لندن- “القدس العربي”: إلى أين يتجه العالم في مرحلة ما بعد فيروس كورونا؟ يقدم التقييم الاستخباراتي الأمريكي رؤية قاتمة جدا، فالتغيرات المناخية ستقلب العالم رأسا على عقب فيما ستتفكك المجتمعات.
وفي تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أعده شين هاريس قال فيه إن المسؤولين الإستخباراتيين الأمريكيين ليس لديهم عبارات مطمئنه للكرة الأرضية التي تعاني من وباء فيروس كورونا ولا إلى أين يتجه العالم خلال العقدين القادمين. وباختصار فالصورة لغير مطمئنة.
وأمس الخميس، قدم مجلس الاستخبارات القومية تكهناته الاستراتيجية والقائمة على تقديرات مستقاة عادة من المعلومات الأمنية التي تجمعها وكالات الأمن المتعددة.
وفي تقريره المعنون “توجهات العالم” جاء فيه أن العالم سيواجه اضطرابا بسبب فيروس كورونا والتغيرات المناخية والتي ستقود إلى هجرات جماعية وتوسع الفجوة بين ما يريده الناس من قادتهم وما يمكن لهؤلاء تقديمه.
يقول التقرير إن العالم سيواجه اضطرابا بسبب فيروس كورونا والتغيرات المناخية والتي ستقود إلى هجرات جماعية وتوسع الفجوة بين ما يريده الناس من قادتهم وما يمكن لهؤلاء تقديمه
وطالما حذر المجتمع الأمني صناع السياسة والرأي العام من أن الأمراض الوبائية قد تقوم وبشكل عميق بإعادة تشكيل السياسة العالمية والأمن القومي الأمريكي. وقدم مؤلفو التقرير، الذي لا يمثل الرأي الرسمي للسياسة الأمريكية، وصفا للأزمات النابعة في مرحلة ما بعد الوباء. فقد كان حادثا دوليا أثر على استقرار الدول.
ووصفه المجلس بأنه “الإرباك الوحيد والأهم الذي شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية” و”ذكر العالم بهشاشته” و”هز الافتراضات القائمة حول كيفية رد الحكومات والمؤسسات على الكارثة”. وسرع الوباء وفاقم في نفس الوقت من التصدعات الاقتصادية الموجودة أصلا. وأكد على المخاطر “من عدة تحديات عالمية والتي تتراوح من الأمراض والتغيرات المناخية إلى الإرباك الناجم عن التكنولوجيا الجديدة والأزمات المالية”. وحذر المؤلفون من “عدم التوازن القادم بين التحديات الحالية والمستقبلية وقدرة المؤسسات والأنظمة على الرد”. ففي داخل المجتمعات يتزايد التشرذم السياسي والثقافي والاقتصادي مع “وجود قطاعات كبيرة من سكان العالم باتت غير راضية عن المؤسسات والحكومات التي يرون أنها ليست مستعدة أو قادرة على معالجة احتياجاتهم”.
وسيتواصل أثر الوباء ويمكن أن يشكل الأجيال المقبلة وتوقعاتها من الحكومات، وبالتحديد مع زيادة النزاعات الإنسانية بسبب الاحترار العالمي، وما يعنيه من نقص المواد الغذائية والعنف الجماعي. وستواصل القوى العظمى تنافسها بدرجة شديدة مثلما كانت قبل الوباء.
ويرى التقرير أن المسرح العالمي يتشكل الآن من خلال التنافس بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها. وفي ظل هذا التنافس فلن تظهر أي قوة مهيمنة على العالم. وفي الوقت الذي تتنافس فيه الدول على التأثير يزداد منظور النزاع والمناخ الجيوسياسي المتقلب. وربما أصبحت التكنولوجيا بإمكانياتها لتعزيز الاقتصاد وتقوية المجتمعات مصدرا للتوتر، وهو حاصل الآن.
يرى التقرير أن المسرح العالمي يتشكل الآن من خلال التنافس بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها. وفي ظل هذا التنافس فلن تظهر أي قوة مهيمنة على العالم
ويرى التقرير أن الناس سيبحثون عن المعلومات من المصادر التي يشتركون معها في الرأي مما سيعزز رؤيتهم عن الحقيقة. والتكهنات بطبيعتها هي عملية خطيرة ولهذا أكد المجتمع الاستخباراتي أنه لا يعرف الأجوبة عن المستقبل بقدر ما هي رؤى قائمة على تحليل للمعلومات. لكن السيناريوهات الخمسة التي يقدمها المجلس حول مستقبل العالم قد تعين على رؤية ما سيؤول إليه العالم في 2040.
وواحد من السيناريوهات هو “نهضة الديمقراطية” التي تؤدي لقيادة أمريكية للعالم وزيادة في النمو الاقتصادي والإنجازات التكنولوجية. وسيترك هذا كلا من الصين وروسيا في الوراء بعدما ستترك العقول النجيبة ورجال الأعمال البلدين باتجاه أمريكا وأوروبا.
وفي سيناريو آخر قاتم ومتطرف “مأساة وتعبئة” ولن تكون فيه أمريكا القيادة المهيمنة للعالم وتقود فيه الكوارث المناخية إلى نقص في الطعام. ويقترح المؤلفون في هذا السيناريو تطورا من القاع إلى القمة، يقوم فيه الشباب بأخذ المبادرة بعد فشل قادتهم بمواجهة فيروس كورونا، بشكل يؤدي لمعالجة الظلم الإجتماعي والمشاكل الاجتماعية. وفي هذا السيناريو سيكون الاتحاد الأوروبي وأحزاب الخضر مع الأمم المتحدة في القيادة وستوسع الدعم العالم والمشاريع المستديمة. وستنضم الصين لهذه الجهود لمواجهة الاضطرابات في المدن التي تصيبها مجاعات. وبين هاتين الرؤيتين المتطرفتين ثلاث إمكانيات، تصبح الصين في واحدة منها قوة مهيمنة، وآخر ازدهار الصين والولايات المتحدة في إطار من التنافس بينهما. وهناك سيناريو خامس وهو فشل العولمة حيث يتحول العالم إلى كتل متنافسة مشغولة بالتهديدات التي تؤثر على ازدهارها وأمنها.
وكتب المؤلفون أن “النظام الدولي، بما في ذلك المنظمات والتحالفات والأعراف ليست مسلحة بما فيه الكفاية لمواجهة التحديات الدولية المتفاقمة التي تواجه السكان”. وربما قدم الوباء درسا لا يتكرر مرة أخرى، فرغم قيام الدول الأوروبية بالتحرك مبكرا ومنع السفر وتصدير المواد الطبية إلا أن الاتحاد الأوروبي تعاون على حزمة إنقاذ اقتصادية “قد تعزز من الاندماج الأوروبي والتقدم للأمام” و”ربما قاد كوفيد-19 لإعادة توجيه الميزانيات الوطنية للرد على التعافي الاقتصادي” و”تحويل الأموال من الدفاع والنفقات والدعم الخارجي وبرامج البنى التحتية في بعض الدول، وعلى الأقل في المدى القريب”، إلا ان الوباء ترك المؤلفين بأسئلة أكثر من إجابات “وكباحثين ومحللين علينا الحذر وطرح أسئلة أفضل، وتحدي فرضياتنا بشكل دائم والتحري من التحيزات والبحث عن الإشارات الضعيفة للتغيير”.
لكن التقرير ليس فقط عن نهايات قاتمة بشكل كامل، فالدول التي تخطط مبكرا وتستفيد من التكنولوجيا لمواجهة التغيرات المناخية قد تكون جاهزة أفضل من الدول التي لا تتحرك مبكرا. والدول التي تحث الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية وتوسيع الاقتصاد ستعطي حكوماتها الفرصة لتوفير الخدمات وتخفيض الدين ومساعدتها على تغطية نفقات سكانها المتقدمين في العمر. وفي النهاية فالمجتمعات التي تنجح هي تلك التي تكون قادرة على التكيف مع التغيير وتستطيع بناء إجماعي اجتماعي حول ما يجب عمله.
في عهد ما بعد كورونا، ستتعرض الدول الضعيفة والمجتمعات الهشة الى مخاطر متزايدة للتفكك والافول. الصمود والبقاء هو من نصيب الدول ذات الرصيد المرتفع للحوكمة الرشيدة التراكمية خلال فترة ما قبل كورونا، بما فيها الوضع الصحي والتعليمي والمالي والاقتصادي. بعكس الحال مع الدول التي اجلت الاصلاحات العميقة وعولت على التسلطية في “بناء” الامم.