صداقة بين أنثى وذكر…

حجم الخط
20

سؤال قديم جدًا، قِدم وجود الإنسان، هل يمكن لرجل وامرأة أن يكونا صديقين حقيقيّين، مثل الصداقة بين امرأتين أو بين رجلين؟
ما الذي نعنيه بقولنا، صداقة حقيقية! هل هو البَوح بكل ما يجول في خاطر أحدهما، وفي كلِّ ما يواجهه من تفاصيل حياته اليومية، فيجد أحدهما في الآخر ملاذه في قضايا أسريّة ومادية أو عاطفية وحتى صحيّة!
هل هناك قضايا حسّاسة جدًا، لا يستطيع الرجل أن يبوح بها إلا لصديقٍ رجل، ولا تستطيع المرأة البوح بها إلا لإمرأة صديقة! أم أنه من الممكن وجود صديق من الجنس الآخر والبوح له بأكثر المواضيع حساسية! وإذا بلغت العلاقة إلى مثل هذا العمق، ألن تتحول إلى حب!
كثيرًا ما تنشأ هذه التساؤلات بعد فشل علاقة عاطفية، ويقرّر الطرفان احترامًا لبعضهما أن يواصلا العلاقة كصديقين! قد يكون قرار الصَّداقة نوعًا من الدفاع عن النفس في مواجهة الهزيمة العاطفية.
هناك من قال بأن الصداقة بين الرجل والمرأة هي حبٌ فاشل؟ وقال آخرون إن الصداقة بين الرجل والمرأة هي حبٌ مُؤجّل! فالصداقة إذا استمرت ستتحول إلى انجذاب جنسي وحُبٍّ.
لا أرى تناقضًا، فالصداقة هي نوع من الإعجاب والحب، والفصل بينهما مصطنع، فأنت لا يمكن أن تصادق من لا تحبه، وقد تكون أرقى أنواع الحب.
فهل في إمكان الطّرفين الترفع وعدم التفكير في علاقة جنسية، حتى وإن نشأت بينهما هذه الثقة الكبيرة التي تعني حبًا؟
هنالك نساء يدّعين بأن الصداقة بين الرجل والمرأة أكثر نجاحًا من الصداقة بين امرأة وامرأة، فالمرأة تحتاج لمن يعرف عالم الرجال، تستشيره في قضايا خاصة، مثلًا عن رأيه في تصرف ونوايا وكلام شخص ما تجاهها! تريد نصيحة من رجل يفهم الرَّجل.
كذلك الأمر بالنسبة للرجل، فهو يحتاج إلى صديقة قد يستشيرها في قضية عاطفية مع شريكته أو حبيبته، أو مع أنثى يريد إقامة علاقة معها.
هناك من قالت إن الصداقة هي أن ينظرا إلى بعضهما كأخوة، وهذا يعني عدم وجود أي تجاذب جنسي بينهما.
في الماضي كنا نسمع عن تآخٍ بين رجل وامرأة، ربما أن ظروف الحياة القاسية وصعوبة التنقّل كانت تؤدي إلى حاجة امرأة ما إلى رجل لإعانتها، أو العكس. ولإبعاد الشبهات في العلاقة، يعلنان أنهما مـتآخيان، وهذه العلاقة البريئة كانت تمتد لعقود وأجيال، يعرفها كل أبناء القرية أو العشيرة ويحترمونها.
هناك من يقول إذا انفصل الزوجان فممكن لهما أن يبقيا صديقين، وذلك إذا كانت نفساهما طيّبتين وخاليتين من الحقد وتجمعهما مصلحة الأبناء، الحقيقة أنني لم أصادف حالة كهذه، فجميع المنفصلين الذين عرفتهم لا علاقة بينهما سوى لضرورات، مثل نقل طفل إلى المدرسة أو المشاركة في مناسبة لأحد الأبناء، وبقية العلاقات معدومة، حتى مع الحلقة القريبة من الزوج أو الزّوجة، وهذا يختلف من مجتمع إلى آخر.
تقول إحداهن إن الصَّداقة بين الزوجين شرط لنجاح العلاقة الزوجية، كي لا يضطر أحدهما إلى البحث عن من يقوم بدور الصديق، بدلًا من الزوج أو الزوجة، لأن كليهما يحتاجه. ممكن لمثل هذا الصّداقة أن تنشأ في ظروف عمل مشترك بين الجنسين، إذا كسب كلٌ منهما ثقة الطرف الآخر، وكانت هناك مصلحة في صداقة تجعل من عملهما أكثر نجاعة وراحة وربما متعة للطرفين، إذا لم يكن لدى أحدهما أو لدى كليهما فراغٌ عاطفي يحتاج إلى ملئه.
يدّعي البعض أن عامل الغيرة قد يدخل في العلاقة بين رجل ورجل أو بين امرأة وامرأة، مثل تحقيق الذات والنجاح على المستوى المهني والربح المادي، وقد تنشأ منافسة صامتة بين الصّديقين، ولكن هذه الغيرة لا تنشأ بين رجل وامرأة صديقين، وإذا نشأت فهي أقلُّ حدّة، لأننا عادة نقارن نجاح امرأة ما بنجاح نساء أخريات، ولا نقارنها برجال يعملون في المجال نفسه، وكذلك الأمر بالنسبة للرجل.
هناك من تقول بأنها تشعر بالأمان أكثر مع صديقها الرجل، وتعتمد عليه في مواجهة الصُّعوبات، وتلجأ إليه وقت الحاجة، وتجده متجاوباً أكثر لخدمتها ومساعدتها بصدق.
هنالك بحث أُجري في جامعة مينوسوتا الأمريكية، جاء فيه أن 41% من الرجال يسيئون تفسير تودّد المرأة وتقرّبها منهم، ويفهمونه على أنه إيحاء جنسي، مقابل 29% من النساء فقط يشعرن بهذا الشعور، هذا البحث في مجتمع أمريكي، وأعتقد أن نسبة من يسيئون التفسير سترتفع في المجتمعات العربية بسبب الكبت الجنسي، مع تفاوت ما، بين مجتمع عربي وآخر.
هناك أبحاث تقول بأن الصداقة بين الرجل والمرأة، إما أن تتطور إلى حبٍ وتجاذب جنسي لأن هذه طبيعة بشرية، وإلا فإنهما يبدآن في التباعد عن بعضهما، بمختلف الذرائع، مثل الانشغال بالعمل وغيرها، حتى تكاد العلاقة تتلاشى.
في تراثنا العربي والإسلامي تحذيرات ونهي عن اجتماع الرجل بالأنثى، إلا بوجود مَحرم للمرأة.
المشكلة تبدأ عندما تختلط الأمور، ويصبح من الصعب على أحد الطرفين أو على كليهما تحديد العلاقة إذا ما زالت في طور الصداقة الحميمة، أم أنها أخذت منحى الحب والانجذاب الجنسي، وهل هذا ارتقاء في العلاقة، أم أنه تدهور في المشاعر السامية إلى ما هو أدنى.
في قصة مسحوق الهمس ليوسف إدريس، يعشق أحد السجناء ما يظنه صوت امرأة وأنينها في الزنزانة المجاورة لزنزانته، ويعيش على هذا الصوت والأنين،
بل ويحاروها من خلال النّقر على الجدار، حتى يكتشف أنه في آخر زنزانة في طرف المبنى، ولم يكن هناك زنزانة إلى جانبه ولا أنثى، سوى تلك التي صنعها في خياله.
رأيي أن الصداقة هي درجة راقية من درجات الحُبّ، وكلما كانت الصداقة أكثر عمقًا كانت أقرب إلى الحبّ، ويتعلق بالطرفين وسنّهما وظروفهما، إذا ما كانا يريدان لهذه الصداقة أن تمضي نحو أمواج الغرام وصخبه، أم يبقيانها على شواطئ المشاعر الهادئة المنضبطة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالله السوري:

    صداقة بين رجل وامرأة هذه تجدها لدى الغرب الذي اصبحت لديه العلاقة الجنسية تحصيل حاصل ولهذا تغيرت نظرته الى المرأة من حيث انها أنثى بعد ان اصبحت نسبة عالية من النسوان الغربيات ( مسترجلات) اكثر من الرجال عندهم اما ان تحصل صداقة وتبقى عذرية فهذا نادر جداً وفي الغالب تنتهي هذا الصداقة بعد ان يتم تدشينها على سرير المتعة وبعدها يذهب كل الى سبيله بعد ان تصبح العلاقة جدية

  2. يقول حسين حمود:

    الصداقة هي عبارة عن علاقة ناضحة وصك تعاهد ما بين شخصين او اكثر.
    من الطبيعي ان يكون مفهوم الصداقة ما بين الرجل والمرأة معدوم وغير مقبول في مجتمعنا الشرقي وذاك يعود الى نمط التربية التي نشأنا عليها وانا شخصيا احتىرم هذه العادات وذلك يعود من باب اختلاطي يالمجتمعات الأخرى .
    انا شخصيا لا احبذ بما يسمونه بالصداقة ما بين الرجل والمرأة بمفهومنا الشرقي اي بما يعنية العلاقه البريئة الشريفة دون الأنزلاق في امور الشهوة والتودد.فالتقرب ما بين الجنسين لا بد وان يثير مثل هذه الامور بالنهايه،ولا ننسى قول الرسول صلعم ما احتمع رجل او أمرأة الا كان الشيطان ثالثهما.

  3. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية لالاستاذ سهيل وللجميع
    كان الافضل ان تحدد مكان وزمان تلك الصداقة ففي اوربا والغرب عموما ممكنة جدا لان الانثى والذكر موجودين مع بعض منذ مرحلة الروضة الى الدراسة الابتدائية والجامعة فليس هناك منع من الاختلاط بين الجنسين ولذلك من السهل جدا ان تجد مجموعة من الاصدقاء في المدرسة او العمل مختلطين كان يكون امراتين وثلاثة رجال او العكس اما في مجتمعاتنا فالامر مستحيل فالرجل يحلم ان يلمس يد امراة لمصافحتها فكيف يستطيع التحدث معها دون ارتباك ولكن الامر يحدث احيانا بين الاقارب واما قضية الشيطان فهو موجود في عقولنا فقط

  4. يقول ..:

    نعم الأمر يعتمد على تفكير الطرفين

  5. يقول رسيله:

    مقاله رائعه كاتبنا أثارت تساؤلا مهما جدا الا وهو :ه حقا يوجد علاقة صداقة بين الرجل والمرأة؟
    بداية لا مفر من العلاقات البشرية على اختلاف أشكالها وأنواعها فارتباط الجنس البشري ببعضه يحتم قيام أشكال كثيرة من العلاقات الشخصية بنوعيها الحسي والسحابي وما يتفرع عنه من صداقة أو عداوة وحب أو كره وزمالة وجيرة وبيع وشراء وتعاملات شخصية إلى ما هنالك من أنواع العلاقات البشرية فصداقة المرأة للمرأة تختلف تماما عن صداقة الرجل للرجل خاصة عند التعاطي بأمور حياتية مشتركة بين كلا الجنسين الذكر والأنثى ولجهة الأريحية في طرح مواضيع ذات علاقة مشتركة بينهما.
    هذا وتعتبر علاقة الصداقة بين الذكر والأنثى وسيله لحماية القيم والحياء واﻷعراض والذوق العام وتحارب إشاعة الفاحشة وانتشار الرذيلة…وعلى رأس تلك الشروط يأتي شرط يمنع إقامة الصداقة بين الذكور واﻹناث، حماية لما سبقت اﻹشارة إليه، وقد يكون ذلك منطقيا خصوصا إذا ما اعتبرنا أن المرأة مجرد بضاعة يجب لمها بعيدا عن العيون، وتلك نظرة ظلت للأسف سائدة في عصور الانحطاط التي مرت بها المجتمعات العربية( يتبع)

  6. يقول رسيله:

    ( تكمله ثانيه ) والحقيقة أن المرأة: طاقة هائلة للدفع نحو معالم الطًهر والعفة والتعاون على الخير في العلاقات البشرية.
    أما في عصرنا الحديث فقد شوه كل المعاني وأصبح المجون حرية والسذاجة صفاء والوقاحة حبا.. ونسب لهذا الدين -الذي ميز بين الرشد والغي- كثيرا مما لم يأت به، اﻷمر الذي دفع بعضنا للقول بأن “العلاقة بين الجنسين “مجرد سلم ﻹشاعة الفاحشة والرذيلة، وأن العقل يمنعها قبل الشرع، وهو ما أكده بعض الشباب والشابات العرب في دراسات تتعلق بالموضوع، إلا أنني -وقد أكون مخطئا- أرى أن أبناء المجتمعات العربية يستمدون مواقفهم في كل قضية تتعلق بالمرأة من تقاليد اجتماعية وثقافية تعود إلى عصر التصور البدائي للمرأة، والنظر إليها بصفتها أنثى قبل أن تكون إنسانا!!، فالمتمعن في قصص مجالس العرب البداة القدامى يدرك أنها كانت ميدانا لشرب الخمر ولعب الميسر.. وعليه لامكان للنساء في تلك المجالس، واستمدينا فكرة منع العلاقة بين الجنسين من ذلك، حتى أن العرب قديما -للأسف- كانوا يعتبرون المرأة عار يجب التخلص منه!!( يتبع)

  7. يقول رسيله:

    (تكمله ثالثه ) وهي أفكار خلصهم الاسلام من أكثرها وبقي بعضها عالقا في أذهان البعض، ويتضح ذلك بشكل أكبر من خلال الرجوع إلى عادات تلك البلدان ونظرة بعض من أهلها للمرأة، وموقفهم من تعليمها وتوليها للمناصب العامة!!
    لهذا -أعتقد- أن علينا أن ننظر للمرأة كإنسان قبل أن تكون أنثا، لها الحق في صداقة من تختار صداقته وفقا لضوابط الشرع والدين، ولاشك أنها قادرة على تكوين صداقة قائمة على التعاون على البر والتقوى ونبذ اﻹثم والظلم والرذيلة والعدوان..، وأن لا نسقط ما يقوم به بعض من لا يكترثون بالدين ولا بتعاليمه على آخرين لهم مبادئ استلهموها من دينهم الحنيف وقيم إنسانية..، وأن نعلم علم اليقين أن تضييقنا -نحن المسلمين- على المرأة وعزلها، يسيء لديننا أكثر مما يخدمه، وقد قال ابن تيمية في كتابه -مجموع الفتاوى- أن: ماكان منهيا عنه سدا للذريعة يباح ﻷجل المصلحة الراجحة، وقد قال القرافي أيضا: أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها ويكره ويندب ويباح، وأكثر من ذلك كله فتطهير العلاقات بين الجنسين وإخضاعها لمبادئ الشرع والقيم اﻹسلامية المثلى لن يكون( يتبع)

  8. يقول رسيله:

    ( تكمله اخيره ) ” بتكثيف الحُجب وتحويل البيوت إلى سجون للنساء، وإنما بالتوعية وبثورة تربوية على مستوى الأسرة تُحرر المرأة من رواسب الانحطاط وتفتح أمامها سُبل تصريف طاقاتها.
    ختاما،حدود العلاقات ومدى تطورها وبقائها يحكمها عدة ضوابط منها الدين والتربية وثقافة كل شعب ومجتمع وبالدرجة الأولى الحدود التي يضعها الأشخاص لبعضهم ومدى احترامهم لخصوصيات كل طرف منهم وعدم فرض النفس أو تجاوز الحدود حيث نجد الإحترام والإلتزام والتحرش، والتدين والإنحلال فنحن أمام عالم افتراضي قائم بحد ذاته فرضه التطور التكنولوجي.
    كاتبنا العزيز بوحك راقي وقلمك يزيد من طلة احساسك رقيا فقد سطرت لنا أرق المشاعر واعذبها، كلماتك في غايه الجمال والرقي ولنلتقي معك معك دوما بجميل العبارات وعمق الاحساس، دام رقيك النابض بالإحساس.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية