عندما فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوباته الصارمة قبل عام، قلنا حينها إنها «عنق الزجاجة الأخير» الذي ستتجاوزه إيران، فقياسا على ما حققته طهران من نفوذ في الشرق الأوسط في ظل عقوبات سابقة امتدت منذ عهد اوباما، ومقارنة مع الفشل الذريع للدول الغنية المترهلة بالثروة في مواجهتها في ساحات عديدة آخرها اليمن، كان واضحا أن النظام الإيراني متمرس في العمل تحت العقوبات والضغط الاقتصادي، بل وقادر على ممارسة دور خارجي داعم لحلفائه رغم ضائقته الداخلية.
ولأن كل المؤشرات في ساحات النزاع في العراق وسوريا ولبنان واليمن كانت تشير إلى أن الأمريكيين يتراجعون في الشرق الأوسط، وحلفاؤهم جميعا في هذه الساحات لم يحققوا نجاحا في مواجهة حلفاء إيران، (والمثال الأخير هو الحوثيون) ولأن الساسة الأمريكيين أنفسهم شككوا بنجاح العقوبات وانتقدوا إلغاء الاتفاق النووي، لذلك كان وصف «عنق الزجاجة الأخير» متطابقا مع حالة العقوبات كمحاولة أخيرة لا يبدو أنها ستنجح، لكبح لجام الإيرانيين، وبالفعل عندما جاء وزير الخارجية الأمريكي الجديد بلنكن، فإن أول ما أعلن عنه هو نيته العودة للاتفاق النووي، وإيجاد صيغة لتسوية مع إيران ورفع العقوبات.
ومع توقيع الاتفاق الصيني الإيراني بدا أن طهران وجهت رسالة قوية لواشنطن، مفادها «أننا غير مبالين بالعقوبات وغير مستعجلين لرفعها ولدينا بدائل» وهو ما حدا بصحيفة وول ستريت جورنال لكتابة تعليق حاد على الاتفاقية، يقول إن «من كان يعتقد أن مغادرة ترامب ستعيد الدور الأمريكي بقوة للعالم، قد تلقى تنبيها في الشهرين الماضيين، أحدث علامة هي اتفاق الصين وإيران، وهو مثال على توحد خصوم أمريكا على تعزيز طموحاتهم الاستراتيجية». وتضيف الصحيفة أن الصين ستستفيد من استثمار مئات الملايين من الدولارات في الطاقة النووية والموانئ والنفط والغاز، في المقابل ستحصل الصين على إمدادات ثابتة من النفط، وسيعمق الطرفان تعاونهما الدفاعي حيث ستنقل الصين بعض التكنولوجيا العسكرية لإيران. كما تنتقد الصحيفة في المقال، الذي كتبته هيئة التحرير، المقللين من أهمية الاتفاق الصيني الإيراني، لمصالح إيران في الشرق الأوسط فتقول: «هذه صفقة كبيرة تعزز المصالح الاستراتيجية لكلا الجانبين على حساب الولايات المتحدة والاستقرار في الشرق الأوسط. كما أن الدخل من النقد الأجنبي، سوف يمول الحرس الثوري وحلفاءه في اليمن وسوريا والعراق». طبعا هناك من يقلل من أهمية هذا المقال لوجود ميول جمهورية في صحيفة وول ستريت، لكن يمكن لنا إيجاد قراءات مشابهة في أكثر من صحيفة غربية. محرر البي بي سي للشؤون الشرق أوسطية، جيرمي بوين، قال مثلا، تعليقا على الاتفاق، إن «الاتفاق سيعزز موقف إيران في مواجهة الولايات المتحدة» خاصة أن «الولايات المتحدة لم تحقق تقدما في الشرق الأوسط «فخوفها من المزيد من التورط في المنطقة فتح المجال أمام منافسيها» ويضيف: أن «الصين ترى الولايات المتحدة قد دخلت مرحلة تراجع لا يمكن الرجوع عنها، وترى في نفسها القوة العالمية الصاعدة. وقوة بهذا الحجم لا يمكنها تجاهل منطقة كالشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين وما بعده».
ويبدو المشهد الأصعب بالنسبة للمشرق العربي هو أن إيران تبدو وكأنها تجاوزت فكرة النفوذ في العواصم المشرقية بعد أن ضمنه لها حلفاؤها، وبدات تفكر في النفوذ الإقليمي الأوسع وتنسج علاقات وتحالفات مع كبرى دول العالم كالصين بعد روسيا، وقريبا ربما تسوية مع أمريكا!
تبدو إيران وكأنها تجاوزت فكرة النفوذ في العواصم المشرقية بعد أن ضمنه لها حلفاؤها وبدأت تفكر في إقامة تحالفات مع كبرى دول العالم
ولا بد من الإشارة هنا إلى أننا وإنْ تحدثنا عن نفوذ وهيمنة إيران، فنحن بلا شك نعني نفوذ حلفائها، ومعظمهم من قوى الإسلام الشيعي وفرقه، وقد حققوا هيمنتهم تجاه خصومهم بدون وجود إيراني مادي، لقوات أو عناصر إيرانية، بل بإشراف عام وضبط للفرق المتنازعة من خلال قيادات مثل قاسم سليماني. ولذلك لا بد من الإقرار بأن مشكلة العرب السنة في العراق وسوريا ولبنان واليمن هي مع نظرائهم العرب، من شيعة وعلويين وحوثيين، فهو إذن نزاع أهلي داخلي عربي عربي، يتحمل العرب بداية سبب فشلهم في تسويته داخليا، قبل أن يزج كل طرف منهم بداعميه الخارجيين بـ «الجغرافيا» والداخليين في «المذهب» في أتون هذه المعركة الدموية التي من الواضح أنها ستغير وجه المشرق العربي لعقود مقبلة.
ومع قرار بايدن الأخير بسحب المزيد من القوات الأمريكية من الخليج، ستتجه واشنطن لتقليص وجودها العسكري وستسحب أغلب جنودها من العراق وسوريا، وهو ما سيعني المزيد من انحسار تأثيرها السياسي بعد العسكري، لنصبح مقبلين أكثر من أي وقت مضى على شرق أوسط إيراني جديد!
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
الحرب العراقية الإيرانية سجّلت بداية الردّ العربي على الثورة الخمينية، ووسمته بالغضب الآني الذي يرى مسافة أمتار قليلة فقط أبعد من عين الغاضب. المشكلة أن هذه السمة دامت منذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة، والمثير في الأمر أنها انتقلت إلى الأمريكان، وإلى إسرائيل، بينما يعمل الإيرانيون بهدوء، ويمدّوا الجذور عميقاً، ومن خلالها يمرّرون نار غضبهم. قتل قاسم سليماني أوقع الأمريكان في ورطة هذا الغضب، ويحاول بايدن الآن تصحيح الخطأ, وكذلك اغتيال العالم النووي الإيراني، وانشغلت في المقابل الدول العربية كلّ بمشاكل لا تنتهي. مصر، مثلا، تحوّلت إلى دولة سياحية بامتياز، بينما تحيطها البراكين من كل جانب، وكذلك المملكة العربية السعودية…
المقال بشكل عام صحيح، الغرب يتفهم تماماً الحقد الإيراني التاريخي على العرب وبالتالي كل هذه التفاهمات من أجل إعطاء دور آخر لإيران في الإقليم العربي ليس له علاقة بالنووي لا من قريب ولا من بعيد. النووي الإيراني مجرد واجهة مع إنني على ثقة أن إسرائيل لن تسمح لإيران بحيازة سلاح نووي حتى ولو عقدت صلح مع إيران لا لأن إيران عدو لإسرائيل (وهذا مشكوك فيه) بل لأن الصهاينة لا يضمنون أن تصل بعض شذرات هذا السلاح إلى أطراف غير مُتحكم بها.
*الحل الأفضل للدول العربية وخاصة(الخليجية)
هو بفتح حوار جدي مع إيران بعيدا
عن أمريكا وإسرائيل والاتفاق على خطوط عريضة
(وسطية) ترضي الجميع وتبعد المنطقة عن
الحروب الحقيقية والمفتعلة.
لا حول ولا قوة الا بالله