قليلة هي الأحداث السياسية التي بوسعها أن تنافس اللحظة الدراماتيكية الكفيلة بالوقوع في الأيام القادمة إذا ما استبدل بنتنياهو رئيس وزراء آخر بعد 12 سنة في المنصب. فلقاء رئيس “يمينا” نفتالي بينيت، ورئيس “يوجد مستقبل” يئير لبيد، ورئيس “الموحدة” منصور عباس، في “كفار همكابيا” أمس، والذي انتهى بالتوقيع على الاتفاق لتشكيل الائتلاف، هو بلا شك أحد هذه الأحداث.
فتوقيع عباس في نهاية اللقاء هو دليل أكثر بكثير من اتفاق رسمي على تسويات وتوافقات؛ فهو يمثل إمكانية بداية العودة إلى الحياة الطبيعية في المجتمع الإسرائيلي ويعطي الإشارة الأولى إلى أن الزعماء من كل الأطراف وجدوا، في نهاية المطاف، الشجاعة للتحرر معاً من قيود المفاهيم الشوهاء القديمة.
روح العراب الرئيس خدمت من هم في غرفة المفاوضات: رئيس الوزراء نتنياهو الذي هيأ القلوب وطهر الدنس عشية الانتخابات الأخيرة وما بعدها في ختام سنوات طويلة من الخطاب التحريضي والمسيء تجاه الجمهور العربي، كام هو السبب والمسبب لهذا اللقاء الخاص الذي لم يقع مثله من قبل في السياسة الإسرائيلية. هو الذي بادر إلى خطوات دحرت العربي واليهودي إلى زاوية ضيقة اضطرا فيها للتحدث لأول مرة كأصحاب مصالح متساوين، وهو المخرج الذي أنتج من تحت يديه المسرحة غير المنتهية الذي سيضطر لأن يكتبها يمينيون ويساريون معاً.
حدث نادر، لكنه ليس صدفة: كل الاستطلاعات تثبت أن الغالبية الساحقة من اليهود والعرب معنية بالحياة المشتركة، وتشهد على ذلك الأربعة مقاعد التي جندها عباس لنهجه الاندماجي في الحياة الإسرائيلية العامة. في غضون أقل من سنة، جعل نفسه شخصية مركزية في السياسة الإسرائيلية، وشريكاً في موضع غزل في ديوان رئيس الوزراء وناطقاً مطلوباً في الاستديوهات التلفزيونية.
فوق الأسباب السياسية بكثير، تربط السحابة الثقيلة لقتلى وجرحى اضطرابات العنف في المدن المختلطة في الشهر الماضي، وهي لا تزال تخيم على مستقبل العلاقات وترفض التمدد بسهولة. في بيوت العزاء، وفي المستشفيات وفي مكاتب ضريبة الأملاك، لا يزال الناس يجمعون حطام الحياة القديمة قبل أن يتفجر دمل الإهمال ويتساءلون ما إذا كانوا سيعودون للعيش معاً بعد أن رأى كل منهم الموت للآخر. وأسرع مما توقعوا، قد يستردون ما يستحقونه من الزعماء: إحساس الأمن في أن حياتهم مودعة في أيدي منتخبي جمهور مسؤولين ونزيهين قادرين على الأقوال والأفعال.
الآن، ولأول مرة، ما إن تحطم ذلك السور الإسمنتي الأليم الذي بني بين العرب واليهود في مجلس النواب وتعمق في المجتمع الإسرائيلي، فستكون مسؤولية الشركاء الائتلافيين كلهم المحافظة على الثغرة التي فتحت نحو الأفق البعيد، ويبقوها مفتوحة ويضعوا لها حراساً مخلصين خوفاً من أن تغلق مرة أخرى -لا سمح الله- بإسمنت السياسة الاستعمالية.
بقلم: ميراف بطيطو
يديعوت 3/6/2021