بعدما فر السوريون من بلادهم اضطرارا في محاولة لإنقاذ أنفسهم وعوائلهم من جحيم الحرب التي تدور رحاها في كل حدب و صوب حلوا بالمملكة المغربية بعد أيام و أيام من الترحال. اللاجئون السوريون في أماكن إقامتهم الجديدة لم تنته معاناتهم والآمهم بسبب الخدلان الذي قوبلوا به من أشقائهم المغاربة باستثناء القلوب الرحيمة التي تحيط بها الإنسانية وتشملها بالعطف والشفقة. لاجئون لم يجدوا من يضمد جراحهم الغائرة النازفة، بل ثمة من يثخنها ويزيد أوجاعها فيما تستقبلهم الجهات المسؤولة بآذان صماء وعيون عمياء.
لم يجد اللاجئون السوريون أي وسيلة لسد رمقهم ببلاد النعيم كما اعتقدوها ووصفوها وهم في طريقهم إليها سوى أن يتسولوا أمام عتبات المساجد لعلهم يكسبون بضع دريهمات من المؤمنين الذين يقابلونهم فلا يجدوا من يستجيب إلى نداءاتهم بالاستغاثة والمساعدة: دريهمات يصمتون بها بطونهم التي تجهش بالجوع ويريحون بها أجسادهم التي أنهكها التعب والإرهاق من التنقبل من مكان لآخر، من سوق إلى سوق ومن مركز تجاري إلى غيره. لكنها هي الأخرى تسد بواباتها بوجههم فيعودون إلى تذوق مرارة الحياة.
ها هي مريم، لاجئة سورية، تحكي بألم وقلب منكسر قصتها فتقول: إنه خذلان الأشقاء العرب الذي يزيد جراحنا نزيفا. اللاجئة مريم واحدة من بين عشرات اللاجئات السوريات في المغرب اللائي تتشابه قصصهن وآلامهن ومحنتهن: استغلال وتمييز وعنصرية. ذلك ما يوجهه السوريون في بلاد لسانها كلسان الشام. إنهن يواجهن الاستغلال الجنسي الرخيص في وقت لم يكن لهن ذنب سوى صيحتهن في شوارع سوريا: «حرية حرية» حتى طالهن التعذيب والعذاب لينتهي بهن المطاف أما في سجون النظام السوري سيئة الصيت أو في بلاد خاب ظنهن فيها.
مظاهر مؤلمة للاجئين، يتخلل الألم والبكاء كلامهم، لا مبيت ملائم سوى العراء حيث لسعات البرد القارس تلذغ أجسادهم وأجساد أولادهم، ولا ملبس متواضع يقيهم الأمراض التي تطوف حولهم، ولا طعام كاف ليتزود به الجسم فيشحن بالقوة التي استنزفتها الدموع والآلام والمصير المجهول. مؤتمرات واجتماعات وخطابات لم تزد اللاجئين سوى المعاناة، لم تكفكف دمعتهم ولم تغنهم وتسمنهم من جوع ولم تكفهم مصاعب الحياة ومشقاتها التي لم تخصر على بال أحد منهم في يوم من الأيام. لقد وجدوا أنفسهم، فجأة، مقذوفين خارج حدود بلادهم التي أحبوها، أحبوا كل ما فيها: خبزها وزعترها وزيتونها ولبنتها وماءها وبحرها وصحراءها. أحبوا تلك الأرض الخيرة التي أنجبت الثوار والمفكرين والشعراء فلتقت على أيديهم تعاليم المحبة والتسامح والتضحية. لقد سكت الشعب السوري على إرهاب الدولة وعلى سلوكها الفاشي المنظم سنوات طويلة ويوم انطلقت حناجر المواطنين بنشيد الحرية الإنساني قوبلت أجسادهم برصاص الرشاشاش وقذائف الدبابات في شوارع حمص ودير الزور وحلب والرقة وإدلب وفي كل مكان انبعث من نداء الحرية. لقد توقع السوريون، كما أظن، كل شيء مقابل الحصول على الحرية إلا خذلان الشقيق.
يونس عبدي