ربما لا يجادل عاقل في عظمة حدث نقل «مومياوات» ملوك وملكات مصر القديمة، فقد كان عرسا أسطوريا بامتياز، تجلت فيه المقدرة المتفوقة على الإدارة والتنظيم الدقيق الباهر، من حفظ علمي لسلامة مومياوات عاشت لآلاف السنين، وتصميم عربات الملوك ذات الشموس المجنحة، وإتقان تفاصيل التفاصيل في الأزياء والإكسسوارات والمجاميع، والإضاءة والمهابة التي سرت حتى إلى دقات حوافر الخيول، والإخراج المذهل، وتدافع مواهب عبقرية لموسيقيين وفنانين وفنانات مصريين ومصريات بالمئات، سطع حضورهم الطاغي على شاشات 400 محطة تلفزيونية ناطقة بكل لغات العالم الحية، في عمل إبداعي فريد، جاء في وقته تماما، بعد نجاح المصريين المعاصرين السريع في تحرير المجرى الملاحي لقناة السويس، من جنوح الناقلة العملاقة «إيفرغيفن» وإثبات أن الأحفاد ورثوا جينات التحدي عن الأجداد، وصنعوا صورة ذهنية ووجدانية تليق بمصر التي لا تفنى أبدا، وإلى أن يرث الله الأرض.
كان الأثر مباشرا فياضا على نفوس المصريين، الذين صادفوا أسبوعا من الآلام، بدأ بمأساة تصادم قطاري سوهاج، وما أعقبه من سقوط عمارة سكنية بشرق القاهرة وجنوح السفينة، ثم بدت الدموع كأنها تنقشع، ويحل أسبوع العظمة بعد أسبوع الآلام، في موسم للفرح والفخر العام، لم يتخلف عن الشعور بوهجه مصري، باستثناء أصوات شاردة نشاز هربت أرواحها من أبدانها، وتراكمت أحقادهم إلى حد عمى البصر بعد تلاشي البصيرة، وعلق شيخهم على كشف شعر الملكة «تي» والدة «أخناتون» وكأنه كان ينبغي أن نلبسها حجابا أو نقابا، وهي التي عاشت وماتت قبل ظهور فرائض الإسلام بآلاف السنين، في ما علق آخرون على تكاليف الموكب الذهبي، وتحدثوا عن النفقات بأرقام فلكية مفتعلة، خلطت في تزوير فاضح بين الحدث وتكاليف إقامة المتاحف الكبرى الجديدة، مع أن أكبر هذه المتاحف وضع حجر أساسها قبل عشرين سنة، ولم تشهد إنجازا سريعا مقتدرا عالي الكفاءة، مع إضافة متاحف أخرى أصغر ممتدة من شرم الشيخ إلى كفر الشيخ، إلا في السنوات الخمس الأخيرة.
خذ عندك مثلا قصة «المتحف المصري الكبير» المقرر افتتاحه قريبا، وهو أكبر متحف لحضارة واحدة في الدنيا كلها، ويتوقع أن يزوره خمسة ملايين شخص كل عام، وقد جرى تمويل تكاليفه الهائلة البالغة 954 مليون دولار، أي 15 مليار جنيه مصري بأسعار الصرف اليوم، بموارد مصرية خالصة، ومن عوائد عروض الآثار المصرية خارجيا، في ما تكفلت اليابان بتقديم قرض ميسر للمتحف من أوائل القرن الجاري، بلغت قيمته 300 مليون دولار، وقد تبدو التكلفة بالأرقام باهظة لأول وهلة، لكنها تبدو متواضعة من منظور آخر، خصوصا إذا قيست إلى مبالغ فلكية حقا، جرى إنفاقها على مشروعات عمران كبرى، بلغت تكاليفها نحو ستة تريليونات جنيه مصري، بحسب الأرقام الرسمية، أي أكثر من 383 مليار دولار.
المتاحف في مصر ليست من مظاهر الترف، بل هي من أولويات الضرورة، فقد ورث المصريون تراثا حضاريا بلا نظير
لا نعني طبعا أن كل شيء على ما يرام في مصر اليوم، فلا تزال هناك عوائق وتحديات عظمى، يلزم اجتيازها لبناء نهوض مصري جديد، لكن المتاحف في مصر ليست من مظاهر الترف، بل هي من أولويات الضرورة، فقد ورث المصريون تراثا حضاريا بلا نظير، ولدى المصريين في ما هو مكتشف، نحو نصف آثار الدنيا، وبلغ السفه الوقح في عهود سبقت، أن نادى بعضهم ببيع بعض أو كل آثار مصر، أو منح إدارتها لمستثمرين أجانب، بالتوازي مع حملات بيع المصانع والأصول والمرافق، وكان ذلك عارا وطنيا، استمرت بعض مظاهره إلى اليوم، فمن يفرط في تاريخه يبيع حاضره ومستقبله، وكان البديل الوطني الصحيح، أن ترعى مصر آثارها الضخمة الفخمة، وعلى نفقتها، وبما يليق، وأن تنتشر حركة إنشاء متاحف جديدة، وإجلاء الغبار عن المتاحف الأقدم، وأن تحيي الذاكرة الثقافية، وتمنح الأجيال الجديدة فرصة الاعتزاز بالذات الوطنية الحضارية، إضافة لمضاعفة عوائد النشاط السياحي المقبل إلى مصر، ودعم السياحة الثقافية إلى جوار سياحة الشواطئ، وإقامة متاحف تضاهي أحدث متاحف العالم المتطورة تكنولوجيا، ومن دون إهمال لتراث أي مرحلة في تاريخ مصر، التي هي الدولة الأقدم الأعرق في التاريخ الإنساني، وحضارتها المتنوعة الفريدة هي الأعظم بلا منافس، وقد جرى استفتاء علمي متخصص قبل شهور، كان المشاركون فيه من العلماء والمهتمين الأوروبيين، أجروا تصويتا إلكترونيا، شمل 15 حضارة في التاريخ القديم، من الحضارة الصينية إلى الإغريقية والفارسية والرومانية وغيرها، ولم تكن النتائج مفاجئة، فقد فازت الحضارة المصرية باللقب الأعظم والأول، فهي الأسبق إلى اكتشاف الضمير، والقانون والعدالة والإبداع الفني والفلكي والهندسي والكيميائي، ولا توجد في تراث حضارة أخرى عجيبة كالتحنيط وحفظ «مومياوات» الأجساد، وقد اكتشف منها المئات لملوك مصر القدامى وغيرهم، عاشت على حالتها الأولى لآلاف السنين .
وقد جرى اكتشاف مومياوات ملوك وملكات مصر الأقدمين في «وادى الملوك» ومنطقة «الدير البحري» في الأقصر، كان ذلك في نهايات القرن التاسع عشر، والأقصر «طيبة» كما هو معروف كانت عاصمة مصر لزمن ألفي طويل، وقد نقلت المومياوات منها إلى القاهرة، أوائل القرن العشرين، حين جرى إنشاء «المتحف المصري» الشهير في ميدان التحرير، ثم جاء الانتقال الأخير قبل أيام، وبعد نحو 120 سنة من الحجب في متحف التحرير، وبمراسم مهيبة كميراث الأجداد، وإلى ما يعرف رسميا باسم «المتحف القومي للحضارة المصرية» ويعرف اختصارا باسم متحف «الفسطاط» في قلب القاهرة التاريخية الإسلامية التي يعاد تأهيلها اليوم، و»الفسطاط» كانت أول عاصمة لمصر في تاريخها الإسلامي، وجرى اختيارها كنهاية لرحلة المومياوات، والمعنى الضمني ظاهر بغير التباس، ويرد بذاته على ترهات صغيرة، تدعي أن مصر تغادر هويتها العربية إلى هوية فرعونية، أو أن الحكام يريدون ذلك، وكأن الحكام يصنعون الهويات حسب الرغبات والمقاسات، بينما لا يستطيع أحد تغيير حقائق مصر الكبرى، وهي «الفرعونية الجد العربية الأب» بحسب إيجاز بليغ للعلامة جمال حمدان، وقد كان وطنيا مصريا قوميا عربيا ناصريا، فقد مرّت مصر بمراحل تاريخية ألفية السنوات، نهضت وضعفت، وتعرضت لعشرات الصور من أبشع احتلالات الغزاة، وتغيرت لغتها ودينها مرات، لكنها لم تغير جغرافيتها أبدا منذ عصر «مينا» موحد القطرين، وظلت كقبضة يد لا تنفك أصابعها، رغم تراكمات القهر وتوالي صنوف الطغيان، وخاضت حروبا كلها دفاعية، وهزمت في معارك وأزمان، لكنها لم تخسر حرب الوجود المتصل أبدا، وأقامت شواهد عظمة باقية، تستعصي على الاندثار، وصنعت فجر الضمير الإنساني، وكانت واحة العالم القديم وجوهرته الأثمن، وصاغت حضارة التوحيد القومي والديني، حتى قبل أن يهبط الوحى الإلهي برسالات السماء، واستعدت لحساب العالم الآخر بعد الدنيا الفانية، وعرفت بذاتها طقوس الصلاة والصيام والمواقيت والحج المقدس، وتركت وثائق كبرى لصلاح الدنيا والآخرة، من نوع عدالة «ماعت» و»كتاب الموتى» وكان ابنها «أخناتون» هو أول من بشر بعقيدة الإله الواحد «آمون» وكان لاسم مصر السيادة العظمى في متون كتب السماء جميعا، وجاء إليها النبي يعقوب بعد ابنه النبي يوسف، وخرج منها «النبي موسى» الأكثر ذكرا في آيات القرآن الكريم، وتزوج منها قبله إبراهيم أول الأنبياء، واقترن منها خاتم الأنبياء محمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام، واحتمى بها السيد المسيح وأمه مريم، ولم يكن «فرعون موسى» مصريا، بل هكسوسيا محتلا، وظلت مصر الموئل المفضل لهجرات بشرية وتفاعلات ثقافية ولغوية، راكمت تبادلا هائلا لمفردات لغوية مقبلة من المنطقة التي نصفها اليوم بالعالم العربي، وكانت حروب ملوكها العظام الوجودية، كمعارك «مجدو» تحتمس و»قادش» رمسيس، تجري في ما نعرفه اليوم باسم المشرق العربي، فقد تعربت مصر بغرائز الأمن قبل تعريب لغة اللسان، ومع فتح عمرو بن العاص، تعربت لغة مصر بكاملها في بضعة عقود، وكان للكنيسة المصرية الدور الأكبر في تسريع التعريب، وقبل أن يسلم غالب أهل مصر على مدى مئات السنوات اللاحقة، وهكذا تكونت هوية مصر الختامية، ودونما إنكار أو تجاهل لمراحل الزهو المصري الأقدم، فما يسمى بغير تدقيق بالتاريخ الفرعوني، هو قاعدة الهرم المصري التكويني متعاقب الدرجات، وظلت عناصر من ثقافته سارية مؤثرة في النسيج المصري، وبانسجام لا شبهة لتناقض فيه مع التوحيد الإسلامي ورسالة العروبة الحضارية، التي ظلت مصر حصنها المكين، والقطب الأعظم في الفهم المتحضر الأرقى الأغنى لصحيح الدين، البريء من التعصب الجاهلي والتدين الصوري الصحراوي الجهول.
كاتب مصري
بالرغم من انبهارى بالحضارة المصرية القديمة إلا ان اهدار2مليار دولار على متحف وعرض للاموات فى بلد يعيش اكثر من85مليون من الأحياء فيه تحت خط الفقر ليس له اسم إلا سفه!
ماوراء المومياوات هو مومياء مفتونة بتقليد كل حركات وسكنات السفاح الروسى ابو على بوتين! فكل هذا العرض وكل الاموال المهدرة لم تكن إلا كى يسير القزم بمفرده لأكثر من3دقائق امام الكاميرا فى ممرات المتحف وهو فى حالة غير مسبوقة من اليوفوريا او النشوة!
من لم يستطيعوا الفرح والفخر ليسوا استثناء ولا هم أصوات شاردة نشاز! انما هم الغالبية العظمى من اهالى المحروسة الفقراء الذين قتلت عصابة العساكر الحرامية عزيز لديهم او اغتصبوا بناتهم او هدموا بيوتهم
لم يكن لمسر اى دور فى تحرير السفينة من رمال القناة
لو كان التصويت الإلكترونى شمل15من أعتى وأغبى الطغاة في التاريخ بدلاً من15حضارة لفاز عبده كبارى بلا منافس
صحيح ان فرعون موسى لم يكن مصريا والأرجح انه كان من الهكسوس المحتلين!لكن سواء كان مصرى او غير مصرى فما فعله ببنى اسرائيل لم يكن إلا نزهه مقارنة بما فعله فرعون مرسى فى مصر والمصريين المسلمين!
على فكرة جمال حمدان والذى كان ناصريا هو من قال ايضاً ان حكم العساكر دائماً مايدخر قوتة الديبلوماسية للخارج وقوته العسكرية للداخل
تمجدون هذه الحضارة أكثر من تمجيد الله سبحانه والتي يروي تاريخها نفسه كيف إستعبدوا البشر و نشروا الرعب فيهم و الأكثر أن منهم من كان يعبد من دون الله يمجدونه الأن ويعظمون أليس هذا جهلا وتمجيدا لكافر .
مااعظم ماقلت ايها الاستاذ الكبير – الفرعونيه هي ام الحضارات والهجوم عليها دليل على الجهل بالتاريخ وعمق الحضاره المصريه- مصر هي فعلاً ام الدنيا فعلاً وقولاً – عاشت مصر وشكراً على هذا المقال- انا عربي يملؤه الفخر بمصر التي وحدّت الفطرين قديماً ووحدت القطرين بزمن خالد الذكر.
السيسي رد على اصحاب مصر تنهض من رماد و ذكرهم ب 62 و 67 نقطة الى السطر
أيهما أولى أن ننفق الأموال على الأموات أم على الأحياء الذين هم بحكم الأموات ؟
يااخت ايمان ويااخ عبد القادر ويااخ سمير: ليس هناك من الاولى باالانفاق –اي دوله مسؤوله تنفق بتوازن لتحقيق النهوض الشامل: على الناس وكذلك على القطاعات الحيويه بالوطن–طبعاً الآثار الفرعونيه من اهم القطاعات، مثلها مثل الصناعات الثقيله ومثل قناة السويس ومثل جامعة الازهر الشريف. وهولاء الملوك الفراعنه لاننظر لهم كاموات بالمعنى المجرد بل كقيم اثريه تشتمل على معجزات مصريه علميه طبيه روحيه يقف العالم مبهوراً امامها. مفروض انه الامور تقدر ضمن سياقها الصحيح. الاستاذ الكبير قنديل اوضح لنا بافصح الكلام القيمه الاقتصاديه، القوميه، الاسلاميه، المسيحيه لهذا العمل الكبير. وصراحه ليس مهم اذا كان فرعون موسى عليه السلام مصري او هكسوسي –المهم انه التاريخ الفرعوني يشتمل على فراده استثنائيه. لدينا آثار رومانيه كثيره في الاردن وهذا لايمنعنا من حبها وتقديرها واعتبارها جزء ثمين من تاريخنا ونحن نفتخر بااجدادنا الانباط بناة المجد البترا/وي العظيم قبل انوار الاسلام. عاشت مصر وحماها الله ارضاً وسماء، قناة ونيلاً، شعباً ماضياً وحاضراً.
لو كان موكب لإطعام الفقراء لكان له هيبة أعظم