ماذا بعد «انتخابات» الأسد «الديمقراطية» جدا

حجم الخط
0

لم تكن النتيجة المحسومة منذ زمن الاستفتاءات الصورية، التي تحولت إلى انتخابات أكثر صورية، على شخص رئيس النظام السوري مفاجئة لأحد، فباتت ومنذ نصف قرن دورة سرمدية كأي دورة من دورات الأجرام السماوية تهل علينا مع نهاية كل سبع سنوات عجاف، ولا يتغير شيء في نظام، وصف نفسه بالأبدي، سوى أنها مع كل سبع عجاف جديدة تبدو أكثر عجفا من سابقاتها. لكن المفاجأة جاءت من النتائج التي وضعت ليس على أساس عدد الأصوات لأن أحدا لم يكلف نفسه لحسابها، وأعلن عنها سريعا فالرئيس “المحبوب” ذو الشعبية التي لا تضاهى حصد 95.1 من الأصوات. والغريب في أمر هذه النتيجة أنها جاءت أفضل من سابقتها في العام 2013، حيث حصد الرئيس المحبوب، ذو الشعبية التي لا تضاهى، 92.2 من الأصوات، أي أنه وعلى عكس الديمقراطيات الغربية التي تنخفض فيها شعبية الرئيس أو ترتفع حسب إنجازاته وإخفاقاته، فإن “ديمقراطية ” النظام في سوريا ترتفع فيها شعبية الرئيس كلما أمعن في قتل شعبه، وتدمير بلده، وخرب اقتصاده، وجلب كل زناة الأرض لاغتصاب أرضه.
دوما المكلومة

من دوما المكلومة رفع الرئيس المنتصر على شعبه راية النصر، دوما إحدى المدن التي أصابها كيميائي النظام بمقتل أطفالها ونسائها، هي مدينة المشمش، والعنب، والزيتون، ومدينة رزان زيتونة ورفاقها الذين انخرطوا في الثورة بدفاعهم عن حقوق الإنسان المفقودين منذ بدايات الثورة.
هذه المدينة التي تم ترحيل أهاليها بالحافلات الخضر إلى إدلب بعد انسحاب الفصائل المسلحة المعارضة منها وتسليم أسلحتهم للنظام بترتيب من روسيا التي حضرت على عجل في العام 2015 لإنقاذ النظام من السقوط.
وجاء الرئيس المنتصر إلى المدينة العصية ليدلي بصوته على مقابر الأطفال الجماعية إمعانا في الإخضاع والإذلال والدوس على الكرامات.

المعارضة: إدانات لفظية

المعارضة في المناطق المحررة (إدلب وبعض مناطق ريف حلب وحماة) نظمت مظاهرات رافضة لهذه الانتخابات منذ بداية الحملة، ومعارضة الداخل عارضت المشاركة في التصويت (هيئة التنسيق)، أما معارضة الخارج والمتمثلة بشكل أساسي بالائتلاف الوطني والتي تخلت عنها الدول الغربية منذ بدايات تشكيل المجلس الوطني، ثم الدول العربية التي كانت تدعمها بعد أن غيرت في مواقفها من النظام، فإن خطابها لم يرق إلى مستوى الحدث، واقتصر على لغة الأرقام في أعداد الناخبين، مقارنة بأعداد السوريين المتبقين تحت سيطرة النظام الذين يبلغ عددهم أقل من عدد الناخبين، وكأن النظام استدعى الأموات قبل الأحياء للإدلاء بأصواتهم.

الأنظمة العربية: مواقف متضاربة

منذ قبيل الانتخابات بدأت بعض الأنظمة العربية تحركا باتجاه عودة تأهيل النظام السوري بالتنسيق مع الوصي المنتدب الروسي الذي يبحث عن عودة النظام إلى الجامعة العربية تمهيدا لتأهيله دوليا وبدء عملية إعادة الإعمار.
البعض الآخر التزم الصمت كل لسبب في نفسه، من يخشى من هبة شعبة ضده، ومن ضغوط عربية، وأجنبية وخاصة إيرانية، وروسية وكأن دماء أكثر من نصف مليون شهيد سوري، وتدمير بلد وتهجير شعبه لا تعنيها أبدا.
وحدها فقط قطر التي أعلنت على لسان وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني:
“إن بلاده لا تعتزم تطبيع العلاقات مع سوريا”، وذلك بعد فوز الرئيس السوري بشار الأسد بفترة رئاسية رابعة الأسبوع الماضي في انتخابات وصفتها المعارضة والغرب أنها مهزلة.
وقال وزير الخارجية “لم نر أي أفق لحل سياسي يرتضيه الشعب السوري حتى الآن.. لم نر أي تقدم في ذلك. هناك استمرار في النهج والسلوك نفسه” لا يوجد لدينا أي دافع لعودة العلاقات في الوقت الحالي مع النظام السوري الذي يرتكب جرائم بحق شعبه”.

الدول الغربية والعقوبات

الدول الغربية بشكل عام وعلى رأسها أمريكا دانت هذه الانتخابات واعتبرتها غير شرعية، وغير نزيهة وتقوض العملية السياسية، وضد قرارات الأمم المتحدة وخاصة قرار 2254 الذي ينص على بدء عملية سياسية ومفاوضات بين النظام والمعارضة تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.
هذا الموقف اعتبره رأس النظام السوري في تصريح له من دوما المكلومة أنه “يساوي صفر” إمعانا في تجاهل موقف هذه الدول، وقرارات الأمم المتحدة.

وماذا بعد؟

لم يقم النظام بإجراء هذه الانتخابات عبثا، لأنها من ناحية استحقاق انتخابي لا يمكن تجاوزه وتحمل الانتقادات جراءه، ثم يريد أن يسبغ على نفسه شرعية سياسية تؤهله أمام داعميه لتعويم نظامه من ناحية، وعودة الهجوم على مناطق المعارضة المحررة بشكل أشرس، وبدعم من جيش وسلاح الطيران الروسي، والميليشيات الإيرانية وحزب الله. وهذا سيعيد سوريا إلى أتون المعارك الدامية مع فصائل المعارضة المدعومة من تركيا التي بدورها ستصاعد من وجودها وتسليح مواليها. كما أن النظام يريد أن يوجه رسالة للداخل ولكل السوريين المعارضين الصامتين أن لا بديل غيره، فما عليهم سوى الانصياع والتأييد بالإرغام، وهذا ما شهدناه من مباركات من رجال دين، وموظفين، ومجموعات لا مجال لها أمام تهديد “الشبيحة” سوى أن تساق إلى الرقص في “العرس الديمقراطي” تحت القمع وفوق الدم.

صحافي وإعلامي سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية