اختتم مهرجان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «مينا» السينمائي يوم 22 آيار/مايو 2021 بعد ان قدمت الأعمال السينمائية المشاركة طوال أيام المهرجان الثلاثة. ويقام المهرجان بدعم من بلدية مدينة لاهاي ومسرح لاكتياتروصندوق «Cultuurschakel» للدعم الثقافي. وقد أرتأت إدارة المهرجان أن تقدم فعالياتها بطريقة مشابهة للعام الماضي بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19. إذ قال المخرج السينمائي هواري غوباري المدير الفني للمهرجان؛ «تماشيا مع ظروف الجائحة والتردد الذي طبع الساحة الثقافية في كل أنحاء المعمورة، فقد بذلنا جهدا كبيرا لإقامة المهرجان في موعده على المنصات الرقمية المعتادة والذي نسعى أن يكون وسيلة ثقافية للتعريف بسينما شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأسئلتها وتحدياتها، والانفتاح على تجارب دولية أخرى أغلبها شبابية ومستقلة».
قدمت الأعمال السينمائية لدورة هذا العام من المهرجان عبر المنصات الرقمية على شبكة الإنترنت التي أتاحت للجمهور المشاهدة ومن ثم التصويت في فرع جائزة الجمهور في المهرجان. وقد شاهد أكثر من ثلاثة آلاف شخص فيلمًا أو أكثر طوال ثلاثة أيام. ولم يقتصر جمهور المهرجان على هولندا البلد الذي يقام في المهرجان السنوي، إنما شمل جمهور المشاهدين دولا من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإضافة إلى جميع أنحاء العالم من أستراليا إلى كندا ومن جنوب أفريقيا إلى أمريكا الجنوبية.
وقد نوه الشاعر محمد الأمين مدير المهرجان برأي الفيلسوف ايمانويل ليفيناس الذي قال؛ «أنظر في عيني، بدون هذا لا يوجد حوار، بدون حوار لا توجد علاقة، مع هذا الاتصال تأتي المسؤولية الأخلاقية لبعضنا تجاه البعض، إنني أدرك نفسي في هذا الفكر وأطلق عليه أيضًا فلسفتي، أنا قلق بشأن الأحداث الجارية في الوقت الحالي. كيف نشعر بمسؤوليتنا تجاه بعضنا البعض ونجري اتصالًا حقيقيًا عندما يعيش الجميع في عزلة في منازلهم؟ البشر مخلوقات اجتماعية ونحن بحاجة إلى الاتصال». وأضاف «لهذا السبب أردت استكشاف موضوع العلاقة الحميمة. كيف نعالج وضعنا في التعبيرات الفنية والأفلام التي يتم صنعها الآن؟ وأعني بالعلاقة الحميمة الاتصال الأساسي مع الآخر، في العلاقات الرومانسية وفي العلاقات العائلية، وأيضًا علاقتنا بالآخر عبر أنساق الصداقة والعمل».
وقد اشترك في المهرجان لهذا العام 33 فيلما توزعت بين الوثائقية والروائية والأفلام الطويلة والقصيرة، وشاركت عدة دول عربية في هذه الدورة بينها: لبنان، المغرب، الجزائر، تونس، مصر، سوريا، العراق، الأردن، وسلطنة عمان. كذلك شارك صناع أفلام من دول تشيلي، إيران، هولندا، روسيا، البرازيل، فرنسا، واليونان.
وقد أعلنت إدارة المهرجان في خطوة لافتة عن اختيار الشاعر والمترجم العراقي صلاح نيازي رئيسا فخريا للدورة الرابعة لمهرجان «مينا» السينمائي لسمعته الأدبية المميزة ومسيرته الإبداعية في الشعر والترجمة والعمل الإذاعي والتلفزيوني. ومن جانبه أعرب نيازي عن ترحيبه بالرئاسة الشرفية لهذه الدورة من المهرجان بشكل خاص، واعتزازه بالمهرجانات السينمائية بشكل عام وعن العلاقة التي جمعت الفن السابع بالشعر وتأثيره على الحياة اليومية، إذ قال؛ «اكتسب الشاعر الحديث من السينما، عنصر الحركة، وتقصّي اللقطات والمشاهد. بكلمات أخرى كان الشاعر فيما مضى يقوم بدور المتفرج المنتظر. أمّا مع عصر السينما، فقد أخذ الحديث دور المكتشف».
لجنتا التحكيم والأفلام الفائزة
العديد من الأفلام المشاركة في الدورة الرابعة لمهرجان «مينا» هي أفلام حائزة على جوائز في مهرجانات سينمائية محلية أو دولية، لكنها خضعت لتقييم نقدي جديد من عدد من الكتاب وصناع السينما الذين مثلوا لجنتي تحكيم المهرجان لهذا العام، إذ ترأس المخرج الهولندي الجزائري الأصل كريم طرايدية لجنة تحكيم الفيلم الطويل والتي ضمت إلى جانب طرايدية كلا من الناقد السينمائي المغربي حمادي كيروم والمنتجة الإيرانية الهه نوبخت، فيما ضمت لجنة تحكيم الفيلم القصير كلا من الروائية الجزائرية حنان بوخلالة والمخرج المغربي محمد اليونسي والممثلة الهولندية الين كوننغ.
الافتتاح لهذه الدورة كان مع الفيلم المغربي «هواجس الممثل المنفرد بنفسه» للمخرج الفرنسي من أصول جزائرية حميد بن عمرة، الفيلم يحكي قصة ممثل قديم يحب المسرح وعدسة الكاميرا، وكان يتمنى أن يلعب دوره الرئيسي حيث يقوم بتقديم مسرحية بطلها إسكافي يسعى إلى أن يمثل عامة الناس في الانتخابات الرئاسية في عام 2012 ويأخذنا الفيلم إلى تساؤل ما هو الحقيقي؟ وما هو غير ذلك؟ عبر تداعيات ذكريات الممثل التي تشكك في توقعات المخرج.
وقد فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي الفيلم الروسي «عندما يذوب الثلج» للمخرج أليكسي جولوفكوف، الفيلم يحكي قصة شخصين يمثلان عالمين مختلفين. هو ناسك وراعي أيائل، منزله الجبال المغطاة بالثلوج، يعتمد على نفسه فقط في كل شيء لأن حياته حرية مطلقة. أما هي فمقيمة في روما، تكرس كل وقتها تقريبًا لوظيفتها، تسافر عبر إيطاليا لقضاء فترة راحة قصيرة فقط. عوالمهما مختلفة لدرجة أنه يبدو أنه لا يوجد شيء مشترك بينهما، لكن كلاهما يعرف مدى سرعة تغير ايقاع الحياة.
أما الفائز بجائزة أفضل فيلم روائي طويل فكان فيلم إنتاج عراقي/إيراني مشترك هو» أنا يوسف يا أمي» للمخرج محمد رضا فرطوسي، الفيلم يحكي قصة شاب بغدادي اسمه يوسف، رفض الاشتراك في الحرب، فاعتقل من قوات الجيش واختفى أثره. الفيلم عمل أول من تأليف وإخراج الفرطوسي وهو ناطق باللغة العربية، اشترك في تمثيله الممثل الإيراني عباس غزالي والممثلة العراقية القديرة زهرة الربيعي، بالإضافة إلى حميدة موسوي وحميد حميدي وأحمد حيدري. وقد سبق لمحمد رضا فرطوسي إخراج عدة أفلام وثائقية منها «إيران، الجنوب الغربي» الذي شارك في عدد من المهرجانات العالمية وحصل على عدة جوائز.
أما جائزة الإخراج فقد ذهبت للمخرج التركي اورهان تيكي اوغلو عن فيلمه «حان وقت الرحيل» الذي يحكي قصة أب تركي، ابنه مريض يعيش في ألمانيا منذ أربعين عامًا، يسعى الابن للعودة إلى كوخهم في الجبال للعيش مع أبيه، وبينما يعد الأب كل شيء لاستقبال الابن، يموت الابن ويترك الأب يعاني غصة عدم زيارة ابنه عندما كان سجينا بسبب قضية مخدرات. «حان وقت الرحيل» فيلم جميل عن الهجرة، والإيمان، والأبوة، والأسرة والشرف. وقد كان لسيردا جوفين الذي إدار التصوير بصمة واضحة في جمالية سرد الفيلم، كما أضفت الموسيقى التصويرية لرمزي بكر بعدا جماليا أضافيا للفيلم.
جائزة السلام والعدالة كانت من حصة الفيلم السوداني «خرطوم أوفسايد» للمخرجة مروة زين، الفيلم يقدم صورة حميمة لمجموعة شابات في الخرطوم مصممات على لعب كرة القدم بشكل احترافي. وكن مستعدات لتحدي حظر الحكومة العسكرية الإسلامية السودانية، وإن كفاحهن من أجل الاعتراف رسمياً بالمنتخب السوداني للسيدات هو كفاح شجاع تتخلله العديد من المواقف الكوميدية. أما جائزة الجمهور التي تقوم على التصويت لأفضل فيلم فكانت من نصيب فيلم «أنا يوسف يا أمي» الذي حصد 67 في المئة من الأصوات.
أما جوائز الفيلم القصير لهذا العام فقد تقاسمها كل من الفيلم الإيراني «شجرة زيتون سعد» من إخراج أحمد الزعيري الذي حصل على جائزة أفضل فيلم، وجائزة أفضل مخرج حصلت عليها المخرجة الروسية مارينا سارك عن فيلمها «لا أحد، لا مكان، أبدا» وجائزة السلام والعدالة منحت للفيلم المغربي «طيف الزمكان» من إخراج كريم تاجواوت. وذهبت جائزة الجمهور إلى الفيلم العراقي «النعاس في مجرة أخرى» من إخراج ابهيشيك سنغه الذي حصل على 53 بالمئة من أصوات الجمهور.
كما حصل الفيلم القصير «كل شيء يأتي ويذهب» للمخرجة الهولندية الشابة سونا ساهاكيان على جائزة المدينة، يخبرنا الفيلم في دقيقتين أن الحياة لا نهائية، والولادة والموت مجرد انتقالات، يحدث التغيير دائمًا ويؤدي الدمار والانحلال إلى وجود جديد، وقد سعت المخرجة للقول أننا بحاجة إلى التقدير والاستمتاع والنظرة الإيجابية لكل الأشياء الصغيرة في حياتنا بغض النظر عن مدى صعوبة الموقف.
وقدمت لجنة تحكيم الأفلام القصيرة إشادة خاصة بالفيلم القصير «ديما بانك» للمخرج الفرنسي من أصل مغربي دومينيك كوبيت، الفيلم يحكي قصة شاب بانكس من الدار البيضاء، يتبعه المخرج لمدة ثماني سنوات، وبالنتيجة يدفع الشاب ثمناً باهظاً مقابل استقلاله وتمسكه بنمط حياة البانكس عندما يتم القبض عليه وسجنه لمدة أحد عشر شهراً.
على هامش المهرجان السينمائي قدمت إدارة المهرجان حفلا موسيقيا من الشرق إذ قام كل من ساتياكام موكامسينج (كمان) وإلياس نجافي (غناء) وتارانج بودار (طبلة) بتسجيلات حصرية لـ «MENAFF 2021 « تحت عنوان: «أصوات الشرق» كما عزف الفنان المغربي رشيد العلوي من أغاني عالمية في الحفل الموسيقي. وأقيم على هامش المهرجان أيضا معرض تشكيلي افتراضي للفنان رشيد وحتي كشف رؤيته حول السينما وصناعة الفيلم.