القاهرة ـ «القدس العربي»: لقي قرار الحكومة المصرية بنشر الشرطة النسائية في الأماكن التي تشهد انتشارا لظاهرة التحرش الجنسي ردود أفعال متباينة، حيث رحبت به العديد من النساء باعتبار ان وجودهن يبعث على الاطمئنان، وان القرار دليل على الاهتمام بالحد من هذه الجريمة خاصة بعد تشديد العقوبات لتصل إلى السجن لخمس سنوات، إلا أن آخرين اعتبروا ان الحل يجب ان يكون أكثر شمولا من مجرد تشديد الأمن.
وأكد مساعد أول وزير الداخلية لشرطة النقل والمواصلات اللواء السيد جاد الحق في بيان امس الاول أن ضابطات الشرطة النسائية حصلن على دورات تدريبية قبل نزولهن إلى العمل لكيفية التعامل مع الخارجين عن القانون، وتأمين أرواح المواطنين. وأضاف إنه طالب بزيادة عدد الشرطة النسائية بمحطات المترو والسكة الحديد، للحفاظ على كرامة المرأة المصرية والحد من حالات التحرش.
وأكد أن مهمة الضابطات هي السيطرة على الجرائم والمخالفات داخل عربات السيدات وتفتيش حقائب النساء الموجودات على الأرصفة وداخل القطارات والتفتيش الذاتي للمشتبه بهن أو من تأتي بتصرف غريب في المحطات، موضحاً أنه يتم دراسة تعميم تجربة تخصيص بوابات لعبور السيدات في المحطات الرئيسية بالسكة الحديد وتزويدها بعناصر من الشرطة النسائية تتولى إجراء عمليات التفتيش لحقائب وأمتعة الراكبات أسوة بما يجري في محطات المترو».
عنف التحرش الجنسي
من جانبه قال الدكتور سعيد صادق استاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية لـ «القدس العربي»: لقد قامت الأجهزة الأمنية بعمل وحدة لمكافحة العنف ضد المرأة داخل وزارة الداخلية، والعنف الظاهر في الوقت الحالي هو عنف التحرش الجنسي، ويتم توظيف المرأة في هذا المجال نظرا لوجود مطالبات حول هذا الأمر، بسبب ظهور حالات تحرش تحتاج إلى ضابطات سيدات تسمع الشكاوى الخاصة بالضحايا، والسؤال الأهم هل ضابطات الشرطة قادرات على التصدي لهذه الظاهرة؟ ذلك أن المتحرش في أغلب الأوقات يحمل سلاحا، فهل هن مجهزات لذلك؟ خاصة وأنه نُشرت مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي شكاوى من ضابطات الشرطة لتشاجرهن مع الركاب السيدات، وأنا اعتقد ان انتشار الضابطات لا يحد من التحرش ولكنه مجرد حالة من حالات التعزيز الأمني و«شو» إعلامي أكثر مما له من تأثير حقيقي على المجتمع.
التربية أو القهر
أما الدكتور هاني مصطفى، اخصائي علم الاجتماع التحليلي، فقال لـ«القدس العربي»: عندما يريد الإنسان ان يسير في الاتجاه الصحيح فأمامه طريقان إما التربية أو الجبر والإقهار وطريق الجبر والاقهار أسرع من طريق التربية. وباعتبار انه لا توجد تربية فإن طريق الجبر والإقهار هو الأمثل لضبط الأمور، ولذلك فإن انتشار ظاهرة ضابطات الشرطة في المواصلات أمر عظيم جدا، وأعتقد ان مواجهة التحرش والسرقات لا يحد منه سوى ضابطات الشرطة، وأنا اتمنى استمرار هذه الظاهرة.
سرعة التدخل ضد المتحرش
وقال الدكتور رشاد عبد اللطيف، أستاذ تنظيم المجتمع في جامعة حلوان، لـ «القدس العربي»: هذا يعد إجراءً سليما وهناك 3 دوافع للقيام بهذا الأمر، حماية النساء اللاتي يتعرضن للتحرش، سرعة التدخل في حالة وقوع تحرش، إعطاء صورة بأن الشرطة لا يقتصر واجبها على توفير الامن فقط ولكن لها واجبا اجتماعيا ايضا وهو حماية المواطن.
وأضاف: أنا أعتقد ان استمرار ضابطات الشرطة في الشارع المصري نظرا لوجود مطالبات بتعيين الفتيات في الشرطة وهذا اتجاه قومي وحقيقي وليس ظاهرة لأنه أصبح لوجود ضابطات الشرطة أهمية كبيرة مثل أي دولة محترمة في العالم يوجد فيها ضابطات شرطة في المواصلات والأماكن العامة. وأنا أعتقد ان هذا الأمر يظهر اهتمام الدولة ولكن لابد وان يقابلها وعي مجتمعي ولا بد وان يتحدث الإعلام عن أهمية مساعدة ضابطات الشرطة أنفسهن لأنه من الممكن ان يتعرضن ضابطات الشرطة للتحرش من رجال أقوى منهن، ولكنهن دربن على أعلى مستوى وعلى درايه برياضة الكاراتيه وكيفية السيطرة على المتحرش سواء كان رجلا أو امرأة.
انقسام أمني
وعلى الجانب الامني بدا هناك انقسام في الآراء إذ قال العميد خالد عكاشة الخبير الأمني لـ «القدس العربي»: أنا اعتبره أداء جيدا للشرطة المصرية، وكان عنصرا ينقص الشرطة المصرية، هناك ظواهر كثيرة تتطلب عنصرا نسائيا يكون مؤهلا أمنيا لمكافحة تلك الظواهر وتكون الشرطية أجدر وأكثر فاعلية في التعامل معها وهذا يعد إجماليا شيئا إيجابيا. وأضاف أن إعداد الضابطات غير كاف في الوقت الحالي لأن الخطوة ما زالت في بدايتها، وعندما تثبت نجاحها وقدرتها على العمل سوف تصبح في المرحلة المقبلة أكثر تطورا وتأهيلا وتدريبا، والموضوع في بدايته ولكنه في الحقيقة يبشر بالخير، والمؤشرات تدل على نجاحه ويعد تطويرا للعمل الأمني في وزارة الداخلية.
أما اللواء عبد اللطيف البديني، مساعد وزير الداخلية الأسبق فقال لـ «القدس العربي»: إن القرار أمر سيء جدا، وكان من المفترض ألا يحدث، وذلك يرجع لأن الطبيعة الشرقية تختلف عن الطبيعة الغربية لأننا نقوم بالزج بالفتيات حتى لو كن ضابطات شرطة لأنهن في النهاية غير مؤهلات لمواجهة المخاطر التي من الممكن ان يتعرضن لها في المواصلات العامة.
وأضاف: أنا أرى ان هذا الموضوع يعد برنامجا إعلاميا وليس له أي علاقة بالمواجهة لأن مواجهة التحرش تحتاج إلى قوات شرطة متخصصة، وهذا لا يعني أنني ضد المرأة ولكن الطبيعة فقط تختلف، وإذا كانت تلك الضابطات تخرج ضمن قوة أمنية من أجل تفتيش النساء فهذا مقبول ولكن لمواجهة المتحرشين فهذا أمر غير مقبول. علينا التفرقة بين الأمرين.
روح الاطمئنان
قال اللواء علاء عز الدين، الخبير الأمني والعسكري لـ «القدس العربي» ان هذا الأمر يعد إيجابيا لأنه يبعث الاطمئنان والارتياح النفسي بين الفتيات والسيدات ويشكل نوعا من الردع المعنوي لمرتكبي هذه الجريمة، ويؤكد اهتمام الدولة بالمرأة بشكل إيجابي، ومحاولة فرض القيم الأخلاقية في الشارع المصري بعد انتشار الظواهر السيئة في الفترة الماضية.
وأضاف أن ضابطات الشرطة يتم اختيارهن بشكل سليم وليس بشكل عشوائي، على أن تكون لديهن سلطة وضبطية قضائية يستطعن من خلالها إلجام من يتجاوز حدوده معها أو مع غيرها، لأنه ليس من المنطقي ان أجعل رجل شرطة هو من يتعامل مع فتاة تعرضت للتحرش لأن هذا يؤدي إلى إحراج تلك الفتيات، ولكن عندما تتكلم مع ضابطة شرطة لا يوجد إحراج لأنهن من نفس الجنس، وأعتقد انه سيكون لهن دور في التقليل وليس القضاء على ظاهرة التحرش.