عن قناة السويس وصعوبة شق البديل والمنافس

فجأة يصحو العالم على ضجة جنوح حاملة الحاويات العملاقة «إيفرجيفن»؛ المملوكة لشركة «شوي كيسن» اليابانية، والمسجلة في بنما، وتستأجرها شركة «إيفرجرين» التايوانية، والمؤمن عليها في «نادي التأمين» بلندن.
وتعامل المصريون في الداخل والخارج مع الحادث باعتباره مصيبة عامة حلت ببلدهم، ولديه منها ما يكفي، خاصة وقد جاءت بعد صدام مروع وقع لقطارين راح ضحيته العشرات ومئات المصابين، بالإضافة لخسائر مادية ومالية كبيرة، والأسباب متكررة ومحفوظة في ذاكرة الوطن، وتختلف عن تلك التي ستتكشف عنها حقيقة حادث «إيفرجيفن». وانتظار نتائج التحقيقات للكشف عنها؛ هل هي ناتجة عن خطأ بشري، أو خلل فني، أم سرعة رياح قيل إنها السبب، أم مؤامرة لـ«اغتيال» قناة السويس حسب ما جاء في مقال لصحافي عربي حول الحادث؟!.
وفتحت هيئة قناة السويس رسميا تحقيقاتها الأربعاء الماضي (31/ 03/ 2021) ومدى استجابة ربان السفينة المُحْتَجزة لتعليمات هيئة قناة السويس قبل شحوط؛ أي غرز السفينة في رمال المياه الضحلة بالقرب من شاطئي القناة، وأسباب حدوث ذلك، وعلى مَن تقع على المسئولية، وتَحَمُّل تعويضات المتضررين من توقف الملاحة لمدة 6 أيام. واللافت هو رفض قبطان سفينة «إيفرجيفن» الرد على المطالب الثمانية المقدمة من مستشار هيئة قناة السويس؛ الربان سيد شعيشع صباح الجمعة قبل الماضية (30/ 03/2021) وأوضح، وفقا لصحيفة «الوطن» المصرية، أن القبطان رفض الرد على المطالب؛ وأحد هذه المطالب يتعلق بمعلومات عن سجل الحوادث السابقة التي تعرضت لها السفينة، وقد حضر شعيشع للمشاركة والتأكد من توفر المعايير الدولية في التحقيق والفحص، وأشار إلى أن المسؤولية محصورة في الشركة المالكة للسفينة، والجهة المُسْتأجِرة والمُشَغِّلة لها، وتتحمل بدورها التبعات الكاملة بشأنها؛ من حيث السلامة، ومستوى الأمان، والحمولة ومتابعة الطاقم وسير الملاحة، والإشراف الإداري والتنظيمي والفني والتعويضات.
ولقناة السويس تاريخ طويل وعريق؛ على مدى أكثر من قرن ونصف القرن، واجهت فيه صراعات ومعارك وملاحم؛ بداية بالحفر والافتتاح وبدء التشغيل، ولا يمكن اختزال ذلك وحصره في تحقيق لحادث عابر مرت به، وتنتظر نتائج تحقيقاته أيا كانت، والقناة عنوان لصراعات وملاحم وطنية وحروب عادلة وغير عادلة، ولعبت دورا كبيرا في صياغة الوجدان الوطني والقومي، وأثرت في التاريخ السياسي والثقافي والاقتصادي، ورفعت من مستوى الوعي القومي، واستيعاب ما يجري إقليميا وعالميا، وأثناء حَفْرها استشهد في سبيلها 120 ألف مواطن عملوا في ظروف عمل أشبه بـ«السخرة»؛ شمس حارقة صيفا، وبرد قارس شتاءً، ورعاية صحية واجتماعية وإنسانية معدومة، ومرت عليها أيام وأعوام تحمل دلالات تاريخية واضحة، فيها المد والجزر، والانتصار والإخفاق، وأهمها عام 1882.
في أواخر حزيران/يونيو من ذلك العام انعقد «مؤتمر الأستانة»؛ جمع الدول الكبرى في ذلك الزمان؛ بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والنمسا والمجر وإيطاليا، مستهدفين النظر فيما عُرف بـ«المسألة المصرية»؛ في وقت تمكن فيه أحمد عرابي ورفاقه من السيطرة على الجيش ومقاليد حكم مصر، واتجه المجتمعون إلى أخذ «الثورة العرابية بالشدة» وإلإعلان عن عدم جواز استئثار أية دولة من الدول المشاركة في المؤتمر «بحقوق في وادي النيل لا تكون للدول الأخرى» واعتبار «المسألة المصرية» مسألة دولية وعالمية؛ لا تنفرد بتقرير مصيرها دولة بعينها دون سواها من الدول الكبرى المشاركة، وكل ذلك لتأكيد وصايتها على «ولاية عثمانية» مصرية وقتذاك!!.

من قرن ونصف القرن، واجهت فيه صراعات ومعارك وملاحم؛ بداية بالحفر والافتتاح وبدء التشغيل، ولا يمكن اختزال ذلك وحصره في تحقيق لحادث عابر مرت به

ومثل هذا الحادث وما أثاره من لغط وتوتر حوله؛ أكبر من أن يُحصَر في تعطيل الملاحة في القناة لأيام معدودة؛ هذا مع العلم بأنه الحادث التاسع في ترتيب الحوادث التي سبقته، ولم تحظ بهذه الضجة، التي كشر فيها البعض عن انيابه، وطرح مشروعات بديلة وجديدة تنافسها وتحل محل محل هذا المجرى الملاحي الفريد. والذي ما زال خارج المنافسة، وهو ما يتجاهله المتربصون، والمتطلعون للاتكاء عليه في تنفيذ مخططات التجزئة والتقسيم والتخريب، على الرغم ما تقوم به السلطات المصرية؛ خاصة سلطات «المشير السيسي» المطلقة؛ الأدنى من مستوى التحديات الحقيقية للحفاظ على هذا الممر المائي الاستراتيجي والحيوي وسلامته.
وكانت وما زالت منطقة قناة السويس مركزا لملاحم ومعارك متتالية لا تتوقف؛ بدأت بوقف الملاحة فيها للمرة الأولى بعد حفل افتتاحها الأسطوري؛ حضره أباطرة وملوك أوروبا، بثلاثة عشر عاما، وفي توقيت مصاحب لأحداث الثورة العرابية عام 1882، وقتها شهدت البلاد مقاومة باسلة؛ خاصة بمنطقة القناة ومجراها الملاحي، وقادها العرابيون لصد الغزو البريطاني، الذي دخل الإسكندرية، وتقدم نحو الدلتا والقناة، وكان رأي العرابيين إغراق الدلتا من فرعي النيل (رشيد ودمياط) وفتح الرياحات والمجاري المائية المتفرعة منها لتتكفل بتعويق الغزو، ومساعدة الجيش والمقاومة في تلك المعركة المصيرية.
وجاء وقوف خديوي مصر، ولجوء قوات الغزو البريطانية لشتى الحيل للتمكن من أحمد عرابي ورفاقه، وإعلان السلطان عبد الحميد الثاني عصيان أحمد عرابي وخروجه عن الملة، واستبعاد دليسبس لهجوم قوات الغزو من الجبهة الشرقية وطريق قناة السويس، وادعى حياد القناة. وانضمام محمد سلطان باشا أقوى أصحاب النفوذ في الصعيد؛ انضم صراحةً للخديوي توفيق ضد عرابي، واستسلام خنفس باشا (علي يوسف) قائد حامية القاهرة. واحتل الإنكليز بورسعيد. وبعدها وصلت القوات الهندية إلى السويس.
وجاء الإغلاق الثاني 1885؛ بعد اصطدام كراكة بسفينة عابرة، وأدى غرق الكراكة التوقف الملاحة لمدة 11 يوما. وحدث الإغلاق الثالث، 1905؛ باصطدام سفينتين عند الكيلو 18، واشتعلت النار في إحداهما، وعطلت الملاحة لعشرة أيام. وكانت المرة الرابعة عام 1915، أثناء الحرب العظمى (1914 ـ 1918) ونتج عن غرق عدة سفن في «بوغاز» بور سعيد، (البوغاز مجرى مائي ضيّق أو فتحة بين برّين، قد يكون طبيعيا كمضيق جبل طارق ومضيق الدردنيل أو مصطنعا كبوغاز الإسكندرية وبورسعيد). والمرة الخامسة كانت أثناء الحرب العالمية الثانية؛ عام 1940 حتى نهاية 1942. وتوقفت الملاحة للمرة السادسة 1952 بسبب غرق سفينة عابرة عند الكيلو 85 بالقرب من بورسعيد، وتسبب العدوان الثلاثي 1956 في الإغلاق السابع، وغرق 48 سفينة وقاطرة وقطعة بحرية في مجرى القناة، وعادت للعمل في 1957، وكان الإغلاق الثامن الأطول بعد نكسة 1967؛ استمر لثمانية أعوام؛ من 1967 إلى 1975، وتسبب حادث السفينة «إيفرجيفن» في الإغلاق التاسع.
ذلك الحادث جاء بعد شهور قليلة من نشر معلومات وتقارير صحافية عن «مشاورات بين الدولة الصهيونية ودولة الإمارات بشأن حفر قناة جديدة تربط البحرين الإبيض والأحمر» وقيل إنها تشكل تهديدا مباشرا للمصالح المصرية في الملاحة المائية بالمنطقة، وتنخفض معها إيرادات قناة السويس، التي تشكل موردا حيويا للخزينة المصرية، وكانت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» قد أشارت إلى أن المحادثات التي جرت بشأن القناة البديلة؛ بدأت بعد 19 يوما فقط من توقيع اتفاق «التطبيع» بين تل أبيب وأبوظبي العام الماضي، وقدرت الصحيفة الصهيونية أن قناة السويس حققت خلال خمس سنوات من 2015 إلى 2020 دخلا أكثر من 27.2 مليار دولار أمريكي سنويا؛ مقارنة بـ25.9 مليار دولار خلال السنوات الخمس التي سبقت، ويعني ذلك تزايد الطلب العالمي على القناة، وهو ما أغرى تل أبيب وأبو ظبي لشق ممر مائي إضافي لتقاسم المكاسب مع مصر!
وفكرة القناة المنافسة ليست جديدة، ونشر موقع «بزنس إنسايدر» تقريرا كشف فيه لأول مرة عن وثائق أمريكية؛ تعود لعام 1963؛ تتضمن حفر «ممر مائي بديل لقناة السويس، ويربط بين البحرين الأبيض والأحمر، بطول 256 كلم»؛ يهدف لإحداث تغيير في مسار التجارة العالمية، وحسب الوثائق، فإن المقترح الأمريكي اعتمد استخدام القوة النووية للحفر بشكل سريع وفعال، واستخدام القنابل النووية لشق المسافة بين البحرين؛ يعجل بالمجرى المقترح عبر صحراء النقب بسرعة قياسية، ويمر بالأراضي الفلسطينية المغتصبة عام 1948، وله آثار مدمرة للبيئة، وما عليها من بشر ومخلوقات ونبات!

كاتب من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي:

    ليس صعبا شق قناة جديدة منافسة! لن يقاوم الجنرال الذي يعتمدعلى الصورة واللقطة. العدو أعلن في خضم تعويم السفينة الجانحة عن البدء العملي والتجهيز للحفر، وبعدشهرين تقريبا سيتم أول خبطة جرافة في عملية الشق. لقد ضمن الغزاة 31 مليارا من بنوك أميركية بفائدة 1% تسدد على مدى 30 سنة، ويعمل في القناة البديلة نحو300 ألف عامل وفني (بينهم مصريون) ، والتحدى جاء من جانب العدو بأنه يستطيع احتلال سيناء مرة أخرى، والأعراب يدعمونه!
    الفكرة في الموضوع ماذا سيفعل الجنرال، وقدحاصروه في إثيوبيا لتعطيش المصرييين، وأثقلوه بالديون كي لا ينهض من رقدته، ثم الإيحاء بأن ألشعب عدوه الاستراتيجي؟!

  2. يقول ensaidr:

    اختلاف مداخيل القناه قبل و بعد شق التفريعه يوضح فاىْدتها فلماذا اذن صياح الاخوان الشياطين المستمر من محطات تليفزيونتهم الباىْسه باْن التفريعه كانت بلا فاىْده ؟

إشترك في قائمتنا البريدية