اننا نختنق

حجم الخط
8

التقيت زياد أبو عــــين مرة واحدة، وعن بعد، كان ذلك في القرية التي بناها شابات وشبان فلسطينيون على أراض مقدسية مصادرة، أطلقوا عليها اسم «باب الشمس». يومها أصبت بدهشة الأمل. ففلسطين التي يعيد المناضلات والمناضلون بناءها من تحت ركام الاحتلال والاستيطان لم ولن تموت.
أحسست بأنني جزء من نبض الحياة التي تتخذ لنفسها أسماء شتى، لكنها تصب في النهاية في نهر واحد اسمه الحرية.
الفلسطينيون والسوريون والعراقيون يريدون الحرية. لكن الحرية تتخذ لنفسها أشكالا متعددة، يصعب القبض عليها، وإدراجها في سياق واحد. وبسبب من تعقيدات الوضع ومساراته المختلفة، انتشر منطق تفتيت المعنى. فعن أية حرية يتكلم العراقيون وهم يعيشون اليوم بين صراع الهمجيات الطائفية، وفوقهم يحلق الطيران الأمريكي ويدفع بهم الى المزيد من التشرذم؟ وعن أية حرية يتكلم السوريون، وهم يعيشون بين مطرقة براميل النظام ومقصلة سكاكين داعش؟
أما الفلسطينيون فهم ضائعون بين هبات شعبية بلا قيادة كهبة القدس، وبين قيادات لا تدري الى أين تمضي، فيترسخ الانقسام، وتتشرذم القوى، بحيث تبدو مقاومات الفلسطينيين للاحتلال وكأن لا سياق يربطها ولا أفق يحدد مساراتها.
زياد أبو عين ورفيقاته ورفاقه في المقاومة ذهبوا الى قرية ترمسعيا كي يقاوموا مصادرة الأراضي. حملوا شتلات الزيتون من أجل زراعتها. فهذه القرية المهددة بالاستيطان الزاحف، شهدت مواسم اعتداءات المستوطنين على شجرة النور الفلسطينية، فقررت أن تشرك الأرض في مقاومة محاولات الاستيلاء على الأرض.
لم يقم الفلسطينيون بتظاهرة ضد مصادرة الأرض، كما بدا من الصور ومشاهد الفيديو، بل ذهبوا ليزرعوا الزيتون. حملوا الشتلات الصغيرة وانحنوا على الأرض كي يضمدوا جراحها، حين تصدت لهم آلة القمع الاسرائيلية.
استطيع أن أتخيل الرجل الخمسيني بشاربيه الكثيفين والحطة الفلسطينية الملفوفة على عنقه، وهو مصاب بالدهشة أمام أعقاب البنادق وقنابل الغاز.
كان يودّ أن يسألهم لماذا يكرهون الأرض وزيتونها؟ هل وعدهم إلههم بأرض يكرهونها؟ واذا كانوا يكرهون الزيتون فلماذا أتوا الى أرض الزيتون؟
لكن الكلام مع الضباط والجنود كان مستحيلا، لأن قنابل الغاز انتشرت في المكان، وبدأ الجنود يتقدمون والأقنعة على وجوههم من أجل اعتقال المشاركين في هذه المظاهرة الزراعية.
عندها تصدى لهم الرجل، كان دخان القنابل يحاصره، امتدت يد إلى عنقه كي تخنق صوته، بينما ضربه آخرون بأعقاب البنادق على صدره ومعدته.
أحس الرجل بأنه يختنق وصرخ أنه يريد الهواء لأنه لم يعد قادرا على التنفس، أخذوه إلى المستشفى حيث استشهد.
صرخة زياد بأنه لم يعد قادرا على التنفس، وبحثه عبثا عن الهواء، تلخص حاضرنا في فلسطين وسورية والعراق.
الحرية هي الهواء، قال زياد أبو عين قبل أن يموت.
يحق لنا أن نتساءل ماذا فعلت السلطة الفلسطينية بعد المأتم الوطني الذي أقيم للوزير الشهيد، لكن ليس هذا هو الموضوع، فلقد انخفضت توقعاتنا الى أدنى مستوى، ونحن نشهد كيف اختفى الهواء في فلسطين، ومعه تلاشت المعاني.
الموضوع هو أن العالم العربي بأسره يختنق بحثاً عن هواء الحرية الذي لا يجده. في الموصل وبغداد وفي دمشق والرقة لا هواء. لقد تلوّث الهواء بالجنون الطائفي من جهة، وبالقمع الوحشي المستمر من جهة ثانية. لم يترك الأسد الصغير في دمشق نسمة هواء واحدة، أما وجهه الآخر المتمثل بالخليفة الداعشي الذي لا يعرف سوى فقه واحد اسمه فقه الدم، فلقد تحوّل على يديه القمع المستتر ببراقع الخطاب القومجي على الطريقة البعثية، إلى قمع معلن تعلنه السكاكين وحجارة الرجم.
براميل وسجون تمارس فيها أبشع اشكال التعذيب من هنا ، وسكاكين وحجارة رجم من هناك، والمنطقة تدخل في زمن العتمة والعته.
المستبدان يحققان اليوم المشروع الأمريكي الذي أعلن عشية غزو العراق أن هدفه هو إعادة المنطقة الى العصر الحجري.
أما في فلسطين، حيث صاغ العنصريون الاسرائيليون قانون يهودية الدولة، وهو بالمناسبة قانون يشمل أرض اسرائيل وليس دولة اسرائيل، أي كل فلسطين، فإن الاحتلال ماض في سياسة القمع المطلق التي تعني شيئا واحداً هو استكمال التطهير العرقي لفلسطين الذي بدأ عام 1948.
لذا جاءت صرخة زياد أبو عين لتعبّر عن المرحلة.
إننا نختنق نريد الهواء لأننا لم نعد نستطيع أن نتنفس.
تلخص هذه الصرخة الفلسطينية صرخة المشرق العربي بأسره. الحرية هي أن نتفنس أولاً، إنها حقنا في الهواء، وحقنا في الكلام، وحقنا في بلادنا.
وكما يقوم الاسرائيليون الصهاينة بطرد الفلسطينيين من حقهم، يقوم الاستبداد والأصولية باستعباد الناس وطردهم من انسانيتهم.
شابات وشبان المقاومة الفلسطينية اكتشفوا في ترمسعيا أن معركة غرس شتلات الزيتون ليست معركة على الأرض والمياه فقط، بل هي معركة على الهواء.
الاحتلال يصادر الهواء بالغاز، ويطفئ نبضات القلب بأعقاب البنادق. والاستبداد وقفاه الداعشي والميليشيات الأخرى يصادرون حق الإنسان في الحياة.
إننا نختنق، هذه هي صرخة كل المضطهدين من إريك غارنر في ستايتن آيلاند في الولايات المتحدة إلى زياد أبو عين في ترمسعيا.
إننا نختنق. صرخ الفلسطيني وهو يتعهد بالاستمرار في المقاومة.
إننا نختنق، ونحن نصرخ بحثا عن الهواء، وبحثا عن مقاومة عربية شاملة لكل أشكال الاستبداد.

الياس خوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    فعلا نحن نختنق
    ولكن أما آنا لنا أن نتنفس الحرية التي ضحينا لها بكل شيئ
    لماذا غيرنا سلب منا حريتنا هل بسبب قوتهم أم بسبب ضعفنا

    لن نخضع بعد الآن ولن ينعم غيرنا بالحرية ان لم ننعم بها نحن

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ابو سامي د.حايك:

    توارد أفكار! هذا ما كتبته في بدء الربيع العربي و يعبر عملاقنا المفكر الياس خوري على ما وصلنا إليه فهل أنا حزين؟ لا فالتاريخ لا يعرف الحزن و لكنه كما قال غورباتشوف يعاقب من يصل متأخرا فعلينا وصل ما انقطع
    17.2.2010
    د.حايك
    الثوره و الهواء !
    ما تقدمه الثورات العربيه المباركه حاليا هو شيئ جامع في كل العالم العربي غيَّر الجو و الهواء فقد أصبحنا نتنفس هواء الحريه بعمق و دبَّت فينا الجرأه و الشجاعه على تحدّي الحكام و أصبحنا نقول “أنا أريد” و ليس ” أمرك سيدي” و أصبحنا لا نعبأ بالغيوم لأننا نعرف أن الشمس وراؤها و تفتَّحت العيون و أصبحت ترى إلى أبعد من الأفق و انتصبت القامه و إنتصر الإنسان و ذلك ليس في تونس و مصر فحسب لا بل في جميع أنحاء العالم العربي و أصبح الهواء النقي يتردد بين المحيط و الخليج يملأ الخياشيم و الرئات حتى تشبع و ينتفخ الصدر بفخر و إرتياح و عادت إلى الشفاه بسمة الأمل تقول شعوب أخرى ليست عربيه أن الثوره أوحت إليهم فلا نقلل من قيمة الهواء !

  3. يقول ابو سالم:

    نعم يا سيد خوري، اننا نختنق صباحا و مساء،لا رحمة في قلب الخانق،سواء كان صهيونيا او عربيا جهولا،او غربيا،ولكن الركسجين قادم،قريبا،

  4. يقول S.S.Abdullah:

    عنوان جميل يا إلياس خوري وعلم الكيان الصهيوني يحدد حدود المشكلة من النيل إلى دحلة، وما بين دجلة والنيل عنوان حلقة لبرنامج تحت المجهر على قناة الجزيرة يتكلم عن علاقة العراق بالعرب القوية من بداية التحضير لحرب عام 1973 بالتعاون مع إيران والتي على ضوئها حققنا أول انتصار حقيقي على الكيان الصهيوني ومن خلفه كل الدول الغربية من خلال استخدام لأول مرة السلاح الاقتصادي في الحرب بالتعاون ما بين الدول العربية وإيران، يوضح البعد الإنساني الحقيقي، وما بين دجلة والفرات نزلت جميع الرسالات بداية من آدم عليه السلام إلى إبراهيم وموسى وعيسى وآخرهم محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين، أي أنَّ جميع المؤمنين ليس فيهم أحد غريب عن هذه الأرض.

    تعاوننا مع شاه إيران عام 1973 يُثبت أننا حقيقة ليس لدينا مشكلة مع الشيعة، وليس لدينا مشكلة مع اليهود، ولكن الشيعة بعد الانقلاب على شاه إيران عام 1979 بدأت تدعي أن لهم ثارات فيما يخص الحسين قبل أكثر من ألف عام، كما بدأ اليهود يدعون أنَّ لهم ثارات فيما يخص السبي البابلي الذي قام به نبوخذ نصر قبل عدة آلاف من السنين ويريدون إعادة تلك الدولة من جديد تحت مسمى الكيان الصهيوني كما وعدهم بذلك الرئيس الفرنسي الجنرال نابليون بونابرت على اسوار عكا، واللافت للنظر أن الخميني عاد من باريس على طائرة فرنسية لاستلام القيادة في إيران في الثورة ضد شاه إيران.

    وأظن من حق إيران والكيان الصهيوني الخوف من أي جيش عراقي أو سوري أو فلسطيني، بعد أن أذاقها ذل الهزيمة عام 1973 بالنسبة للكيان الصهيوني وإيران في ثمان سنوات حرب ما بين أعوام 1980-1988، فلذلك من المنطقي أن تعمل على أن لا يتم إعادة بناءه على اسس بعيدة عن الفساد، ومن هذه الزاوية نفهم كيف أن حيدر العبادي وجد 50 ألف فضائي في الجيش العراقي، والله أعلم كم سيكون العدد في الأجهزة الأمنية كما أكّد ذلك نوري المالكي، في تبريره للفساد الذي اكتشفه حيدر العبادي في حملته الإصلاحيّة، وبدون قضاء عادل وجيش وأجهزة أمنية قوية لن يمكن الانتصار على داعش ونفس الوضع في سوريا وفلسطين، فلذلك إن لم يكن لإيران والكيان الصهيوني رغبة في أن توقف تدخلاتها لإفساد اسس الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية في العراق وسوريا وفلسطين، عليها أن تدخل هي بجيشها وأجهزتها الأمنية لمحاربة داعش وغزة، خصوصا وأن العراق وسوريا وفلسطين الآن يعانيان من عجز كبير في سداد عجز ميزانية الدولة بسبب انخفاض أسعار النفط حول العالم، على الأقل لإصلاح الخراب الذي قامت بها جيوش الكيان الصهيوني والسوري والعراقي في غزة وسوريا والعراق.

    ما رأيكم دام فضلكم؟

  5. يقول S.S.Abdullah:

    عنوان جميل يا إلياس خوري وعلم الكيان الصهيوني يحدد حدود المشكلة من النيل إلى دحلة، وما بين دجلة والنيل عنوان حلقة لبرنامج تحت المجهر على قناة الجزيرة يتكلم عن علاقة العراق بالعرب القوية من بداية التحضير لحرب عام 1973 بالتعاون مع إيران والتي على ضوئها حققنا أول انتصار حقيقي على الكيان الصهيوني ومن خلفه كل الدول الغربية من خلال استخدام لأول مرة السلاح الاقتصادي في الحرب بالتعاون ما بين الدول العربية وإيران، يوضح البعد الإنساني الحقيقي، وما بين وادي الرافدين ووادي النيل نزلت جميع الرسالات بداية من آدم عليه السلام إلى إبراهيم وموسى وعيسى وآخرهم محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين، أي أنَّ جميع المؤمنين ليس فيهم أحد غريب عن هذه الأرض.

    تعاوننا مع شاه إيران عام 1973 يُثبت أننا حقيقة ليس لدينا مشكلة مع الشيعة، وليس لدينا مشكلة مع اليهود، ولكن الشيعة بعد الانقلاب على شاه إيران عام 1979 بدأت تدعي أن لهم ثارات فيما يخص الحسين قبل أكثر من ألف عام، كما بدأ اليهود يدعون أنَّ لهم ثارات فيما يخص السبي البابلي الذي قام به نبوخذ نصر قبل عدة آلاف من السنين ويريدون إعادة تلك الدولة من جديد تحت مسمى الكيان الصهيوني كما وعدهم بذلك الرئيس الفرنسي الجنرال نابليون بونابرت على اسوار عكا، واللافت للنظر أن الخميني عاد من باريس على طائرة فرنسية لاستلام القيادة في إيران في الثورة ضد شاه إيران.

    وأظن من حق إيران والكيان الصهيوني الخوف من أي جيش عراقي أو سوري أو فلسطيني، بعد أن أذاقها ذل الهزيمة عام 1973 بالنسبة للكيان الصهيوني وإيران في ثمان سنوات حرب ما بين أعوام 1980-1988، فلذلك من المنطقي أن تعمل على أن لا يتم إعادة بناءه على اسس بعيدة عن الفساد، ومن هذه الزاوية نفهم كيف أن حيدر العبادي وجد 50 ألف فضائي في الجيش العراقي، والله أعلم كم سيكون العدد في الأجهزة الأمنية كما أكّد ذلك نوري المالكي، في تبريره للفساد الذي اكتشفه حيدر العبادي في حملته الإصلاحيّة، وبدون قضاء عادل وجيش وأجهزة أمنية قوية لن يمكن الانتصار على داعش ونفس الوضع في سوريا وفلسطين، فلذلك إن لم يكن لإيران والكيان الصهيوني رغبة في أن توقف تدخلاتها لإفساد اسس الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية في العراق وسوريا وفلسطين، عليها أن تدخل هي بجيشها وأجهزتها الأمنية لمحاربة داعش وغزة، خصوصا وأن العراق وسوريا وفلسطين الآن يعانيان من عجز كبير في سداد عجز ميزانية الدولة بسبب انخفاض أسعار النفط حول العالم، على الأقل لإصلاح الخراب الذي قامت بها جيوش الكيان الصهيوني والسوري والعراقي في غزة وسوريا والعراق.

    ما رأيكم دام فضلكم؟

  6. يقول Ossamah Kullijah/Syria-Germany:

    ائع هذا السؤال يااخي الياس اذا كانا لصهاينه يكرهون الزيتون فلماذا جاءوا الى ارض الزيتون اللهم الا اذا كان هذفهم بالاساس هو قتل وحرق الزيتون في ارض الويتون ارض السلام والمحبة وهكذا تجمعنا المأسي في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان ومصر و…. ويجمعنا شهداء الحرية لا السياسة التي تعرّف على انها فن قيادة الشعوب! نحمد الله ونسجد له شاكرين على نعمته بان يجمعنا شهداء الحرية وإن فرقتنا انظمة القمع والقهر والاستبداد ولن يموت حق وراءة مطالب بإذن الله

  7. يقول Saleh OWEINI:

    Shukran ustad Elias!
    Saleh Oweini
    Stockholm

  8. يقول فلسطيني:

    وهل أجمل من الهواء والحريه التي
    أتانا بها حملة الفكر الوهابي وأصحاب
    أمريكا والسيوف والمعاول والمال الأسود

إشترك في قائمتنا البريدية