الرباط ـ «القدس العربي»: قال نزار بركة، أمين عام حزب “الاستقلال” المغربي، إنه حان الوقت لإعادة توزيع الثروة بشكل عادل، منبّهًا إلى اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في المغرب، ما أدى إلى تراجع الطبقة الوسطى. وأكد أن المرحلة تقتضي زرع الأمل في كل فئات المجتمع وفي المقاولين والمؤسسات، لأن هذا الظرف مطبوع بإشكالات ومخاطر متعددة وبضبابية كبرى.
وخلال اللقاء الذي نظمته مؤسسة “الفقيه التطواني”، وبثته مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي مساء الاثنين، استند القيادي “الاستقلالي” إلى المعطيات الحديثة “للمندوبية السامية للتخطيط” (هيئة رسمية مكلفة بالإحصاءات والمسوح الاجتماعية والاقتصادية) ليشير إلى أنه ما بين 2014 و2019 وصلت التفاوتات الاجتماعية إلى 46 في المئة، وهي ـ كما يقول ـ نسبة لم يشهدها المغرب منذ الاستقلال، مما ينذر بـ”التطاحن بين الطبقات” وفق تعبيره.
الفوارق الاجتماعية
واستطرد قائلاً إن الفوارق الاجتماعية ارتفعت في المدن إلى 17 في المئة، وإلى 40 في المئة في الأرياف؛ لافتًا الانتباه إلى أن 20 في المئة من المغاربة يمتلكون اليوم أكثر من 53 في المئة من ثروة البلاد، بينما كانت نسبتهم من الثروة 47 في المئة في عام 2014. ما يعني ـ حسب المتحدث نفسه ـ أن 80 في المئة من المغاربة يتقاسمون 46 في المئة من إجمالي الثروة.
ودعا بركة إلى ما سمّاه “توزيعًا منصفًا للتضحيات”، وقال: لا يعقل أن يبقى الأشخاص نفسهم هم الذين يُضحّون دائمًا، لا بد من اقتسام التضحيات، لكي تتقدم البلاد ويستمر الاستقرار السياسي وتتكرس الديمقراطية ويتحقق التوازن المجتمعي، مؤكدًا في هذا الصدد أهمية العدالة الضريبية.
وأشار إلى أن حزبه قدّم من موقع المعارضة اقتراحات من أجل تقليص هوة الفقر وتقوية الطبقة الوسطى التي تشهد تراجعًا مستمرًا، وذلك حتى تكون قادرة على مواجهة الزيادات المتتالية في الأسعار، ومن تلك الاقتراحات: مراجعة الضريبة على الدخل وتوسيع قاعدة المعفيين منها، وتقليص الضغط الضريبي على الطبقة الوسطى، وإعادة جدول الديون لدى الأسر المنتمية إليها. غير أن هذه الاقتراحات قوبلت بالرفض من طرف الحكومة، مضيفًا أن هذه الأخيرة عملت على تحرير أسعار المحروقات، ولم تقم بتسقيفها، مما جعل المواطن يكتوي بأثمانها المرتفعة.
واستطرد قائلاً إن المغاربة محتاجون اليوم للاطمئنان على حياتهم اليومية ومعيشهم وأمنهم الغذائي، وكذا لوسائل الارتقاء الاجتماعي، فضلًا عن حاجتهم للاطمئنان على مستقبل أبنائهم؛ موضحًا أن حوالي 70 في المئة من الشباب المغربي يحلمون بمغادرة البلاد، وفق ما تؤكد بعض الاستطلاعات. كما أن عدد العاطلين عن العمل ارتفع بشكل ملحوظ، حيث فاق مليونًا وخمسة آلاف شخص.
وأكد أمين عام حزب “الاستقلال” أن المطلوب حاليًا هو تقوية الأمل لدى المغاربة، واسترجاع ثقتهم في المؤسسات، عبر ربط القول بالفعل واعتماد آليات دائمة لتدبير الأزمات. ووجه في هذا الصدد انتقادات إلى الحكومة الحالية، التي قال إن عهدها اتسم بتعثر الإصلاحات، وتراجع نجاعة الإدارة، وكثرة التراشق بين الأحزاب المكونة لها، ووجود صراعات بين وزرائها. وقال: “رأينا الغرائب في هذه الحكومة، فريق برلماني من الأغلبية يصوت ضد المشاريع التي تصادق عليها الحكومة، وفرق برلمانية تتراشق فيما بينها، وحزب سياسي يصدر بلاغات ضد وزير ينتمي إليه”.
القفف الرمضانية
أما بخصوص موقف حزبه من السجال الدائر حول ما سُمّي “القفف الرمضانية” التي اتُّهِم فيها “التجمع الوطني للأحرار” باستغلال تقديم المساعدات للمحتاجين مقابل استقطابهم للحزب من أجل التصويت له خلال الانتخابات، فقال نزار بركة: “لسنا ضد الإحسان أو العمل الاجتماعي، لكننا نعارض أن يكون مشروطًا بالانتماء السياسي، كما نطالب بأن يجري في إطار مؤسساتي واضح وقانوني”.
وحول طبيعة المعارضة التي يقوم بها حزب “الاستقلال”، أجاب أمينه العام: “لا نقوم بالشعبوية والفرجة ولا بالتراشق الكلامي والخطابات المتناقضة، وإنما نعمل على تحصين الخيار الديمقراطي”. وأضاف: “نقول إنه من الضروري أن نكون قوة اقتراحية، لا أن نكتفي بالنقد، وإنما نقدم بدائل، إننا نمارس معارضة استقلالية وطنية، ولا نعطي وعودًا كاذبة، بل نقترح الأمور القابلة للتنفيذ حتى إذا كنا في الحكومة نكون قادرين على تنفيذها”.
واستعرض ركائز المشروع الذي يتبناه حزبه، وفي مقدمتها تعزيز السيادة الوطنية، والتركيز على المنتج الوطني والمقاولة الوطنية، وتحقيق إنعاش اقتصادي من شأنه أن يقلص من الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتحقيق الأمن الغذائي والمائي والطاقي، وتعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، وبناء الثقة بين الحكومة والمواطنين من خلال الشفافية والحق في المعلومة والمصداقية، وتكريس آليات الحَوْكَمة.
ودعا من جهة أخرى إلى ضرورة التوفر على قدرة إصلاحية كبرى ونجاعة وانسجام في العمل الحكومي؛ مشيرًا إلى أن “القطبية الحقيقية” في المغرب اليوم هي ما بين دُعاة الليبرالية المفرطة التي تدافع عن تراجع الدولة وتركّز على القطاع الخاص ودعم فئة معينة منه بحجة أنها هي التي تستثمر وتنمي البلاد، وما بين فئة تنادي بالمساواة وتكافؤ الفرص والتعادلية الاقتصادية والاجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية وبناء مجتمع متوازن ومتضامن.
وأثنى على المبادرات التي أطلقها العاهل المغربي محمد السادس، بهدف التخفيف من معاناة المواطنين والقطاعات المتضررة من جائحة “كورونا”. كما تحدث عن تضحيات المغاربة وحسهم التضامني وتضحياتهم وإبداعاتهم التي ابتكروها لمواجهة الأزمة.
تقييم الدستور
وأكد أن هناك حاجة للقيام بوقفة تقييمية للدستور المغربي الجديد بعد مرور 10 سنوات على إقراره، ومعرفة ما طبق فيه وما لم يطبق، وما برز من ثغرات أثناء الممارسة من أجل تصويبها وتجاوزها.
وسُئل أمين عام “الاستقلال” والوزير السابق عما إذا كان لديه طموح لرئاسة الحكومة عقب الانتخابات المقبلة، فأجاب: “ليس لدي طموح شخصي، بل طموحي هو أن تتقدم البلاد، وأن يسترجع حزب الاستقلال مكانته اللائقة به في المشهد السياسي، وينال ثقة المواطنات والمواطنين، لكي يطبق البرنامج التي يؤمن به والكفيل بإخراج المغرب من الأزمة الحالية”. ونفى وجود صراعات أو تيارات داخل حزبه قائلاً: ليست هناك تيارات، نحن حزب هياكل ومؤسسات، ونشتغل في وئام وانسجام”. وعن التحالفات الممكنة مع الأحزاب خلال الانتخابات أو بعدها، ذكر نزار بركة أن تحالف حزبه مع أي هيئة سياسية أخرى لن يكون إلا على أساس البرنامج المحدد، مؤكدًا أن “الاستقلال” سيتحالف مع من يكون مستعدًا لترسيخ أسس مجتمع الحقوق والواجبات، ومستعدًا كذلك للقطع مع اقتصاد الريع والامتيازات. وقال: “لن ندخل الحكومة إلا إذا كنا سنسير في الاتجاه الصحيح، من أجل إنقاذ البلاد ومصلحة الوطن والمواطنين”.