صحيح أن أبو مازن غير معني لاسبابه بانهيار الأمن في الضفة الغربية لكنه معني بازدياد التوتر. ومن هذه الناحية فان موت أبو عين مثل الاحداث في الحرم، يجيب على حاجة وهدف أبو مازن للحصول على اجماع دولي واسع للخطوة وللتاريخ الذي حدده.
ولكن، مجرد التهديد الفلسطيني بوقف التنسيق الأمني مع اسرائيل يطرح السؤال الذي يلامس أساس كل اتفاق سياسي ممكن مستقبلا: اذا كان الطرف الفلسطيني قادر على الغاء الترتيبات الأمنية بهذه السهولة وبشكل احادي الجانب – كيف تستطيع اسرائيل الاعتماد على أي شرط امني بما في ذلك افراغ المناطق الفلسطينية من السلاح، ومنع الاتصالات العسكرية مع عناصر خارجية، كيف تضمن أن يكون هذا فاعلا ويتم تطبيقه بدون استمرار تواجد الاذرع الأمنية الاسرائيلية في كافة المناطق الفلسطينية؟
اسرائيل اليوم 15/12/2014
زلمان شوفال