بينّا في مقال الأسبوع الماضي مقدار العجز وشبه الشلل اللذين أصيب بهما النظام القومي والإقليمي العربي، ممثلا بالجامعة العربية، والنظام التكافلي الإسلامي، ممثلا بمنظمة التعاون الإسلامي، تجاه أي مساهمة في إطفاء الحرائق التي يعيشها الوطن العربي حاليا.
ولما كانت غالبية سلطات الحكم العربية الوطنية هي الأخرى قد فشلت في حل مشاكل دولها الداخلية والخارجية، فقد قاد كل ذلك إلى وجود فراغ سياسي وأمني في طول وعرض الوطن العربي، الأمر الذي أفضى إلى أن تملأه قوى أجنبية خارجية، ممثلة في الغالب بالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وبعض دول أوروبا، والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وإيران وتركيا.
اليوم أسأل عن الأسباب التي تمنع وجود محاولات جادة لحل الأزمة الاقتصادية والسياسية المستفحلة في لبنان، أو إنهاء الجحيم الكارثي الذي يعيشه الشعب العربي السوري الشقيق، عبر العشر سنوات الماضية، أو مواجهة الأزمات المتباينة التي تواجهها أقطار، مثل مصر أو السودان أو العراق أو ليبيا أو بعض أقطار الخليج العربي، مع أن في جميعها حكومات وقوى سياسية مدنية، قادرة على مواجهة تلك الأزمات، والسعي لتقديم حلول متوازنة معقولة. إسأل عن الأسباب لتجد أن الجواب في جميع الأحوال هو واحد: نحن بانتظار الضوء الأخضر، الذي لم يصدر بعد من هذه الدولة الخارجية المعنية، التي لها مصالح استعمارية، أو تلك الدولة الإقليمية التي لها أطماع، أو لديها أوهامها الخاصة بها.
تراجع مفجع للإرادة السياسية الوطنية والإرادة السياسية القومية الجمعية، وقد أصبح الوطن العربي أرضا مستباحة للجميع
نحن أمام تراجع مفجع للإرادة السياسية الوطنية والإرادة السياسية القومية الجمعية، بحيث أصبح الوطن العربي أرضا مستباحة لكل من هب ودب. والغريب أن قبول تلك الاستباحة المخجلة، بدأ يستقر في الوعي السياسي الجمعي في المجتمع المدني العربي، وفي وعي الملايين من الأفراد، الذين يتغذون يوميا بالافتراءات على هذه الأمة، وتحقير تاريخها ومستقبلها، التي تنشرها آلة الدعاية الاستعمارية الصهيونية، في ألف شكل وشكل. ليس بمستغرب إذن أن يكون العربي الذي حارب وقاسى ومات طيلة القرن الماضي في سبيل حريته وحرية وطنه وخروجه من قبضة الهيمنة العثمانية، وبعدها من هيمنه القوى الاستعمارية، هذا العربي يقبل اليوم بدون صوت رافض، أو مقاومة احتجاجية خطابات الوزراء أو الرؤساء الأجانب، وهم يتلفظون بكلمات التدخلات والتوجيهات والتقريعات والاستهزاءات بشأن هذا الوضع العربي القطري أو ذاك. قمة هذا القبول المبكي هو ما سمعنا عنه هذا الأسبوع، من انقسام القائمة الفلسطينية العربية الانتخابية في فلسطين المحتلة، بين قابل للتعاون والتنسيق مع حزب الليكود وزعيمه في الانتخابات التي جرت منذ يومين، ورافض لأي اقتراب من ذلك الحزب الصهيوني الفاشي. حتى أمام الأسياد الذين يتعاملون معنا كعبيد وأذلاء ومواطنين من الدرجة الثانية، نقبل بإرادة سياسية عاجزة ومنقسمة على نفسها. نحن إذن أمام ظاهرة الاستعداد لقبول العبودية الاستعمارية، التي كتب عنها مالك بن نبي منذ عقود، والتي بين فيها أن هناك شعوبا لديها هذه القابلية أكثر من غيرها. لا بد أن هذا الكاتب العربي المغاربي الرائع، يتعذب في قبره حسرة ولوعة.
نحن إذن أصبحنا أمة الانتظار أمام أعمدة النور الأحمر، بانتظار أن تتصدق علينا جهة خارجية وتضغط على زر النور الأخضر المخبأ في واشنطن أو موسكو أو تل أبيب أو طهران أو أنقرة أو باريس، والقائمة ستطول وتتعاظم على ما يبدو.
نحن لا نتوجه إلى الجيل العربي السابق، الذي يجلس معظم مناضليه القدامى في كراسي العجز والبلاهة، وهم يتفرجون ويتحسرون، فقد فقدنا الأمل في وعيهم وتعاضد مؤسساتهم وتجمعاتهم وإرادتهم والتزامهم العضوي. وإنما نتوجه إلى جيل المستقبل، إن كان يريد أن يمشي في وطنه العربي وهو مرفوع الرأس.
كاتب بحريني
أليس من الغريب وبشكل تلقائي أن نصبح حراسا لحدود سايكس بيكو التي وضعها المستعمر والأسوأ من ذلك أننا تتطبعنا مع الأمر وبلعنا الطعم وأصبحنا نحن من يقوم بتجزيء المجزأ . الإستعمار رسخ في عقولنا الفكر القومي والطائفي وما العروبة وجامعتها إلا كلمة حق أريد بها باطل حتى لا يقوم لمفهوم الأمة قائمة ولمحوها من الذاكرة.