يبدو أن التاريخ يأبى أن يغير مساره التراجيدي في بلاد الرافدين، كما يبدو أن القدر لا يكف عن عبثيته بشعب انهكته الحروب ومزقت أوصاله لعقود طويلة جدا. العراق الذي يعتبره الكثير من المؤرخين البوابة المضيئة والأبرز للتاريخ العربي القديم والحديث يتحول من عقد إلى آخر إلى حاضن لأعمال العنف والصراعات الطائفية، ومعقلا خصبا للمجموعات الإرهابية.
ولعل التقرير الذي أنجزته قناة «سكاي نيوز» في فقرة «عن قرب» ترجم بدقة عالية حقيقة الوضع في العراق منذ عقود طويلة.
والتقرير وإن تناسى حقبات سابقة من المآسي العراقية وسلط الضوء على تسلسل أعمال العنف وتصاعد وتيرتها منذ سنة 2003 حتى اليوم، إلا أنه قدم رؤية موضوعية للمسؤولين عن تحويل هذا البلد إلى مستنقع دماء، وسرد الأزمة العراقية بإيجاز هادف. حيث انطلق بالوهم والكذبة الامريكية التي أطلقتها سنة 2003 لتكسب تأييد العالم لغزو عاصمة العباسيين، مرورا بالتحولات التي تبعت ذلك والتي شملت اساسا عمق المكونات الطائفية العراقية التي تجند كل فصيل منها لأهداف طائفية أساسا لتتحول بمثابة مجموعات الموت التي تحصد الأرواح جزافا وسط تحفيزات خارجية امريكية وعربية وإيرانية.
وبمجرد التمعن قليلا في هذا الملف ندرك للوهلة الأولى أن السيئ بالأمر أن التعامل في الوقت الراهن مع العراق اصبح تعاملا مع قضية تتعلق بحرب المصطلحات أكثر منها قضية بلد هدمه الاحتلال حينا وفتتته حروب اهلية داخلية حينا آخر، زد على ذلك التدخلات الإقليمية والدولية وتداعياتها الكارثية على الشعب الذي قدم آلاف الأرواح دون أن تأبى الأحداث عن التوقف.
حرب المفاهيم والمصطلحات
وبغض النظر عن مسببات الحرب والعنف في بلاد الرافدين فإن الثمن الباهض الذي يدفعه العراقيون يوميا من أرواح ودماء أبنائهم يتجاوز حرب المفاهيم والمصطلحات الذي تدور في فلكه وسائل الإعلام العالمية عموما.
ولفترة طويلة فشل الإعلام العالمي في توصيف حجم الأزمة العراقية ودخل في نطاق السجالات الجوفاء التي تحوم حول المشكل ولا تتوجه إليه مباشرة، تحلل وتلاحظ وتصور، ولكنها تحصر كل شيء تحت مظلة نظرية المؤامرة وتتجاهل أن مشكل العراق الحقيقي يكمن في مجتمع مهيأ نفسيا لهذا الصراع، لهذا الاحتقان، لهذه الرغبة في نفي الآخر.
الحوار بالأحزمة الناسفة
ولا يتوقف الأمر هنا فرجال السلطة الذين يتحدثون باسم الشعب يتصارعون في الحكومة وفي البرلمان فيما تتصارع ميليشياتهم في الشوارع والطرق بالمفخخات والأحزمة الناسفة والعبوات المزروعة والمسدسات الكاتمة للصوت، من أجل تقاسم السلطة والثروة التي اصبحت مباحة للفاسدين، في حين يعيش الشعب العراقي حياة بائسة في ظل الغلاء الفاحش والبطالة الواسعة وأزمة السكن الخانقة، وانعدام الخدمات، والتصاعد الخطير في أعداد الأرامل والأيتام.
ولعلنا بمجرد التوقف عند تعداد مختلف الفصائل المسلحة التي ولدت من رحم حرب 2003 قد تتضح لنا الرؤية أكثر عن عمق الأزمة، وقد ندرك أنه من العسير جدا التكهن بموعد نهاية سنوات الدم في بلاد الرافدين، ولا سيما على المدى القريب.
وسننطلق بالجبهة الشيعية، حيث أقوى الفصائل أولها الجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، والذي يعد من أقوى المليشيات في هذا البلد وتشير بعض التقارير أن عدد عناصره يقارب الستين ألفا، و»عصائب أهل الحق» المعروفة بقربها من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، كما تعد الفصيل الأكثر تشددا وتورطا في الأعمال الطائفية، ويبلغ عددهم عشرة آلاف عنصر، يليه «جيش المختار» الموالي للمرشد الإيراني ويجاهر بالدعوة لقتل أتباع حزب البعث المنتهي ولايته، ويبلغ عددهم أربعين ألف مسلح، وفيلق بدر الذي انضم أغلب مقاتليه إلى الأجهزة الأمنية العراقية وعين الكثير منهم في مناصب قيادية في وزارة الدفاع وجهاز الاستخبارات، ويبلغ عددهم إثني عشر ألف عنصر.
ومن جهة أخرى أسست السنة أجنحة مسلحة عدة أوسعها المجلس العسكري العام لثوار العراق المتكون من خمسة وسبعين ألف مسلح وعرفت بالتنسيق بين عشائر السنة، فمجالس الصحوات الفصيل، الذي تكون بهدف مواجهة مد القاعدة وله دور كبير في كسر هذا التنظيم لحقبة طويلة، ولكنه دخل في خلاف مع الحكومة بعد أن رفض المالكي دمجهم مع الجيش والشرطة ذات الغالبية الشيعية وعددهم ثلاثين ألفا، ثم الجيش الاسلامي في العراق المتكون من عشرة آلاف عنصر من قادة جيش نظام صدام.
هذا مع العلم أنه تم التغاضي على بعض الفصائل الصغيرة لا سيما الشيعية منها، وطبعا يدرك الجميع أن هذه الفسيفساء من الفصائل المسلحة، التي أسست في البداية تحت مسمى حماية البلاد وكسر شوكة الاحتلال وغيرها من الأهداف تخلت عن شعاراتها الأولى وانساقت وراء ولاءاتها الطائفية محدثة مجازر كبيرة جدا.
ولهذا يبقى الحديث عن لملمة الجرح العراقي ووقف سفك الدماء رهن معجزة إلهية في ظل هذا الخليط من المليشيات التي تمتهن القتل بمختلف تجلياته. ويجدر التذكير أن هذه الأحداث وهذه الجماعات التي اتسعت دائرة حضورها ظهرت بسبب الاجراءات الخطيرة للإدارة الأمريكية وحاكمها المدني المعين آنذاك بول بريمر التي استهدفت هدم البنيان السياسي بكل مؤسساته العسكرية والأمنية والإدارية بقرارات متعجلة أوقعت البلاد في فراغ أمني أدى إلى انفلات طائفي قاد نحو هاوية الصراع الدامي الذي لم يشهد الشعب العراقي مثله طيلة تاريخه الحديث.
وما زاد الطين بلة تأسيس نظام حكم طائفي تقوده أحزاب دينية طائفية شيعية في بادئ الأمر، ثم اتبعتها الأحزاب الطائفية السنية فيما بعد لتبلغ الأزمة ذروتها.
تونس الرئيس الجديد
ومن العراق الذي ما يزال يبحث عن مخلص للمستنقع الطائفي الخانق، إلى تونس التي بلغت المحطة الأخيرة من العملية الانتخابية بعد أن حسم السباق نحو قصر قرطاج نهاية الأسبوع الماضي بفوز رئيس حزب نداء تونس أمام غريمه الرئيس السابق المنصف المرزوقي.
وبهذا تكون تونس قد اختارت لأول مرة رئيسها وفق مسار انتخابي ممتاز ترجم الأرضية الديمقراطية التي بدأت تميز المشهد السياسي في تونس بعد الثورة. وقد كانت هذه المحطة الحاسمة ملتقى الاعلام العالمي الذي حضر ليواكب ثمار ثورة يرى النقاد أنها أوفت بوعودها بعد أن كادت تنحني عن مسارها السليم. وقد كانت قناة «فرانس 24» في مواكبة حية لفعاليات العملية الانتخابية، سواء على مستوى نشرات الاخبار أو الفضاءات الحوارية المباشرة على غرار برنامج «نقاش» الذي يقدمه الاعلامي توفيق مجيد، والذي مرر على ثلاثة أجزاء تزامنا مع مراحل العملية الانتخابية.
والبرنامج استدعى الكثير من الوجوه الاعلامية والسياسية في البلاد، وتمحور الحوار حول مسار الانتخابات ورهانات المرحلة القادمة، وخيارات الأحزاب في دعمهم للطرفين والحسابات السياسية المطروحة في هذه العملية.
والأكيد أنه بعد مرحلة الطعون وكلمة المحكمة الادارية التي قد تأخذ مساحة زمنية تتجاوز الاسبوعين ستنطلق التساؤلات حول الجهة التي ينبثق منها رئيس الحكومة القادم وعما إذا سيكون من عائلة النداء أو من بين حلفائه؟
وعما إذا ستتسع القاعدة السياسية لهذه الحكومة إلى اليسار الممثل بالجبهة الشعبية أو إلى اليمين المتمثل في حركة النهضة؟ رهان تشكيل الحكومة المقبلة ستكون الورقة المطروحة للنقاش على طاولات المواطنين والإعلام على حد السواء في إطار البحث عن التحالفات الجديدة التي ستقوم عاجلا ام آجلا.
من جهة أخرى يذكر النقاد وبعض خصوم الرئيس الجديد عن مخاطر التغول في حال خضوع السلطة التنفيذية لجهة واحدة، والتخوف من المساس ببعض المكتسبات بعد الثورة وعلى رأسها حرية التعبير.
مستقبل الإعلام في تونس
والحقيقة أنه لا بد من أخذ هذه المخاوف على محمل الجد لأن عقلية التغول هي ميول طبيعي لدى الحكام عموما، وتبقى قائمة، خاصة في ظل المجتمعات الجديدة على عقلية الديمقراطية، وعلى مبدأ استقلالية المؤسسات، وهو ما يحتم الحذر واليقظة ربما بنسق أكثر من الفترة السابقة.
وهذا الأمر اتجهت إليه حركة النهضة فترة حكمها عندما حاولت السيطرة على مفاصل الإدارة في تونس لولا اصرار الإعلام ومكونات المجتمع المدني وجانب من المعارضة الذين كانوا بالمرصاد للحد من هذا التوجه.
ولهذا يجب أن تكون النخب الإعلامية والإدارية والجمعياتية على استعداد لعدم تقبل أي شكل من أشكال الهيمنة التي قد تمرر وفق مسميات جديدة قد تختلف عن الأشكال التي اعتمدت في الفترات السابقة.
كما سيكون أمام رئيس تونس الجديد تحد كبير وهو التعامل بعقلية ناضجة تعي جيدا حجم المكاسب التي بلغتها تونس اليوم ويسهر على انجاح مسار الديمقراطية عمليا باحترام قواعدها الكبرى، وتحييد محيطه الحزبي عن انشطة الدولة حتى لا يقع في أخطاء الماضي.
إعلامية من تونس
فاطمة البدري
مشكلة العراق يا أستاذه فاطمه هو ليس الاحتلال
انما من جاء مع الاحتلال وخاصة من ايران
ولذلك فحل المشكلة تتم بحل ايران
أما تونس الخضراء فتبقى خضراء يانعه
ولا حول ولا قوة الا بالله
عادة انجذب لقراءة المقالات بسبب جاذبية العنوان،أما والحق يقال بأن حسن وجمال الكاتبة هو الجاذب الاكبر لي لمقالاتها تبارك الله جمعت بين جمال القلم المبدع وجمال الصورة.
استطاعت امريکا والغرب من تحويل المذاق التونسي من الاخوان الي اعضاء النظان السابق لبنعلي الذي کان تحت سيطرتهم سابقا فباي ديمقراطيه تتشدقين يا اخت فاطمه بينما في العراق لم تستطع امريکا والدول الغربيه من التسلط علي الشعب وتحويل مذاقه فالشيعه ليسوا کالسنه لائن لهم مرجعيه
الى سيد العراق؟؟؟؟؟؟
ليس في الاسلام اسياد!!!! وان كنت تعني سيد اسياد العراق والعرب سيد لشهداء،، شهيد الحج الاكبر البطل صدام حسين المجيد فالعرب كلها معك!!
الاخت الكاتبه العزيزه ..
لم تخرج الكاتبه عن باقي الكتابات عن العراق والنتيجه هي مهاجمه النظام القائم حاليا بشتى الاسباب والمسببات حتى وان جاء ديمقراطيا على دبابات اصوات الشعب العراقي ومن خلال الصناديق ..
ولا ادري لماذا يلغي الاخوة الكتاب اصوات الشعب العراقي ،، ولماذا لا يتم الاعتراف بما يريده العراقيون لانفسهم ..
العراقي اذا لم يؤمن باللعبه الديمقراطيه الحاليه في العراق لماذا يشارك فيه اذا ؟؟ ولماذا نرى الطوابير الطوال اثناء الانتخابات النزيهه وبشاهدة جميع الجهات ومنها الجامعه العربيه والامم المتحدة والمشاركين في الانتخابات كلهم لا يشككون بها ..
لكن يأبى الاخوة العرب الا نكران صوت اخوتهم من العراقيين ..
لماذا ؟؟ الله اعلم ..
وذلك لا يمنع ان في العراق انهارا من الدماء والسرقه والفاسدين والمفسدين وهو ما يقوله سياسيوه قبل مخالفوه ويعترفون به ..
ملاحظة صغيره : الاخت الكاتبه لماذا وصفت جهة مسلحه بانها ميليشيات وجهة مسلحه اخرى بأنها كتائب مسلحه ومسميات اخرى ؟؟؟
هذه احدى التناقضات التي يقع فيها اخوتنا الكتاب العرب ايضا وعلى سبيل المثال بالطبع ..
الى من. يدعي اسمه محمد علي؟؟؟؟
الخليج العربي يا حضرة
شرح حقيقي لما يجري في العراق حيث الحرب الطائفية على اشدها وحيث لعب الامريكان والمرجعيات الدينية ، السنية منها والشيعية ، دوراً اجرامياً . هناك استنتاجان
اولاً : ان الاستعمار الامريكي هو عدو جميع العراقيين
ثاننياً : ان الحكومة الدينية فشلت في العراق وستفشل لأن العراقيين ليسوا طائفة واحدة ولا حتى يؤمنون بدين واحد فهناك السنة والشيعة والمسيحيون والصابئة واليزيديون ولا تستطيع حكومة شيعية ان تدعي انها تؤمن بالمساواة لانها تسير حسب ارشادات المرجعية الشيعية في النجف كما اعلن حيدر العبددي ذلك في خطابه في مجلس الامن.
مع تقديري لك
ألأخت فاطمة البدري…
سرعة نجاح ألتجربة في تونس وفشلها في ألعراق…يرجع لمدنية, ووعي, وإنفتاح تونس في محيطها ألدولي وألإقليمي, ولا ننسي ألتعليم كما ونوعا كان من ألأسباب ألمهمة لسهولة ألإتفاق بين ألفرقاء في تونس.
ألفخر وألنفخة بلا شي ألتي تخفي كل ألتخلف وألجهل ألعربي … كان من ألأسباب ألمهمة لفشلها في ألعراق.
لا مجال للمقارنة بين من اختار الديموقراطية ودولة المؤسسات وبين شخوص يعود الفضل في اعتلائهم لكراس ملطخة بالدم لاعداء وطنهم.
لامجال للمقارنه بين مايجري في العراق وتونس فواقع العراق اليوم بدأ الاعداد له منذ غزو الكويت عام1990 ولعبة اسعارالنفط وهي مشابه للعبة السعوديه بخفض اسعار النفط اليوم . وماتببع غزو الكويت من حروب وحصار ظالم احرق نسيج مجتمع العراق لتأتي بعدها امريكا وحلفاائها وتحتل العراق اتماما لازالة دولة العراق من على خارطة الارض وانشاء كيانات هزيله محلها تحكمها صراعات قوميه وطائفيه وكل ماجرى من انتخابات هزيلة ومزيفة انكشفت حقيقتها مع مرور الايام لانها جرت تحت اشراف لصوص سراق فمن اين لهم النزاهه حتى تكون انتخابات عادله مع التسسليم ان لاكمال للبشر ولالافعاله ولكن يكفي ان اغلب الفئزين بالانتخاابات ذوي شهادات دراسية مزورة ولايملكون مؤهلات لحمل صفة ناائب برلمانن لان اامريكا تعمد ايصال العراق الى انهيار اجتماعي وسياسي واليوم انهيار ااقتصادي بفضل فعل السعودية خفض اسعار ااننفط الى ادنى مستوى وكل ظروف العراقق مناقضه لظروف توننس فعلى اي واقعة تجري المقارنة