تم يوم 18 كانون الأول/ديسمبر الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية. تقليد إيجابي، ومناسبة هامة لإعادة التفكير في واقع اللغة العربية ومستقبلها. أقيمت ندوات، وقدمت محاضرات. وستقام مؤتمرات بالمناسبة على مدار العام. وما يجري في المغرب، يجري في مختلف البلاد العربية.
يقدم المحتفلون دراسات وأبحاثا تنطلق في مجملها من واقع أن اللغة العربية في وضع يستدعي الاحتفاء بهدف الدفاع عنها، من ناحية، والعمل على الارتقاء بها، من ناحية أخرى. لقد ظلت نبرة خطاب الدفاع هي الطاغية. أما خطاب الارتقاء العملي، فيدخل في باب «التوصيات» التي ننساها بعد كل مناسبة احتفاء، لنجد أنفسنا في الذكرى نفسها، نغير فقط صيغتها، وسنظل نبدلها كلما تغيرت أساليب لغتنا، وهي تتطور بمنأى عن تفكيرنا أو تدخلنا.
لا شك أن هناك مبررات متعددة تدعو إلى التفكير في الدفاع عن اللغة العربية وحمايتها. فهناك من جهة من يشكك في العربية، معتبرا إياها لغة «مقدسة»، وأنها بعيدة كل البعد عن أن تكون لغة التواصل، أو البحث العلمي. كما أن هناك، من جهة ثانية، من يطالب بمعاملة اللغات الأخرى المعاملة نفسها، وخاصة دعاة الدارجة والأمازيغية وأخريات. ويُرى في هذه المطالب منافسة للعربية، ومحاولة لزحزحة موقعها لفائدة هذه اللغات. وأخيرا، هناك من يرى أن مشاكل التعليم، وخاصة ما جاء منها متصلا بالتعريب، هو سبب التدهور العام الذي يعاني منه القطاع التربوي.
إن تأملا بسيطا، يتجاوز المقاربة السببية في فهم الأمور ودراستها، يتبين أن كل هذه المبررات أوهى من بيت العنكبوت. فلا التشكيك يودي بيقين كون اللغة العربية قادرة على أن تكون للتواصل والبحث العلمي. ولا المنافسة تزحزح مكانتها. ولا مشاكل التعليم المغربي والعربي، يمكن أن يحل باعتماد اللغات الأخرى، ولو جعلنا الإنكليزية مطلبا ضروريا لمن «تخرج» من الروض لـ»يلج» أبواب المرحلة الابتدائية؟
بين الدفاع عن واقع، ليست اللغة العربية هي المسؤولة عنه، ولكن السياسات المتبعة، سواء في التعليم وفي غيره، وبين العمل من أجل الارتقاء بها، مسافة بعيدة. فالدفاع يستهلكنا، إلى حد أننا نصبح نختزل حل مشاكلها بقرارات وتوصيات وإحداث مؤسسات، ومكاتب وتجهيزات. لكن العمل الجماعي من أجل الارتقاء بها يظل مقترنا بالمقاربة السببية نفسها. فإذا بنا نراوح المكان.
سبق أن كتبت في الموضوع مرارا، وأبرزت أن اللغة العربية، مثل أي لغة، لا يمكنها أن تتطور في غياب المجتمع العلمي، لأنه هو الذي يؤسس للبحث العلمي في اللغة وغيرها. وعدم مساهمتنا في المعرفة العلمية الإنسانية ليس سببه «العربية»، ولكن «المؤسسة». ولا أقصد، العمران، ولكن «الذهنية»، أي من سكن الديارا.
اللغة العربية، ليست لغة قومية، أي تتقيد بجنس، أو عرق. إنها منذ أن ارتبطت بالإسلام، دينا كونيا، تعدت حدودها الجغرافية والقومية، وصارت لغة كل من نطق بها، أو قرأ، أو كتب، أو صلى. إنها، منذ أن اتصلت بالكتاب، مع القرآن الكريم، انتقلت من الشفاهة إلى الكتابة. فصارت لغة كتابة. وهذا ما ناضلت من أجلها كل اللغات «الحية» حاليا، لكي تتجاوز الشفاهية، وتصبح لغة «الوطن» الذي تأسس معها، فتجاوزت اللغة المكتوبة البعد الإثني والقومي. وهذا واقع الإنجليزية حاليا.
العربية من أعرق اللغات وأقدمها. ولا تكاد تضاهيها أي لغة معاصرة في هذا الوضع. ساهمت فيها أعراق وثقافات على مر العصور. وعمر التراث المكتوب بها، يتعدى خمسة عشر قرنا من الزمان. بينما لا يتجاوز عمر التراث المكتوب باللغات الحية المعاصرة سوى بضعة قرون في أحسن الأحوال. فالفرنسي الآن لا يقرأ رابليه (النصف الأخير من القرن السادس عشر)، إلا مترجما إلى لغته الحديثة؟ وشتان بين لغته ومعجمه واللغة الحديثة. بينما يتسير لمتعلم العربية، أن يقرأ نصوصا من القرن الخامس الميلادي. القارئ التركي اليوم مُغرَّب عن تراثه القريب جدا، ولا علاقة له به؟ عندما زرت كوردستان العراق مؤخرا، لاحظت الشباب الكردي لا يعرف العربية؟ فكيف سيطلع على التراث الكردي الذي ساهم فيه الكرد باللغة العربية؟ وهل ترجمته إلى الكردية كافية للإمساك بلغته الأصلية التي ساهم فيها الكرد؟
أعتبر اللغة العربية تراثا إنسانيا. وأن التراث الذي كتب بها تراث إنساني. وإذا كان المجتمع الدولي يهتم الآن بالتراث الإنساني، مهما كانت قيمته الرمزية في الدلالة على «الوضع البشري» (جامع الفنا بمراكش مثلا)، فاللغة العربية جزء أساسي من هذا التراث الذي امتد لقرون زمانية، وغطى مساحة جغرافية من المعمور، تذهب من الشعر الجاهلي في الجزيرة العربية، إلى الشعر المهجري في أمريكا في بدايات القرن العشرين، إلى آداب المهاجر العربية الحديثة حتى أستراليا. خدمت هذا التراث الإنساني أعراق غير عربية في القديم، ومنذ القرن التاسع عشر خدمه «المستشرقون» خدمة لم يقم بها العرب أنفسهم؟ هذا علاوة على دوره في التفاعل الحضاري على مر التاريخ. لا يمكن التعامل مع التراث القديم إلا محولا إلى اللغات الوطنية الحديثة، باستثناء التراث العربي المكتوب بالعربية.
الارتقاء بالعربية مهمة علمية وإنسانية.
كاتب مغربي
سعيد يقطين
أحيي الأستاذ سعيد يقطين على المقاربة القائلة بضرورة اعتبار العربية تراثا إنسانيا
وأن الارتقاء بها مهمة علمية وإنسانية.
وهو الأمر الذي يستلزم التكتل التاريخي لكل غيور على هذه اللغة بغية تمكينها وتحديثها والنهوض بها من حيث الوضع والمتن والتمثل.
اللغة العربية مهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى, اللغة العربية وبدون إرادتها خلقت لنفسها عدوا جديدا , عدو يرى فيها أداة عمل في يد التكفيريين والإرهابيين في البلاد العربية بالخصوص, لغة الدعاية ولغة البكاء والنحيب والأزليات لكسب الآدان والعقول الهشة , الخوف على العربية ليس من الأمازيغية ولا حتى من الإنجليزية , الخوف والخطر والتهديد الكبيرين آت من الفرانكوفونية التي لها جذورها العميقة ومروجوها والمنتفعين بنشرها لأسباب متعددة , من هنا يجب الحذر, الفرنسية ضاربة الجذور في الإدارة والحكومة والمقاولات وفي كل مجال حيوي في تسيير البلاد.
اللغة العربية بالطبع قادرة على أن تكون لغة للتواصل والبحث العلمي, لنقارن فقط مع لغات ـ بحسب رأيي أضعف منها بكثير ـ نأخد اللغة السويدية التي درستها وأثقنتها فهي لغة فقيرة جدا جدا , حيث أنك لاتجد إسما معينا لشيء معين أوفعلا معينا لعمل معين مثلا , فقط بإضافة حرف من حروف الجر أمام فعل يتغير معناه وكذا الأمر بالنسبة للإسم , يعني أصبحت حروف الجر هي التي تفصل بين معاني الكلمة الواحدة, عكس العربية الغنية كل الغنى .
فيما يخص البحث العلمي وبالرجوع للغات الفقيرة , لماذا يتصدر السويديون والنرويجينون والهولنديون الصدارة في جميع أنواع الأبحاث العلمية, إن تحدثت عن السويد التي أتابع مايحدث فيها , فالأبحاث التي تنشر فهي بلغة بلدهم وليس كما قد يظن البعض أنها كلها قد تترجم للغة الأم, ذاك يحصل في أعمل كبرى وهو طبيعي مع كل الللغات.
ثم إلى السؤال البسيط, ماعذر المشككين في قدرة اللغة العربية على التواصل والبحث العلمي؟ ماذا نسمي المصطلحات والأسماء العلمية العالمية , ماذا نسمي الأكسجين والهيدروجين والتيستيسترون والإنزيم والبكتيريا والفيروس, إذن أين الضعف؟ هذه الأسماء وغيرها هي عالمية تسمى هكذا , لنسميها نحن هكذا فلا نعربها ولانحاول أن نكون أذكياء أكثر من غيرنا ونخلق كلمات علمية تقشعر منها الأبدان , فتبقى اللغة العربية لغة وصل وتواصل تشرح وتربط لنا المفاهيم فنسخرها كيفما يحلو لنا.
أعداء اللغة العربية يحاولون تمرير أسباب واهية كصعوبة فهمها بالنسبة لأطفال التعليم الإبتدائي بسبب أن لغة البيت شيء ولغة المدرسة شيء آخر, أعذار واهية بالخصوص في هذا الباب لأن الطفل من سن الثانية إلى السابعة من عمره باستطاعتك تعليمه ثلاث لغات مختلفة وبإمكانه إثقانها على أحسن وأفضل وجه, إذن المشكل ليس في الطفل وليس في اللغة, المشكل فينا نحن لأننا لانعتني بالطفل مبكرا ولا وبالطفولة لكن نخلق لأنفسنا أعذارا ونجلس نلعن العتمة دون فعل شيء , الطفل حتى بعد سن السابعة بالإمكان تعليمه أي لغة جديدة أحببت , السن المبكر فقط مثل على كم السهولة في تعلم الأشياء.
اللغة العربية أداة يقرأ بها القرآن كما يقرأ بها الإنجيل كما يقرأ بها الأدب والشعرفلا نحصرها في إطار ضيق.
أتفق مع كل ما قلته أخ عبد الكريم.
السيد سعيد يقطين…
أشكرك يا أخي على هذا العنوان….
وبدون الدخول في التفاصيل ..أحكي لك بسرعة قصة عشتها .قصة اللغة العربية .
***** في براري جبال الأطلس المغربية ، زرت سيدة أرملة ، وحيدة ، وهي عادة لا تتكلم ، ولا تفهم ، إلا اللغة الأمازيغية المحلية…
كانت تستمع للأثير ، لبرنامج ينشطه أستاذ في الطب – أكرر و أقول أستاذ في الطب – مغربي، يبث نصائحه للعموم ، للمتلقين المغاربية ، بلغة نصفها عربي …..و4/3 ها باللغة الأجنبية الفرنسية.. لأنه ” الأستاذ ” عاجز عن التكلم بلغته الأمّ بطلاقة ..فسألتني السيدة بالأمازيغية كالتالي :
” ماكتني ، وا ، أوهاو ؟ “…يعني شو شغلة ، بيحكي الأستاذ في الطب ؟ …
السيدة لا تعلم حتى اللهجة الدارجة المغربية ، فكيف لها أن تستفيذ من برنامج نصائح طبية يبث يالفرنسي للعموم الشعب ؟…
*** على أدراج كلية الطب ، ربما ” مسموح ” الحكي بلغة أجنبية…
*** عشت في أوروب لسنوات .وفي امريكا لعقود . وفي روسيا…ولم أسمع ابدا يوما ، مذيع فرنسي أو أمريكي أو روسي ، يحكي عربي في برنامج أثير موجه إلى الشعب …
في البلاد الناطقة بالألمانية هناك مبدأ مُسلَّم به وهو ان اللغة الام يجب ان تُدرس بحيث يتمكن التلاميذ من الكلام والكتابة بها وهناك طبعاً مستوى معين يجب تحصيله. في نفس الوقت توجد لهجات المانية تكاد لا تفهم من بقية المتحدثين بالألمانية. و الطبيعي ان يتمكن الفرد من التواصل بكلا الطريقتين مع انه يُنظر الى مُستعمل الفصحى على انه مُثقف و المسهب في العامية على انه ذو ثقافة مُنخفضة المستوى.
من الطبيعي ان يتواصل سكان اي منطقة في البلاد العربية بالدارجة ولكن اذا إرتفع مُستوى الحديث الى مواضيع علمية او فكرية او ما شابه ذلك فلن تُسعف العامية وهنا تُستعمل الفصحى بمستويات مُختلفه وهذا يجري بكل لغات العالم ما عدى عند الكثير من المتحدثين بالعربية إذ يضطر الكثير منهم– إما لضعف مستوى ثقافتهم او لعدم تعودهم إستعمال مُصطلاحات فُصحى- باستعمال كلمات إنكليزية او فرنسية فتنتج لغة مُضحكة هجينة لا يفهمها الا الناطق الشخصي بها
. لن تُحل مُشكلة اللغة العربية إلا باستعمالها كلغة للتدريس في الكليات العلمية في الجامعات العربية.
إصرار بعض الناس في المغرب الكبير على وجوب إستعمال الفرنسية فيه كثير من السريالية. كيف يُمكن إستعمال لغة اجنبية كلغة تدريس و تواصل في مُجتمع تفوق نسبية الأمية فيه ٣٠٪ الاجدر هو محي الأمية وتدريس لغة عربية مُبسطة تكون ارضية صلبة للتعليم بما في ذلك تعلم الفرنسية لمن أراد.
” حماية وتـطـبـيـع الـعـربـيـة مشروع غير منته…”
د/ مـحـمـد غـنـايــم
باحث في اللسانيات،
لقد تم استحضار هذا العنوان من خلال ما غدا يلاحظه المتتبع للشأن اللغوي من حرب لغوية موجهة للعربية من طرف العديد من الفاعلين في حقول متعددة، سواء في المجال الثقافي أو الاقتصادي أو الإعلامي أو الاشهاري…، وكذا من لدن أقلام تتحرك بمداد أجنبي، وهي حرب لغوية يوظف أصحابها متونا معادية للعربية، ويقاربون الظاهرة اللغوية وفق ثنائية تصارعية، واستنادا إلى معجم الاستشراق الجديد.
وأمام هذه الظاهرة، يغدو المتتبع والمتلقي متجاذبا بين مجموعة من الأسئلة حول تناول هذا الطارئ، وكيفية نصرة اللغة العربية. إذاك يتبادر سؤال أولي:
لماذا الدفاع عن اللغة العربية ونصرتها؟
وتتولد عن هذا السؤال أسئلة من قبيل:
– هل الغرض من الحماية الدفاع والتقوقع والمحافظة…، أم المقصود منها الاستباق والاستشراف والتجديد والحداثة والعصرنة؟
– هل تعاني اللغة العربية من تهديد الاندثار والموت، أم تستوجب إعادة التنشيط والتأهيل؟
– هل المقصود من النصرة وضع العربية في محمية لغوية والمحافظة عليها من التهديد، أم تطبيعها وتوطينها وتمكينها؟
– هل مفردة نصرة تحيل إلى الصراع والمنافسة، أم تقتضي ضرورة اليقظة والحركة ضمن مسار السوق اللغوية؟
تستحضر هذه الأسئلة نصرة اللغة العربية داخل نسقها الثقافي وخارجه نتيجة المنافسة التي تواجهها من طرف اللغات المحلية واللغات الأجنبية، على اعتبار أن وجود اللغات يرتبط بالاستعمال والممارسة، ويتم تجديدها وتغييرها عبر التفاعل والكلام …
وتجدر الإشارة، إلى أننا نميل إلى الشطر الثاني من الأسئلة، والتي سنقاربها عبر وضع اللغة العربية في علاقتها باللغات الأخرى وبالمجتمع ضمن استراتيجية تنزع نحو تطبيعها وتمكينها وتوطينها في سياق سيناريوهين متكاملين:
• سيناريو تطبيع الوضع والمتن،
• وسيناريو العمل في التمثلات والفعل فيها.
إن الإطار الذي نحاول توظيفه في مقاربة حماية اللغة، هو إطار التطبيع والتوطين والفعل في التمثلات في سياق الإيكولوجية اللسانية التي تدرس العلاقات بين الألسن ومحيطها، أي العلاقات بين اللغات نفسها، ثم بين اللغات هذه والمجتمع.
إن الحماية بالمعنى الموجب قد يتحقق ضمن سيناريو التطبيع اللغوي الذي يهم:
.أولا: تطبيع الوضع الذي يختص به المسؤولون الرسميون، والمتمثل في تفعيل النصوص القانونية والتشريعية …
.ثانيا: تطبيع المتن الذي يهتم به الحرفيون اللغويون، والمتجلي في: تحديث العربية، وإدماجها في مجتمع المعلومة، وتبيئتها في الحقول الإنتاجية وتمكينها…
.ثالثا: تطبيع إعادة الاعتبار الذي يستدعي التدخل في الفضاء العام عبر العمل في التمثلات– تمثل المواطنين أو الفاعلين اللغويين- والفعل فيها من لدن المجتمع المدني)جمعيات، وهيئات ثقافية، وأفراد ملتزمون بهذه المسألة…(، في سياق استهداف التمثلات من أجل إعادة الاعتبار للعربية والدفاع عن مكتسباتها، والتحسيس الشباب بأهمية الرهان اللغوي ماديا ورمزيا على المستوى الوطني والجهوي والجيوسياسي…، على اعتبار أن تغيير وضع اللغة العربية من حيث الممارسة يستلزم الابتداء بإعادة الاعتبار لها على المستوى الذهني لدى المستعملين اللغويين، وانتهاج سياسة القرب اللغوي، وربطها بالمحيط السوسيواقتصادي في سياق العمل على جعل المنتوج اللغوي يرضي متطلبات السوق اللغوية.
إن طرحنا يؤكد على العلاقة التفاعلية والمركبية بين عناصر التطبيع الثلاثة المقترحة ) تطبيع الوضع، وتطبيع المتن، وتطبيع إعادة الاعتبار المستند إلى الفعل في تمثلات الفاعل اللغوي(، حيث إن كل عنصر بمثابة جزء مرتبط بالآخر ضمن سيناريو الكل، وهو: التطبيع الذي يخدم استراتيجية تمكين الثقافة العربية في مجتمع المعلومة وعصر العولمة عبر تحديثها وتوطينها قصد الفعل والتفاعل.
. تطبيع الوضع
يهم تطبيع اللغة العربية من حيث الوضع، وذلك من خلال:
تفعيل النصوص القانونية حولها من حيث الممارسة، والتفكير في إحداث مرصد وطني للغة العربية يقوم بإغناء التفكير حول استعمالها انطلاقا من معطيات واضحة ودقيقة، وبتقديم أدوات للتقييم، وباقتراح توجهات جديدة. ثم العمل على تصريف السياسة اللغوية عمليا في التظاهرات الوطنية، وفي الصناعات الثقافية، وفي المرافق العامة، وفي الطرق الجديدة للتواصل، بالإضافة إلى توطين استعمال العربية في الملك العمومي، وضبط تهيئة المدينة لسانيا، عبر تجاوز الفوضى اللغوية الموجودة فيها والحد منها…
. تطبيع المتن
يهم تطبيع اللغة العربية من حيث المتن، إغناءها بمفردات العصر، والاستعمال اليومي، ومحاولة تبيئتها في مجتمع المعلومة، والعمل على جعلها لغة الخدمات اليومية…، مع تشجيع استعمالها في المهرجانات والمناظرات والندوات الوطنية، ثم الاهتمام بقطاعات: التظاهرات الدولية، ووسائل التواصل الحديثة، دون نسيان مسألة تحديث معجمها، وخاصة مصطلحاتها وتطوير أعمال المصطلحات ذات التعدد اللغوي، استجابة للحاجة الاجتماعية، وسدا للفراغ الاصطلاحي، وكذا العمل على تشجيع الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، وإنعاش العربية وإغنائها حتى تظل حاضرة في المجالات الاقتصادية والعلمية والتقنية، وتشجيع الكتابة والكتاب، وتنشيط أوراش القراءة والكتابة، والقيام بمسابقات لتنمية لغة الأعمال واللسانيات القطاعية…، وتحديد موقع العربية في الوسائل الحديثة للاتصال، وخاصة في مجال الأنترنيت…
تطبيع العربية من حيث الفعل في التمثلات:
إذا كنا نعتبر كون التمثلات تلعب دورا ما في تطور الحالات اللغوية، فإننا سنخلص إلى صعوبة نجاح سياسة لغوية مناقضة لرأي الناس، ومضادة لتطلعاتهم المادية والرمزية.
ويستلزم هذا الاشتغال على التمثلات قصد إعطاء صورة إيجابية وموجبة عن اللغة العربية، والحماية القانونية للأمن اللغوي لمستعمليها، والعمل على توسيع فضاء استعمالها الاقتصادي والحيوي، والقيام باختراق فضاءات لم تبلغها بعد…
ويستدعي الفعل في التمثلات معرفة المحيط الاجتماعي ومواقف الناس عن المنتوج اللغوي، حتى نستطيع العمل فيها عبر حملات ثقافية… من جهة، وتكييف المنتوج اللغوي العربي مع المواقف والمقتضيات السوسيواقتصادية ، ثم معرفة كيفية تسويق المنتوج اللغوي العربي، وتحديد القطع المزمع استهدافها عبر التساؤل عن: ماهية المنتوج، وطبيعة كلفته، وكيفية ترويجه، وتموقعه، وكذا العمل على ربط اللغة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبالتعبير عن اليومي من جهة أخرى.
وقد يتأتى تطبيع اللغة عبر الفعل في التمثلات في إطار:
التفكير مثلا في تنظيم أسبوع وطني للغة العربية، ومسابقات جهوية حولها، فصليا أو شهريا، وتشجيع إنشاء جمعيات ومنتديات وطنية وجهوية تهتم بالثقافة العربية وبترقيتها، والعمل على توطين العربية في الحقول الإنتاجية: الاقتصاد، والإشهار، والإعلام، والتجارة ، والتلفزة…، وتحسيس الشباب بأهمية اللغة العربية ورهانات استعمالها وتطبيعها… من خلال الاعتماد على أبعاد جديدة وعصرية وحداثية في عملية التحسيس هذه، والتفكير في تنظيم مسابقات حول الكتابة والقراءة بالعربية، وتوظيف أدوات تحسيسية: عروض، أقراص مدمجة، ملفات بيداغوجية، بطاقات، وكراسات…، مع ضرورة تطوير الخدمات بالعربية وتنميتها في الشبكات الإلكترونية: الأنترنيت، والهاتف المحمول، والأقراص المدمجة…، والتوطين والتموقع في مجتمع المعلومة بوصفه فرصة جديدة لهذه اللغة، وتطوير العرض والخدمات بلغات متعددة تكون العربية حاضرة فيها، حتى يكون إرضاء طلب المستهلك طلبا متميزا، وتشجيع التعاون العربي العربي حول اللغة في شبكات المعلومة، وخلق مواقع ذات وثائق بالعربية تمتاز بالفعالية والجودة المعرفية، وتسهيل ولوج المعلومة العربية في الحاسوب و الأنترنيت عبر محاربة الأمية التقانية باللغة العربية، وتنظيم ندوات ومسابقات حول محاور راهنة بهذه اللغة: المواطنة، وحقوق الإنسان، والتسامح، والتعدد الثقافي، والعولمة…
سياسة التحسيس بفعالية اللغة العربية
إن سياسة ترويج اللغة ونشرها لا يمكن أن تنجح إذا لم تعرف انخراط الجميع ودعمهم. لهذا، نشدد على أهمية الأنشطة التحسيسية التي تعمل في التمثلات، والتي نعتبرها عنصرا ضروريا للتطبيق الجيد لكل تشريع لغوي أو سياسة لغوية ما أو تخطيط لساني معين. وتقوم هذه الاستراتيجية على:
. جمع المعلومات والمعطيات حول استعمال العربية، وبناء أدوات التحليل والتقييم، والتفكير في إحداث مرصد وطني للغة العربية كما أشرنا سابقا.
. وتكوين مجموعات عمل حول نوعية العربية في الإعلام وإتقانها في المدرسة.
. والتفكير في أسبوع اللغة العربية تحت عنوان ما، والمدعوم من لدن الإعلام، والذي يوضح: بيان ” غنى” و”حيوية” و”تنوع” العربية، وأهمية الرأسمال اللساني والثقافي والاقتصادي الذي تمثله هذه اللغة.
فضاء اللغة العربية الخاص/الذاتي والموضوعي/العام
إن تحسيس المستعمل بالتحديات التي تواجه العربية يستوجب:
أولا: تحسيس العموم وخاصة الشباب بأن العربية لغة التربية على المواطنة والحداثة، ولغة الفدرلة، وصانعة للتوازن، ومتعالية عن أي انتماء إثنو-ثقافي، وأنها لغة التداول الشامل أفقيا وعموديا بمقتضى حيادها الإيجابي، وإرث ثقافي وحضاري يحتاج إلى التأهيل والتحديث المتواصلين…
ثانيا: تحسيس العناصر الموجودة في المحيط الاجتماعي بأنهم فاعلون ومسؤولون عن وجود العربية وحياتها في التراب الوطني والقومي والعالمي. وأن للعربية موقعا مشرفا على المستوى الدولي، مما يستلزم العمل على حماية هذا المكتسب أولا في فضائها الذاتي الخاص )الفضاء الجيولساني العربي والإسلامي(، وفضائها الموضوعي)المحيط الدولي والقاري (، والعمل على ولوج فضاءات جديدة.
ثالثا: تحسيس المسؤولين في المصالح العمومية، وفي التربية والتعليم، والبحث العلمي، والإعلام، والاقتصاد… بأهمية رهان تطبيع العربية وترقية استعمالها وتمكينها في الحقول العامة والخاصة…
شكراً للاستاذ سعيد يقطين ، لهذا المقال الجميل والمهم ، وشكراً للأساتذة اللذي أثروا المقال من خلال تعليقاتهم الجادة. والثرية بالممعلومات والأفكار المهمة ، واللتي يجب أن يؤخذ بها للمحافظة على لغتنا العربية الجميلة
وأحب أن أضيف لكل ماتفضل به الأكارم قبلي : أن كل من يتصدر للعمل العام ان يكون متقناً للغة العربية ، ويجب ألَّا يوظف في هذه الوظائف العامة الحساسة إن لم يكن كذلك