الناس تركب القطارات للذهاب للعمل لا للمقبرة… ومأساة سوهاج تعزز مطالب الأغلبية بضرروة رحيل الحكومة

حسام عبد البصير
حجم الخط
1

القاهرة ـ «القدس العربي»: الخبر السار في صحف الاثنين 29 مارس/آذار بالنسبة للعالم إعلان الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس نجاح أعمال تعويم سفينة الحاويات البنمية الجانحة EVER GIVEN، بعد استجابة السفينة لمناورات الشد والقطر، التي تمت فجر أمس. قال ربيع إنه تم تعديل مسار السفينة بشكل ملحوظ بنسبة 80%، وابتعاد مؤخرة السفينة عن الشط بمسافة 102 متر بدلا من 4 أمتار. ووجه الفريق ربيع رسالة طمأنة للمجتمع الملاحي الدولي باستئناف حركة الملاحة مرة أخرى في القناة بمجرد الانتهاء من تعويم السفينة بشكل كامل قريبا.
وبدوره حرص الرئيس السيسي على مخاطبة العالم قائلاً: لقد أثبت المصريون اليوم أنهم على قدر المسؤولية دوما، وأن القناة التي حفروها بأجساد أجدادهم، ودافعوا عن حق مصر فيها بأرواح آبائهم.. ستظل شاهدا على أن الإرادة المصرية ستمضي إلى حيث يقرر المصريون. ومن جانبها حرصت الحكومة على نفي شائعة ترددت على نطاق واسع بشأن تأثر أنفاق قناة السويس بأعمال التكريك، التي تمت حول السفينة الجانحة في القناة. ومن معارك الصحف تراشق بين أنصار الفن وخصومهم، بسبب مشاركة الفنانة التونسية هند صبري نجوم مصر في الاحتفال الكبير لنقل مومياوات ملكات وملوك مصر الفرعونية للمتحف الكبير.. ومن أخبار الحوادث قرار النائب العام حبس سائقي قطاري سوهاج على ذمة التحقيقات التي تجريها النيابة العامة.
فلنحذر من هذا

ما يقلق في أزمة السفينة الجاثمة في قناة السويس، كما قال سليمان جودة في “المصري اليوم” ليس حجم خسائرنا اليومية التي تصل إلى 14 مليون دولار، وفق تقديرات الفريق ربيع، ولا حتى ما يقال عن قيمة المتعطل من السلع العابرة في القناة كل يوم، بين شمال العالم وجنوبه.. هذا كله وارد في ظرف طارئ من هذا النوع.. ولكن ما يقلق حقًا هو الحديث عن مسارات بديلة للقناة، وقد بدأ مثل هذا الحديث همسا على استحياء.. ثم صار يقال علنا على الملأ. من ذلك ما نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة “السياسة” الكويتية على لسان كاظم جلالى، سفير إيران لدى العاصمة الروسية موسكو. قال الموقع ما يلى نصا: أكد سفير إيران لدى موسكو، كاظم جلالي، ضرورة تفعيل ممر «شمال جنوب» بديلا عن قناة السويس، وكتب جلالي في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الإسراع في إكمال البنى التحتية وتفعيل ممر «شمال جنوب» كبديل عن ممر قناة السويس يحظى بالأهمية أكثر مما مضى. وأضاف السفير الإيراني أن: ممر «شمال جنوب» الذي يختصر الزمن حتى عشرين يوما، والتكاليف حتى ثلاثين في المئة، يُعد خيارا أفضل كبديل عن قناة السويس في مجال الترانزيت.. ثم اختتم جلالي كلامه، فقال: الحادث الأخير مؤشر إلى ضرورة البحث عن بديل أقل خطورة من ممر قناة السويس، الذي يعبر منه أكثر من مليار طن من السلع سنويا. هذا ما قاله السفير الإيرانى حرفيا.. ورغم تداول كلام كثير بهذا المعنى منذ بداية جنوح السفينة، إلا أنه هذه المرة ليس أي كلام، وإنما هو كلام سفير دولة كبيرة في الإقليم لدى دولة أكبر في العالم، وكلامه منشور باسمه ووظيفته وصورته.. تساءل الكاتب: ما الحكاية بالضبط؟ قال العرب قديما: وراء الأكمة ما وراءها.. واليوم يبدو مما يجري أمامنا، ويقال، ويتم تداوله، أن وراء السفينة ما وراءها.

باقون رغم الجريمة

بون شاسع يفصل بيننا وبين الدول المتقدمة، كما أوضح هشام مبارك في “الوفد”: ترحل الحكومات والأنظمة، وتسقط من تلقاء نفسها في أوروبا والدول المتقدمة، عندما يقع حادث مثل حادث تصادم القطارين البشع الذي وقع يوم الجمعة الماضية، على خط الصعيد ونتج عنه اثنان وثلاثون ضحية ومئات الإصابات. نعم تستقيل الحكومة وترحل كأبسط رد فعل، وأقل تعزية يتم تقديمها لأسر الضحايا. سيقول قائل إن المسئولية غير مباشرة، فلا رئيس وزراء كان يقود القطار الأول، ولا وزير كان يقود القطار الثاني، نعم ذلك صحيح لكن المسؤولية تقع ضمنيا ضمن اختصاصات الجميع، حتى لو كان الإهمال هو المسؤول الأول عن الحوادث، فهؤلاء المسؤولون هم السبب الرئيسي في تفشى الإهمال ووصوله إلى هذه الدرجة المرعبة من الاستهتار بحياة الناس. المسؤولون يجب عدم اعفائهم من المسؤولية أبدا.
واصل الكاتب مندداً بالقتلة : يجب أن لا نتعامل مع كل حادث على أنه ناتج عن إهمال بعض صغار المسؤولين، ونكتفي بعقابهم، ثم نغلق الملف، بدون عقاب كبار المسؤولين، لو استمر هذا التعامل فلن تنتهي أبدا هذه الحوادث، وسيظل نزيف الغلابة مستمرا، سواء تحت عجلات قطار، أو أتوبيس، أو تحت أنقاض عمارة سكنية، أو حتى غرق عبّارة، تكاتفت كل أجهزة الدولة وقتها لتهريب صاحبها لضمان نجاته من العقاب. وهو ما يحدث يوميا في حوادث السكة الحديد، وغيرها من الكوارث عندما يتم الاكتفاء بكبش فداء صغير حماية للكبير من المسؤولية. فعلى الأقل تكون استقالة هؤلاء هي أقل رد فعل وعقاب لهم على تلك الجرائم، التي يتم ارتكابها يوميا في حق المصريين بشكل عام والصعايدة بشكل خاص.

من يحنو عليهم؟

أوضح هشام مبارك، أن الصعايدة الذين لا يجدون من يحنو عليهم ويطبطب على آلامهم مع إصرار الدولة على أن تتعامل معنا معاملة الدرجة الثانية والثالثة، وربما وصلنا للعاشرة حاليا. كما اقترح الكاتب إضافة عبارة في اليمين الدستورية التي يقسمها أي مسؤول يتولى المسؤولية في هذا البلد تقول هذه العبارة، “وان أعتبر نفسى مستقيلا تلقائيا لو وقع حادث نتيجة الإهمال، ودفع ثمنه ولو حتى مواطن واحد من المصريين”. بهذا القسم يصبح رحيل هؤلاء المسؤولين عملية تلقائية، لا تحتاج أن يتقدم أي منهم باستقالته، ولا يحتاج لأن يصدر لهم قرار إقالة من سلطة أعلى منهم. وقتها فقط يصبح الجزاء الفوري، حتى إن كان هذا الجزاء هو الحد الأدنى. لكن ما يحدث حاليا تهريج واستهتار بأرواح الناس تحت حجج ومبررات واهية أخطرها ما قاله رئيس الحكومة، في مؤتمره الصحافي في سوهاج، إن هذا الحادث لن يكون الأخير طالما أن المرفق كله في طور التطوير، وإعادة الهيكلة. كلام غريب غير مفهوم. من قال إن تطوير أي مرفق لا بد أن تكون له ضحايا يدفعون الثمن كل يوم من حياتهم ودمائهم؟ واختتم الكاتب متجاوزاً الخطوط الحمر: نداء أخير لكل المسؤولين في هذا البلد: أيقظوا ضمائركم لو كانت لديكم ضمائر، وتحملوا المسؤولية ولو مرة واحدة في حياتكم، أو استقيلوا غير مأسوف عليكم.

الجريمة والعقاب

من أصعب الظواهر السلبية في حياة الشعوب أن تصبح السلبيات شيئا عاديا في حياتهم.. أن تصبح الجرائم سلوكا عاديا، وأن يصبح الموت شبحاً يطارد الناس كل لحظة.. ولهذا لم يعد غريباً أن تشهد خطوط السكة الحديد كل يوم كارثة جديدة، تابع فاروق جويدة في “الأهرام”: لقد أنفقت الدولة مليارات الجنيهات على تجديد وتطوير منظومة السكة الحديد، وكانت قد وصلت لأسوأ حالاتها.. وقامت الحكومة بشراء أعداد كبيرة من العربات والقاطرات، ولكن للأسف الشديد لم ينعكس ذلك على مستوى الأداء والخدمات.. فقد شهدت الفترة الأخيرة زيادة كبيرة في عدد الحوادث وضعت هذا القطاع المهم أمام تحديات جديدة. وعلى عكس ما يرى الكثير أوضح جويدة، أن وزير النقل الفريق كامل الوزير بذل جهدا واضحا في مواجهة الحوادث المتكررة في السكة الحديد.. ورغم تجديد المعدات والعربات وأعمال الصيانة، فإن مستوى الأداء لم يصل إلى درجة الأمان المطلوبة. كلنا يذكر أن حوادث السكة الحديد في سنوات مضت كانت سببا في إقالة اكبر عدد من الوزراء في حكومات متعاقبة.. ولم تعد إقالة الوزير هي الحل، ولكن الأزمة الحقيقية في مستوى الإدارة ودرجة الانضباط والصيانة والمتابعة. نحن أمام آلاف القطارات التي تنطلق في كل مكان تنقل ملايين المواطنين، ولا يعقل أن يخرجوا من بيوتهم لهذا المصير المؤلم.. في حوادث كثيرة سبقت كان الضحية هو السائق، وقليلا ما نالت الجريمة مسؤولا كبيرا.. ويرى الكاتب أن حجم الضحايا أصبح كبيراً، وأن وفاة 19 إنساناً و185 مصاباً ليست أرقاماً عادية، وإن تعدلت أكثر من مرة في أكثر من بيان.. وكان تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن الدولة سوف تواجه أي شبهة تقصير أو فساد في هذه الحادثة، بكل الحسم والعقاب. الشيء المؤسف أن حوادث القطارات وكوارث السكة الحديد، أصبحت ظواهر متكررة.. وأن سقوط الضحايا أصبح أمراً عادياً، ولهذا لا بد من وقفة لأن أرواح الناس ليست بهذه البساطة.

هناك أمل

خلال اليومين الماضيين، والكلام لأكرم القصاص قي “اليوم السابع” جرى الكثير من التحركات على مستويات مختلفة من الدولة، تجاه ما جرى من حوادث، أهمها الدفع نحو عدم تكرار هذه الحوادث مستقبلا، خاصة في ما يتعلق بحوادث القطارات، ومنذ اللحظة الأولى، قرر الرئيس تشكيل لجنة خبراء تبحث أسباب الحادث بشكل علمي، فضلا عن دراسة التقارير، التي سبق إصدارها بهذا الشأن، بجانب تحقيقات النيابة العامة. وقد استمع الرئيس السيسي للنتائج، التي تم التوصل إليها وما يتعلق بالملابسات الأولية، وعلى الشق التقني لحادث قطاري سوهاج، حسبما أعلنه المتحدث باسم الرئاسة، وهو عدم تكرار تلك الحوادث مستقبلا، في ظل ما يتم إنفاقه من مئات المليارات، لتطوير مرفق السكة الحديد. وأشار إلى وجود عدة سيناريوهات عقب الحادث، أحدها إيقاف الحركة حتى يتم الانتهاء من منظومة التشغيل والأمان بالكامل ثم إعادة تشغيلها مرة أخرى، ولكن هذا السيناريو يصطدم بمئات الآلاف من المسافرين يوميا، تخدمهم خطوط السكة الحديد شمالا وجنوبا، وبالتالي فإن إيقاف الحركة يعطل هؤلاء الذين يعتبرون القطارات هي الأرخص والأكثر أمانا، ما يترتب عليه ضغط على باقي وسائل النقل والطرق، ما يمثل أعباء في اتجاهات متعددة، وبالتالي ليس هناك مفر من العمل في تركيب نظم الأمان الذكية، مع تحمل بعض المخاطر، والتعطيل المرتبط ببطء التشغيل، حرصا على الأمان. هناك أمل في أنه بعد تركيب منظومة حديثة من جرارات وعربات القطارات، يهدف إلى التحكم الآلي في سرعة القطارات وأيضا نظام الإشارات، لكن الأمر بالفعل يحتاج أيضا إلى تطوير العنصر البشري وتدريبه على التعامل مع المنظومة الجديدة، مثلما هو حادث في مترو الأنفاق، حيث يتراجع العنصر البشري لصالح العمل الأوتوماتيكي والإلكتروني، ضمن منظومة مترابطة ودقيقة. لا يمكن تجاهل وجود ثغرات في العنصر البشري، وهو ما أشار إليه الرئيس في كلمته، عقب الحادث «الإهمال والفساد»، وهي تتعلق بالعنصر البشري.

وحدهم الفقراء

جسدت منى ثابت في “المشهد” دور الناطق بلسان حال المصريين: نحن الشعب المصري موجوع القلب مذهول العقل، نطالبكم بإعلان المسؤول المباشر عن ضرب الأمل كلما أطل.. واحتفظوا أنتم حكومة ومجلس نواب بتقارير اللجان، سئمنا تكرارها.. أصوات الاستغاثات ودماء الضحايا جددت إعلان نتيجة الحوادث والتوصيات نفسها.. وحاسبوا تلفزيون الدولة على إعلان الضحايا شهداء. ولتسحب الوزيرة تصريح إنجازاتها في توفير أكياس الدم، التصريح ملوث بشبهة تفريق متبرعين توافدوا لإنقاذ المصابين، خوفا من انفجار الغضب والحزن.. قطعت الحكومة ورئيسها زيارة الغردقة لتنشيط السياحة، وهرعت للفرجة على الحادث.. أقول لكم زيارتكم للمصابين أربكت الأطقم الطبية، قوات تأمينكم منعت عنكم رؤية حجم المأساة على وجوه المتبرعين بالدم، والاستماع لشهود العيان من الأهالي الذين أسرعوا بالمناشير الكهرباء، لرفع الحطام وإنقاذ الركاب، لتأخر ونش السكة الحديد، القوات المسلحة سبقته كالعادة، صعايدة قرية (بنهو) الفقراء اعتادوا التجمع للفرجة على جمال قطارات إسبانيا وروسيا، والحلم برؤيتها من الداخل، كرهوها، يوم الحادثة ـ الجمعة- أعلنت الهيئة القومية لسكك حديد مصر، أن مجهولين فتحوا “بلف الخطر” في القطار الروسي المميز 157 سوهاج، فتوقف فجأة ليصطدم به الإسباني، وبسرعة انطلق اللهو الخفي يشيع على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الباعة الجائلين اعتادوا اللعب في البلف عشان ينزلوا، فطلب الدكتور مدبولي منع التصريحات من أي جهة لحين انتهاء اللجان.. امتثل التلفزيون، واسترجع شرائط شهامة المصريين في الكوارث، وتذكير المؤمنين أن الموت علينا حق، وحوادث القطارات قدر، أما أسوأ مشاهد الحكومة، فهو مزاد التعويضات، وأراه اعلان عجز وخزي وتقصير، ونداء مستتر لرجال الأعمال للتبرع، وأهو مخصوم من الضرائب.

حلقة مفقودة

نبقى بصحبة منى ثابت، التي طالبت بفك لغز ما جرى في حادث قطار سوهاج: تاني يوم الحادث، أعلنت الهيئة بشجاعة تستحق التكريم، أن موقع الحادث تم تطوير إشاراته لمسافة 12 كيلومتر، والمنطقة تم تحديثها بنظام إلكتروني حديث (EIS) يوفر أعلى درجات الأمان، يعني خطة التطوير تمت، إذن هناك حلقة مفقودة معروفة للهيئة تسببت في الحادث، وأعتقد أنها تحديث العمالة، فهل ستكملون خطة الوصول إلى نجع حمادي بطول 180 كيلو بالضمانات نفسها، وظهر مصدر محروق القلب، “واحتمال يكون مسؤول متابعة السيستم، العارف بالحقيقة وبأنه هايلبس” صرح بوجود مشكلة فنية في التحويلة تسببت في سير القطار الإسباني المكيف على السكة نفسها الواقف عليها الروسي الفاخر. نفهم أن مليارات اتصرفت، لاستبدال العنصر البشري وتخفيض الحوادث، فمن هو المسؤول الذي خرجت الدولة كلها تتوعده وتهدده بالأمس؟ المستورد المرتشي، أم مسؤول الرقابة والمتابعة، لأن وزارة المالية موقفة التعيينات؟ أم عامل التحويلة المستمر في موقعه، بدون تحديث، فنام مللا لأن السيستم صاحي؟ وكاميرات المراقبة عطلانة؟ الإهمال مروع، والحقائق لن يمنع انتشارها أمر، أو رجاء.. تأخر الإنقاذ حصد أرواحا، وبالمثل الإنقاذ بالشهامة، لأن قواعده مجهولة لم تعلّمها المدارس، أو وزارة الصحة، أو الإعلام. لا تقيلوا وزير النقل، ولا تقبلوا استقالته، من حقنا معرفة ما عجز عن إصلاحه، ولتكن عقوبته هي إتمام واجبه.. بل أقيلوا وزير الإعلام بقانون العيب للتقصير في واجب الاجتهاد لعرض الحقيقة، لم نسمع إلا صياح الغربان حول الجثث، نطالبكم بإعلان المسؤول المباشر اليوم وليس غدا.. ولتحتفظوا بتقارير اللجان، لا نريد قراءتها.

الحقيقة المرة

رسالة مهمة تلقاها عمرو الشوبكي في “المصري اليوم”، من القارئ محمد السيد رجب رسالته جاء فيها: أقولها لك بأعلى صوتي إن إثيوبيا لا تريد التفاوض ولن تتنازل عن التعنت، وسوف تقوم بالملء الثاني في يونيو/حزيران المقبل». لندَع العالم كله، فهو لا يحمي الحق، بل يقف مع القوة، والآن إثيوبيا، لأسباب عديدة، بعضها ظاهر والآخر مجهول، تعتقد أن موقفها هو الأقوى، كما تؤمن أيضا بأن الحق ليس معها، لذا فهي تخشى العقل والمنطق والعرف والقانون والنظم الدولية. وهل يمكن أن يكون نصيب المواشي والأبقار في إثيوبيا من مياه النيل أكثر من نصيب الإنسان المصري والسوداني؟ إن إثيوبيا لم تعد تتفاوض، بل هي فقط تعمل على ضياع الوقت باستمتاع شديد وثقة بالغة، حتى حلول الموعد الذي حددته لعملية الملء. ومن عجب أن إثيوبيا تعلم يقينا أن مصر دولة قوية لها جيش قادر، ولكن كل هذه الثقة ترجع إلى وجود دول عظمى تقف بجوارها، وعلى رأسها أمريكا. إن العد التنازلي لن ينتهي في يونيو/حزيران، وكأنه الجرد السنوي للشركات والمؤسسات، بل هو بدأ منذ عدة سنوات. وبصراحة، فإن الحل الأوحد هو أن ترتجف خوفا ورعبا من مصر، ومن مصر وحدها. كما وردت للشوبكي رسالة من المحاسب صلاح ترجم وجاء فيها: بعد مفاوضات مضنية استمرت لعشر سنوات بدون فائدة، فإني أتعجب من الذين يؤملون على المجتمع الدولي في حل هذه القضية في ثلاثة شهور باقية على الملء الثاني للسد. إن الحقيقة المرة التي تكشفت لنا هو أن تعنت إثيوبيا وصلفها وجرأتها ليس بيدها، إنما بيد غيرها، والدليل أنها لم تستطع بناء طوبة في هذا السد في عهد الرئيس جمال عبدالناصر ومن بعده في عهدي الرئيسين السادات ومبارك، ولكن على طريقة الضعيف والمهزوز، الذي ينتظر الفرصة السانحة للانقضاض – عندما يغفو الأسد في عرينه- ليقوم بتنفيذ مخططه، هكذا فعلت إثيوبيا عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني، ووجدت من الدول الكبرى وبعض دول المنطقة، المساندة والاستقواء بها، وهو ما يفسر سبب عنادها وجرأتها على شاكلة الضعيف الذي يستقوي بالبلطجي.

شريان الحرية

انتخابات نقابة الصحافيين على الأبواب، وبدوره أكد محمد سعد عبدالحفيظ في “الشروق” على أن قانون النقابة الأول بتعديلاته المتعاقبة، لم يتضمن أي مواد عن إتاحة خدمات وسلع مخفضة للصحافيين، ولم يتبارَ الآباء المؤسسين خلال انتخابات مجالس النقابة، على الأقل في العقود الأربعة الأولى إلا في الذود عن حرية الصحافة، وكرامة أبنائها. ضمت مجالس النقابة في عقود تأسيسها الأولى مجموعة من عمالقة المهنة، فمن محمود أبو الفتح وإبراهيم عبدالقادر المازني ومحمد التابعي وحافظ محمود وفكري أباظة ومصطفى أمين وعبدالقادر حمزة وكامل الشناوى ومحمد عبدالمنعم رخا ومصطفى القشاشي وزكي عبدالقادر وإدجار جلاد، إلى جلال الحمامصي وطه حسين وأنطوان نجيب وياسين سراج الدين، وأحمد قاسم جودة وأمينة السعيد وحسين فهمي وصبرى أبو المجد، وصولا إلى أحمد بهاء الدين وكامل زهيري وصلاح الدين حافظ ويوسف إدريس وأمينة شفيق ومحمود المراغي وغيرهم العشرات من أرباب القلم ونخبة أبناء صاحبة الجلالة. لم يكن مطروحا على أجندة هؤلاء العظام سوى توسيع هامش حرية الصحافة، وضبط العلاقة بين الصحافيين والسلطة والجمهور، فضلا عن تسهيل عمل أعضاء النقابة في الوصول إلى المعلومة لإنتاج محتوى مهني يعمل على إخبار المتلقي وتنويره ويتيح له الخبر والرأي والتحليل، وهو ما منح لأصحاب المهنة هيبة وكرامة أينما وجدوا، وفي ذلك تُحكى عشرات، بل مئات القصص التي تثبت أن أقلام الصحافيين كثيرا ما حاصرت السلطة، وأن تأثير ما كانوا ينشرونه أكبر بكثير مما كانت تحاول الحكومات فرضه.

مول بدون أوكسجين

شدد محمد سعد عبدالحفيظ، على أن الجماعة الصحافية خاضت عشرات المعارك، لكسب مساحات أكبر من الحرية، وللحفاظ على حقوق الصحافيين، كما اشتبكت مبكرا مع العديد من القضايا الوطنية، بدءاً من الاستقلال والدستور، مرورا بمقاومة ضغوط واستبداد الحكومات وصولا إلى مقاومة التطبيع، وفي كل تلك المعارك كانت نقابة الصحافيين حاضرة تدعم وتشد من أزر الصحافيين، وتتفاوض باسمهم. حاولت السلطة في نهاية سبعينيات القرن الماضي، تحويل نقابة الصحافيين إلى ناد اجتماعي حتى تتخلص من صداعها، ولما فشلت دفعت في اتجاه تغيير دفة اهتمامات أعضائها، ووجدت من رجالها في بلاط صاحبة الجلالة من يساعدها على تحقيق ذلك، فبدأت عملية مغازلة الصحافيين بالسلع والخدمات المخفضة، ومع الوقت تحول موسم انتخابات النقابة إلى سوق يتنافس فيه المرشحون على عرض كل شيء باستثناء قضايا المهنة والصحافيين الأساسية، حتى صارت النقابة في تلك المواسم أقرب إلى «المول التجاري». ليس بوسع أحد إنكار أن الجانب الخدمي الذي يتنافس المرشحون على طرحه خلال هذا الموسم مهم، لكنه يأتي في سلم الأولويات بعد الأهداف الأساسية التي أسست من أجلها نقابة الصحافيين، فهل يجوز أن نقدم المهم على الأهم؟ الأصل أن يتبارى المرشحون على تقديم بضاعة لها علاقة بالمهنة وحريتها واستقلالها، وكرامة وحقوق أبنائها، وتطوير أدائهم وامتلاك أدواتهم، حينها سيتحقق بالتبعية ما تحقق لأسلافهم.

ضحايا الحكومة

صرخات ضحايا شركات الإسكان استمع لها الدكتور محمد عادل في “الوفد”: ماذا تنتظر الحكومة بكل أجهزتها المختلفة حتى تتحرك في هذا القطاع الحيوي، الذي يمس حياة المصريين ومدخراتهم. تحدثنا في مقالات سابقة عن مشكلة ملاك شركة كايرو كونسلت للتنمية العقارية في القطامية، على مدخل طريق العين السخنة والعاصمة، وتحدثنا عن أهمية وجود هيئة رقابية لضبط كل الكيانات التي تعمل في القطاع العقاري من أجل حماية المصريين. وهذه شكوى أخرى جاءت لنا من ملاك كمبوند أشجار ستي: نحن مجموعة من ملاك مشروع أشجار سيتي في حدائق أكتوبر المملوكة لشركة أوراسكم للإسكان والتعمير، ومطوره العقاري شركة أي جي أي للتطوير العقاري. نتقدم لسيادتكم بهذه الشكوى ضد هذه الشركة، حيث قامت الشركة بتحصيل الأموال منا نحن الملاك، ولكننا نعاني من المماطلة والتأخير الشديد في تنفيذ المشروع، فنحن نعاني من مرور أكثر من 5 سنوات على موعد الاستلام ولا جديد. أغيثونا، دفعنا أكثر من 90% من قيمة الوحدة ولم نتحصل على أي شيء، فقط وعود كاذبة وتأجيل يتبعه تأجيل ولا حياة لمن تنادي، علاوة على ذلك فقد أخذت الشركة قرضا من البنك بقيمة 600 مليون جنيه لإتمام المشروع، ولم يتم تنفيذ أي وعود حتى تاريخه، وفشلت الشركة فشلا ذريعا في حل مشكلاتها وتكملة المشروع.. من جهته طالب الكاتب الحكومة حماية المواطنين من هذه الشركات، التي دخلت كمنافس للبنوك على جذب أموال المصريين، من أجل حلم تملك الوحدات السكنية، وتمرّ سنوات عديدة، والشركات تستنزف أموالهم، ولم يتسلموا الوحدات السكنية، ماذا يفعل الملاك؟ ذهبوا للمحاكم، والنائب العام، وقدموا استغاثات ومراسلات لكل قيادات الدولة، ولا نتيجة.

كوارث الزعيم

لا ينسى الدكتور محمود خليل خطايا عبد الناصر، كما اخبرنا في “الوطن” بعد نكسة يونيو/حزيران 1967، بدأ كل من الدولة والمجتمع مراجعة أمينة للأوضاع التي أدّت إلى الهزيمة. اكتشف المصريون حينها ببساطة أن سر مأساتهم هو «غياب الحساب»، فقد تركوا أصحاب القرار يتخذون ما يحلو لهم من إجراءات وقرارات، دفع المصريون ثمنها غالياً في ما بعد. على سبيل المثال.. تذكّر المصريون سنوات تمتد من عام 1962 وحتى عام النكسة، استُنزفت فيها مقدرات وإمكانيات الشعب المصري في مغامرة عسكرية ضد عدو غامض اسمه «الرجعية العربية»، رغم أن عدونا الظاهر والواضح (إسرائيل) كان يقف على الأبواب ويتربّص بنا الدوائر.
بدلاً من توجيه مال الشعب إلى تطوير المدارس والمرافق والمستشفيات، تم توجيهه لدعم المجهود القتالي ضد الرجعية العربية.. وعندما حان وقت المواجهة مع إسرائيل، كانت القوى منهكة فوقعت النكسة. خلال هذه الفترة غابت مؤسسات الرقابة والحساب، وعلت أصوات أصحاب الطبل والمزمار على ما عداها، ودوّت الأغاني التي تمتدح الخطوة والقرار وصاحب القرار. تغلغل الكذب، فاحتل كل المساحات وتاهت الحقيقة ولم يعد لها صوت ولا صدى. اختُزلت حياة الناس وإنجازات الحكومات في ذلك الوقت في مجموعة من الأغاني التي كانت تتردّد على الألسن، وعاش الناس في داخلها بعيداً عن الواقع الذي كانت أحواله تسوء شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى نقطة اللاعودة. بعد النّكسة استيقظ الجميع على الحقيقة المرّة.. وبدأت محاولات الإصلاح.. وكانت أولى المحطات محاولة فتح باب الحريات وإتاحة الفرصة لنقد أداء المؤسسات، ورفع الغطاء عن المشكلات التي بات المواطنون يعانون منها، لكن المشكلة أن السلطة حينذاك لم تفتح باب «النقد والحساب»، بل اكتفت بمواربته.

مأساة متكررة

واصل الدكتور محمود خليل سرده لحقبة الزعيم الأوحد: كانت فكرة الرأي الواحد والصوت الواحد وصانع القرار الأوحد ما زالت تُلهب خيال أهل الحكم أكثر من غيرها.. نعم اضطرتهم الظروف إلى التراجع بعض الشيء عنها وفتح الباب قليلاً، لكنهم ظلوا يتحينون الفرصة لإعادة الباب إلى وضع الإغلاق من جديد. قطاعات لا بأس بها من أبناء هذا الشعب اكتشفت العلة المتمثلة في «غياب الحساب» بعد النكسة، منها القطاع الذي انطلق في شوارع القاهرة متظاهراً ضد الأحكام الهيّنة اللينة التي نالها المسؤولون عن هزيمة 1967. ثار الشباب حينها ضد محاولة «الإفلات من الحساب» ورأوا فيها محاولة للعودة إلى الآفة التي وصلت بنا إلى حافة الانهيار، ورغم ذلك استمرت سياسة «الباب الموارب» هي السائدة. وارب السادات الباب بطريقته الخاصة، فتحدث عن دستور جديد ومجلس نيابي قادر على المحاسبة، ثم اتجه إلى منح الفرصة لوجود أحزاب معارضة، ونزع الرقابة على الصحف، ورفع شعار «الكفاءات قبل الولاءات». لم تأتِ المؤسسات التي استحدثها السادات بجديد، لأن مبدأ الحساب كان غائباً عنها. فمجلس الشعب تحول إلى مجلس ملاكي يعمل بإشارة من أصابع السلطة، والأحزاب تحولت إلى كيانات ورقية تتمثل في الصحف، والرقيب الذي اختفى من الصحف، أعاد إنتاج نفسه في شكل رئيس تحرير موالٍ للسلطة، وأشد فتكاً بالرأي الآخر من الرقيب التقليدي، كما ظلت الحظوة لأهل الثقة على أهل الكفاءة. باب الخروج من هذه الحالة أساسه: احترام الدستور، وجود مجلس نيابي منتخب وليس مصنوعاً، وأحزاب تملك برامج أكثر مما تُجعجع، وصحافة حرة قادرة على مراقبة أوجه الفساد والانحراف داخل المجتمع، وكفاءات حقيقية في مواقع العمل. هذا هو المجتمع الجديد الذي لم يزل المصريون يبحثون عنه منذ كارثة النكسة.

حضري السحور يا ماما

كشف أحمد عصر في “الوطن” عن تفاصيل مؤلمة بشأن حادث مروع لفتاة أسفر عن مصرعها، إذ قال مصدر أمني، أن الفتاة إيمان نايل التي احترقت سيارتها بسبب حادث على طريق الجلالة الصحراوي، والتي تم تداول واقعتها على مواقع التواصل الاجتماعي بـ«فتاة حادث طريق الجلالة»، درست في إحدى الجامعات في لندن. وأضاف المصدر الأمني خلال حديثه لـ«الوطن» أنها من أسرة ميسورة الحال من محافظة الجيزة، لافتًا إلى أنها كانت في الجونة، وكانت في طريق العودة لمنزلها قبل الحادث مباشرة، وأجرت مكالمة هاتفية مع والدتها أخبرتها خلالها أنها تاهت وطلبت منها تحضير السحور لأنها تنوي صيام يوم النصف من شعبان، مشيرا إلى أن أقارب الأسرة استدلوا على جثمانها من خلال رقم السيارة. وكان مصدر أمني قال لـ«الوطن» إنه تم التعرف على هوية الفتاة صاحبة السيارة، التي تدعى إيمان نايل، من محافظة الجيزة، وكشفت التحريات عن أن الفتاة ابنة الدكتور محمد نايل. وكانت تحريات الأمن أوضحت ملابسات الواقعة، وهو ما ظهر في الفيديو المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، من سير الفتاة بسيارتها الملاكي بالاتجاه المعاكس لطريق الجلالة الصحراوي، بسرعة تزيد عن 170 كم في الساعة، الأمر الذي انتهى باصطدامها وجها لوجه مع سيارة أخرى من سيارات النقل الثقيل مقبلة في طريقها، ما أدى إلى احتراق سيارتها بالكامل، ومن ثم تفحم جثتها ما صعب الوصول إلى هويتها.

لا تظلموا هند

دافع أحمد عبد التواب في “الأهرام” عن الممثلة التونسية هند صبري: حتى إذا لم تكن هند صبري تحمل الجنسية المصرية، فمن حقها، كفنانة موهوبة وكنجمة متألقة، وبما لها من حب جمهور عريض من المصريين، أن تشارك مع نجوم مصر في الاحتفال الكبير لنقل مومياوات ملكات وملوك مصر الفرعونية. أما هؤلاء الذين يعترضون على مشاركتها بحجة أنها غير مصرية، فمن الانسياق للغو أن يُرَدّ عليهم بأنها حصلت بالفعل على الجنسية منذ عدة سنوات وأنها مقيمة في مصر، وأن زوجها مصري وأن ابنتيها مصريتان، وإنما بتذكيرهم بأن مصر احتضنت، على الأقل منذ منتصف القرن الـ19، أعدادا هائلة من الفنانين من جنسيات عربية شتى، ومن بعض الجنسيات الأخرى، عاشوا في مصر وأتقنوا لهجتها، وحققوا نجاحات فائقة في عملهم في كل الفنون، وليس فقط في التمثيل والإخراج والتأليف الموسيقي والطرب، ومنهم من له في حب مصر أغنيات ردَّدها الشعب المصري. وكما أن مصر منحتهم الفرصة التي كان لها فضل نجاحهم وتألقهم وذيوع شهرتهم، حتى وصلت إلى بلادهم، فإنهم قد أمتعوا الشعب المصري، ودخل إبداعهم في وجدان المصريين. ومع استحالة حصر كل الأسماء، فتكفي الإشارة إلى فريد الأطرش وأسمهان وصباح ونجاح سلام ونور الهدى ووردة وفايزة أحمد. ولكن، وفي أثناء الدفاع عن مشارَكة هند، وبافتراض أنها ليست مصرية، لا يجوز السكوت على تفشي معانٍ غير صحيحة، مثل تعزيز مشاركتها بكلام عن رسالة مصر إلى العالم، ذلك لأن القول برسالة أمة، أي أمة، ينطوى على بذرة العنصرية، لأن مصر، مثلها مثل كل الأمم، لا تخلو من عيوب، ومن أفراد مخربين وجماعات مخربة تتصدى لهم مصر، لأن تخريبهم يتجاوز الوطن والمواطنين إلى الإنسانية، ولكن الأصح أن يقال إنه دفاع عن جوانب في هوية مصر، تسعى مصر إلى تأصيلها، وأن تتقدم بها إلى العالم، أي مصر المنفتحة على الجميع، مصر المُحبّة للفن، التي تُفسِح المجال بلا حساسية لأي موهوب من خارج حدودها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول alaa:

    لو عاوز كلمة حق – السيسي هو المفروض المسؤول الاول وواجب محاكمته وخلعه

إشترك في قائمتنا البريدية